تمثل إفريقيا، كامتداد طبيعي وعمق استراتيجي للمغرب، أولوية للمملكة، وقد تم تأكيد هذا المعطى التاريخي وتكريسه وتعزيزه على مدى العشرين عاما الماضية في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس. فقد اكتسبت علاقات المغرب المتجذرة في التاريخ مع البلدان الإفريقية زخما أكبرا، توطدت معه عرى الصداقة والأخوة مع هذه البلدان، وذلك بفضل العديد من المبادرات والسياسات التي أطلقها جلالة الملك في سبيل تحقيق هدف وحيد يتثمل في إقامة شراكة تعود بالنفع على الجميع وتخدم التنمية والتعاون جنوب-جنوب على كل المستويات. وبالفعل، فقد تميزت السنوات العشرين الماضية بسلسلة من الجولات التاريخية لجلالة الملك في العديد من البلدان الإفريقية. ففي كل أنحاء القارة، كانت الزيارات غنية بالمبادرات والإجراءات الموجهة لصالح الأفارقة ومن أجلهم، والتي تؤكد، على نحو ملموس، أن الاهتمام الذي توليه المملكة لازدهار إفريقيا يندرج ضمن الأهداف الثابتة وذات الأولوية لسياسة المغرب الخارجية. ويعد التزام المغرب جنبا إلى جنب مع البلدان الشقيقة والصديقة في إفريقيا جنوب الصحراء واقعا بينا، ويشهد على ذلك انخراط المملكة في جهود التنمية المستدامة لهذه البلدان والانفتاح المتزايد للشركات الوطنية على السوق الإفريقية. ويجدر التذكير، في ظل احتفالات المملكة بعيد العرش المجيد، بالحصيلة الإيجابية والآثار الحسنة للرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس التي أرست أسس دبلوماسية حكيمة ومتطلعة نحو المستقبل. فبالإضافة إلى المحور الثقافي والديني، الذي يظل أحد أركان هذه الدبلوماسية، بالنظر للعلاقات الروحية والثقافية التي تشكل أساس الروابط التي تجمع المغرب بمختلف البلدان الإفريقية، يواصل التعاون الاقتصادي منحاه التصاعدي معززا مسلسل الشراكة الناجحة بين المغرب وإفريقيا. وقد ساهم الفاعلون المغاربة، من خلال العديد من البعثات إلى السنغال وكوت ديفوار والغابون والكاميرون وغينيا وبلدان أخرى، في تسريع النمو من أجل اندماج إفريقي أفضل، وكذا في تحقيق هدف "صنع في إفريقيا" الذي سيساهم، بلا شك، في استقرار افريقيا وتحسين موقعها في سلسلة القيمة العالمية. وحتى قبل عودة المغرب التاريخية إلى عائلته المؤسساتية، الاتحاد الافريقي، في يناير 2017، لم تتوقف يوما وتيرة انفتاح المملكة على محيطها الافريقي. وطوال فترة غياب المملكة عن مؤسسات المنظمة الإفريقية، فقد ظلت قريبة من نظرائها الأفارقة من خلال استراتيجية شراكة شاملة، مسترشدة برؤية مستنيرة وبتفكير مستقبلي للتعاون جنوب - جنوب. ويرى الاقتصادي السنغالي كاديالي كسامة، أن غياب المغرب الطويل عن الاتحاد الإفريقي لأكثر من ثلاثة عقود لم يمنع المملكة من نسج "علاقات اقتصادية قوية"، تقريبا، مع جميع بلدان القارة. وسلط كسامة في عمود له نشر مؤخرا، الضوء على استراتيجية رابح - رابح التي طورها المغرب في إفريقيا، مشيرا إلى أن المملكة، التي تملك رصيدا كبيرا من التضامن الإنساني والتاريخي والثقافي مع إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى "تشكل عاملا رئيسيا يمكن أن ينعش، بدون شك، اقتصاد المنطقة". وتحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يعتبر انفتاح المملكة على إفريقيا، اليوم ، نموذجا ناجحا للشراكة جنوب - جنوب وللعلاقات المتميزة، لا سيما مع منطقة غرب افريقيا، مشكلا بذلك قاعدة لمقاربة التبادل المربح للجميع الذي تبناه المغرب بكل أبعاده في علاقاته مع القارة. وهكذا أصبحت المملكة كما أشار، مؤخرا، رئيس مجموعة البنك الإفريقي للتنمية إيكونومي أديسينا، فاعلا رئيسيا في التكامل الاقتصادي للقارة الافريقية. وقال أديسينا في تصريح للوكالة على هامش الجمع العام السنوي الرابع للمساهمين في المنصة الافريقية للاستثمار " أفريكا 50" الذي انعقد في العاصمة الرواندية كيغالي إن "لدى المغرب عزيمة رائعة للاستثمار في القارة الافريقية والدفع بالتكامل الاقتصادي لافريقيا". وهكذا، فإن انفتاح المغرب على محيطه الافريقي هو خيار استراتيجي والتزام من أجل المستقبل. مستقبل واعد بالتنمية والازدهار الذي تمثله القارة .