عارضت سلطات الجزائر رغبة عائلة الزعيم التاريخي للجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية الشيخ عباسي مدني، الذي وافته المنية أمس الأربعاء بمنفاه بالعاصمة القطرية الدوحة، في دفنه يوم غد الجمعة بمسقط رأسه، وأكدت في المقابل السماح بدفنه يوم السبت المقبل. ويأتي رفض سلطات الجزائر السماح لعائلة عباسي مدني بتشييع جثمان هذا الأخير، غدا الجمعة، خوفا من أن تتحول الجنازة إلى مسيرة ضخمة تزامنا مع المظاهرات المرتقبة خلال هذا اليوم الذي يصادف الجمعة العاشرة من احتجاجات الجزائريين. عباسي مدني، الذي أسس رفقة علي بلحاج الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية بهدف إقامة دولة إسلامية في الجزائر، توفي عن عمر يناهز 88 عاما، أمس الأربعاء في منفاه بالدوحة حيث كان يقيم منذ 2003. وكان مدني من دعاة تأسيس دولة إسلامية في الجزائر، ودعا الى الكفاح المسلح بعد أن ألغى الجيش الجزائري سنة 1992 نتائج الانتخابات التعددية الأولى في البلاد، والتي فازت فيها آنذاك الجبهة الإسلامية للإنقاذ، قبل ان يتم حلّ الجبهة، لتغرق الجزائر في حرب أهلية دامية عرفت ب"العشرية السوداء" خلفت أكثر من مائتي ألف قتيل. وأوردت وكالة الأنباء الجزائرية نبأ الوفاة مشيرة إلى أنه كان يعاني من مرض قرحة المعدة وضغط الدم حيث لازم المستشفى لعدة أيام بقطر. وقال علي بلحاج، الذي شارك مع مدني في تأسيس الجبهة، إن مدني "أراد أن يدفن في الجزائر، لكن لا أعلم إن كان ذلك ممكنا"، مشيرا الى أن الأمر يتوقف على السلطات الجزائرية، مؤكدا أن وفاة مدني تترك "فراغا كبيرا" وأنه كان "رفيقا في النضال". لكن بالنسبة للعديد من الجزائريين فإن عباسي مدني والجبهة الإسلامية للإنقاذ يرتبطان بالحرب الأهلية الجزائرية أو ما يسمى ب"العشرية السوداء" التي أغرقت الجزائر في أعمال عنف على خلفية إلغاء نتائج الإنتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ قبل أن تحظرها السلطات. وأدى النزاع المسلّح بين قوات الأمن الجزائرية والجماعات الإسلامية إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين في اعتداءات ومجازر نُسبت إلى الإسلاميين، وساهم فيها الجيش والمخابرات.. وكان مدني الذي أودع السجن في يونيو 1991 دعا للمرة الأولى إلى وضع حد لأعمال العنف في يونيو 1999 حين أعلن "الجيش الإسلامي للإنقاذ" إلقاء السلاح. ولطالما اشتُبه بأنه يدير من سجنه سرا عمليات هذه الجماعة المسلّح.ة وأطلق سراح مدني في يوليوز 2003 بعد أن صدرت بحقه عقوبة بالحبس 12 عاما، قضاها بين الزنزانة والإقامة الجبرية، لإدانته بالمساس بأمن الدولة، وقد منع من ممارسة أي نشاط سياسي. وبعد أن دعا مجددا إلى وقف النزاع المسلّح، غادر مدني الجزائر لأسباب صحية وأقام في ماليزيا ثم في السعودية وقطر حيث بقي هناك حتى وفاته أمس الاربعاء. وكان دعا من الدوحةالجزائريين إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية في الجزائر معتبرا أنها تجري في ظل "نظام غير شرعي". كان النواب الجزائريون قد أقروا في عام 2011 قانونا يحول دون عودة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الساحة السياسية. وجاء في نص القانون أنه "يمنع تأسيس حزب سياسي او المشاركة في تأسيسه او هيئاته المسيرة على كل شخص مسؤول عن استغلال الدين الذي افضى الى المأساة الوطنية". وأوردت الوكالة الجزائرية أن عباسي مدني، المزداد عام 1931 بمدينة سيدي عقبة (بسكرة)، انضم الى صفوف الثورة التحريرية مبكرا، واعتقلته السلطات الاستعمارية في سنة 1954 وبقي في السجن الى غاية سنة 1962. وعمل مدني أستاذا في جامعة بوزريعة بالجزائر العاصمة ودعا إلى حكم إسلامي في البلاد ما كلّفه حكما بالحبس في ثمانينيات القرن الماضي. وحوّل مدني المساجد إلى منابر سياسية، وأسس مع قادة إسلاميين الجبهة الإسلامية للإنقاذ للمطالبة بإصلاحات ولا سيما التعددية السياسية. وبعد عام من تأسيسها تصدرت الجبهة بداية التسعينيات نتائج الانتخابات البلدية ثم التشريعية. وبعد تحقيق الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزا كبيرا في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية قرّرت السلطات الجزائرية إلغاء الانتخابات وحظر الجبهة.، لتدخل البلاد في ما يسم بالعشرية السوداء التي اودت بحياة العديد من الأبرياء..