أسلوب تبادل الأدوار، بات أسلوبا أصيلا لتنزيل إستراتيجية قوى التدين السياسي، ذات الجذور الإخوانية . وما يظهر من حمم الصراع المتطاير، بين التيار البرغماتي الذي يتزعمه سعد الدين العثماني، وتيار المزايد الذي يتزعمه بنكيران، هو مجرد تكتيك سياسي الغاية منه تدبير الحكومة، و في نفس الوقت معارضتها، فبنكيران الذي لبس عباءة المعارض، و يتظاهر بالرجوع للوراء في نفس الوقت، يسير من خلال ستار الأزمي رئيس المجلس الوطني الذي يلعب دور واجهة بنكيران، بغاية تصريف خطة متفق عليها مسبقا تقوم على أساس تبادل الأدوار، تخول لهم الاستفادة من الامتيازات الحكومية و في نفس الوقت عدم تحمل المسؤولية السياسية للقرارات التي يتخذونها. إن هذا الأسلوب يمثل ضربا قويا للفلسفة الديمقراطية، ووضوح الموقع، و كذلك قمة اللامبالاة والتعامل اللامسؤول بقضايا الوطن التي من الممكن أن تصبح أسبابا لكوارث مقبلة بدأت تلوح بوادرها عمليا في الأفق .. و حديث الأستاذ عبد الصمد لكبير، بكون العدالة و التنمية مقبل على انقسام أو إنقلاب هو تركيب لا يستقيم ، وعدم قدرة على فهم الظاهرة الإخوانية، وفق أدواته العلمية المتجاوزة فالمنهج المقارن الذي اعتمده بالمقارنة والقياس بين أوجه التشابه والاختلاف بين ظاهرتين لا يسعف في فهم المعرفي القائم على معرفة أنماط سياسية مختلفة، فالعدالة و التنمية في أصلها جماعة دعوية و بالتالي هي خلاف التعبيرات السياسية التي أفرزتها التربة المغربية هي أداة أفرزها سياق دولي لتنظيم عالمي، حركة إخوان المسلمين وهذا ما يجعلها مختلفة عن البنيات الحزبية، و لهذا فان لا مقارنة مع وجود الفارق، وذلك ليشرح الاختلاف بين الانشقاق الذي شهده الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال بانشقاق داخل العدالة والتنمية جناح بنكيران عن جناح العثماني لكون هناك اختلاف على مستوى السياق التاريخي و التنظيم أو على مستوى المشروع... ويبدو أن هناك خلطا في تفسير المظاهر الحزبية بالمغرب لدى العديد من الباحثين و المحللين، فهم عندما يقارنون تجربة العدالة والتنمية بتجربة الاتحاد الاشتراكي، فإنهم يخرجون بخلاصات تبسيطية لا يمكن أن تفسر جوهر الظاهرة، لأن المقارنة لا تستقيم بالنظر للاختلافات في طبيعة البنى التنظيمية والمشروع لكل من الحزبين. وهكذا فحزب الاستقلال كان جبهة جمعت جل المغاربة المطالبين بالاستقلال والمحافظة عن الذات ومواجهة الآخر. و انشقاق كان طبيعيا لكون مرحلة للاستقلال أفرزت تبيان فلسفة التدبير وطبيعة الدولة و فلسفتها بين اتجاه استقلالي منبهر بالتجربة القومية و اتجاه اتحادي مؤمن بالاشتراكية و التحرر و الحداثة. وعليه فان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و بعده الاتحاد الاشتراكي، كانت بنيته التنظيمية، جبهة أكثر منها حزب، لكونه كان يضم تيارات متعددة المشارب فيها الاشتراكي والإسلامي والقومي والثوري والإصلاحي، مما جعل بنيته التنظيمية قائمة على التباين والصراع بين هذه الروافد الفكرية التي اشتركت كلها في ضرورة ترسيخ المشروع الديمقراطي، الذي يقوم على كون دمقرطة المجتمع تمر لزاما عبر دمقرطة المؤسسات والدولة. أما على مستوى العدالة والتنمية، فهو حزب سياسي تشكل بعدما كان جماعة دعوية، وهذه الجماعة قائمة في الأصل على مشروع دعوي، نواته الصلبة جماعة التوحيد والإصلاح، والتباين لا يحسم بالديمقراطية حتى وإن ظهرت في بعدها الشكلي، فهي لا تعدو أن تكون ديمقراطية الواجهة، لا بعد قيمي لها، كما أن القيادات لا تترجم اختيار الإرادة العامة، بل من خلال "الغلبة" باعتماد البيعة التي هي قاعدة شيوخ الجماعة؛ خاصة بمحيط الزعيم.. ومن جهة أخرى أن هذا "الغالب" يصبح هو الزعيم الآمر والناهي في التنظيم، لا مجال فيه للمبارزة الفكرية أو المشاريعية الواقعية بتداول من طرف القيادة.. إذ يُكتفى بما يسمى بمفاتيح التنظيم، الذين غالبا ما يكونون مدعومين من شيوخ الجماعة المؤيدين مسبقا لطرف دون آخر. وبالتالي من الصعب فهم البنية المتشابكة للعدالة والتنمية وفق مقاربة مؤسساتية أو عددية لأية جهة.. و بالتالي فيمكن أن تأتي في آخر المطاف فتوى من شيوخ الجماعة، و تكون هي الحاسمة في الأخير لهذا الطرف أو ذاك. خلاف ما اتجه فيه البعض فان مجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، و تطرقهم للقانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، لا يظهر تناقضا داخل العدالة والتنمية بين جناح بنكيران وجناح العثماني لكونه من طبيعة تكتيك السياسي الذي اعتادت عليه العدالة و التنمية. كلنا علينا الإخراج الذي تم فيه التصويت للامتناع و ليس بالحسم بمعنى أن التناقض تم تصدره ه خارج البنية التنظيمية، في رسالة واضحة التنظيم اسبق من التحالفات المؤسسية و لو كانت الحكومة او البرلمان، و خروج العثماني بشكل رجعي للإشادة بالقانون الإطار لا يعني أن هناك شرخا بل ظروف المرحلة و نحن مقبلين على سنة انتخابية تفرض تهدد التحالف الحكومي قبل الوصول للانتخابات. فالعدالة و التنمية يلعب على الوقت و مستعد في حالة فشل الحكومة يتنصل من المسؤولية السياسية و ينقلب على الحكومة و يخرج بنكيران. بالشكل ليس كما عالجه البعض بكونه خلاف ذو عمق فكري وإيديولوجي، و عدم حضور حضور بنكيرن للمجلس الوطني ليس مؤشر قطيعة إيديولوجية وفكرية وسياسية بل يدخل ضمن هذه الاستراتيجية ثابتة عند العدالة و التنمية.