عرف العالم قديما الرسومات قبل الكتابة و عبر بها عما يجول بخاطره، بل وكتب بها تاريخه ووثقه، على رغم بساطتها كانت كافية لإعطائنا نظرة عن حياته السياسية والاجتماعية...وعلى مر العصور أخذ هذا الفن يتطور بتطور الإنسان و بالتالي تغيرت وظيفة الرسم منتعبيرات توثق لأحداث مهمة إلى فن قائم بذاته خصوصا مع بداية النهضة الأوربية... ليس الغرض من هذه السطور هو سرد تاريخ فن الرسم، لكن الغرض هو توضيح أهميته على مر العصور و دوره في حياة الشعوب إلى أن تفرع منه ما سمي بالكاريكاتير الذي يمكننا القول عنه أنه رسم بسيط يهدف إلى إيصال فكرة أو رسالة بالاعتماد على الرسم. عرف المغرب فن الكاريكاتير منذ سنين خلت، بل وظهرت تجارب لجرائد كانت مادتها الأساسية هذا الفن، وكانت تلقى لدى المغاربة قبولا كبيرا خصوصا في فترة كان المغرب يعيش أوضاع سياسية محتقنة، فكان الكاريكاتير من بين الأشياء التي تنفس على المغاربة بعض الاحتقان الذي كانوا يعيشون فيه، ورغم أن الخطوط الحمراء كانت كثيرة استطاع رسامون كثر نقش أسمائهم في ذاكرة المغاربة في تلك الفترة بفضل رسوماتهم التي كانت تعبر عن بعض همومهم واهتماماتهم.
أما الآن ومع التطور التكنولوجي الهائل الذي أصبحنا نعيش فيه وكذلك الحقوقي تغيرت الرسومات وتغيرت أيضا المواضيع، وظهر جيل جديد من رسامي الكاريكاتير، وطبعا عندما نقول جيلا جديدا فإننا نقصد جيلا يفكر بطريقة جديدة ويبدع بشكل جديد، و بالتالي تعاطيه مع المواضيع سيكون بشكل جديد، لكن السؤال المطروح هل يتوفر المغرب على أسماء كبيرة في هذا الميدان تلبي حاجيات المتلقي وحاجيات الجرائد المتوفرة بكثرة في السوق، الورقي منها و الإلكتروني؟ أعتقد بأن الجواب سيكون لا... أعترف أنه لدينا رسامين استطاعت رسومهم أن تعبر حدود المغرب وتعانق العالمية، تستمتع وأنت تقرأها بعينيك، تلخص الكثير من الكلام والمقالات والأشعار والأغاني، رسم واحد يلخص حدثا ما، يتعامل معه الرسام بمكر، يستطيع أن يقدم لك رسما جامعا وافيا فيه ذكاء كبير... وهذا ما يمكن اعتباره فنانا كاريكاتيريا، وكما قلت مثل هؤلاء قلة في المغرب.
في المقابل هناك بعض الرسامين لازالوا يرسمون بطريقة كلاسيكية لم يعد لها مكان في عصرنا الحالي، يكررون رسوماتهم وأفكارهم في كل عمل جديد لهم، لم يخرجوا من جبة الرسم التقليدي القديم الذي يعتمد على رسم شخصيات بشكل مضحك، إما ببطن منتفخ أو أنف طويل أو شخصية عامة بظفائر نسائية وهنا يحضر الرسم الساخر من الشخصية وتفتقد (بضم التاء)الفكرة والمضمون، حيث يصبح الرسم في حد ذاته عبارة عن سخرية من الشخص المرسوم بدون إيصال رسالة أو معنى، وأعتقد أن هذا ما يجعل بعضالذين يتبنون هذا النهج محط هجوم من عدة جهات، وفي الغالب بعض الرسامين ولا أقول رسامي فن الكاريكاتير، لأن هناك فرق بينهما ونظرا لافتقارهم لأفكار جديدة وخلاقة يلجأون إلى توظيف رسومات ذات طابع جنسي كالتبان والعازل الطبي... وإقحامها في رسوم شخصيات أو معالم دينية كالمساجد مثلا، وهي في الواقع رسومات فقيرة من حيث الافكار، كل ما يقوم به ذلك الرسام هو التكرار، نفسالقالب و تختلف الشخصيات التي تؤثث ذلك القالب، رسم التبان، رسم العازل الطبي، رسم علامة شهيرة لدار دعارة معروفة عالميا... ثم رسم شخصية معروفة وحبذا لو كانت ذات مرجعية دينية معينةوالرسم جاهز للنشر وتحقيق الجدل، أما الفن والهدف والفكرة والرسالة لاشئ من ذلك موجود، وتحضر هذه الرسومات بكثرة في بعض المواقع لأن أصحابها يعرفون مسبقا أنها ستخلق موجة من التعليقات وردود الأفعال فتكون المتابعة مضمونة والكم حاضرا على حساب الكيف.
المطلوب من فنان الكاريكاتير وأكررها فنان الكاريكاتير وليس الرسام الذي يرسم شخصيات بشكل مضحك فقط، أن يكون بالفعلفنانا ومبدعا، وظيفته الإبداع وتقديم أفكار جديدة من وحي الموضوع الذي يرسمه وأن يقدم رسالة من وراء ما يرسم، حتى نستطيع أن نخلق في المغرب جيلا جديدا يصل إلى العالمية، فلا تنقصنا المواهب التي ترسم، لكن تنقصنا المواهب التي تبدع، ونخرج من إطار الرسم الكلاسيكي المتداول، ألا وهو رسم السخرية حتى لا أقول الاستهزاء فقط، فليست كل رسومات الكاريكاتير هدفها هو الإضحاك فقط، وليس كل من يرسم فهو فنان.