حصل حزب الأصالة والمعاصرة على حصة الأسد من غنيمة انتخابات 4شتنبر، رغم عدم حصوله على نسبة أصوات تعادل أصوات غريمه حزب العدالة والتنمية، إلا أنه عرف كيف يتدبر أمره و عرف من أين تؤكل كتف التحالفات و سيطر على الجهات وقلب المشهد السياسي وقلب النتيجة لصالحه واستطاع سحب بساط رئاسة أهم الجهات من تحت أرجل خصمه اللذوذ حزب العدالة والتنمية، لكن رغم ماقيل عن الطرق الملتوية التي نهجها حزب الجرار في نسج تحالفاته وعلامات الاستفهام الكبيرة التي يطرحها المواطن المغربي حتى البسيط منه، كيف لشخص كإلياس العماري حصل على نسبة أصوات ضعيفة لا تصل حتى إلى مئة صوت في قرية نائية وبدون منافس يذكر أن يصبح رئيس جهة مهمة؟ وكذلك الشأن بالنسبة للباكوري أمين عام الحزب الذي حصل على أصوات قليلة في مدينة كالمحمدية أن يصبح رئيس جهة كالدار البيضاءسطات، فإن الواقع يقول بأن الجرار حصل على رئاسة خمس جهات مهمة في المغرب وما كان كان. أصوات الناخبين تقرأ على أنها صوت جماعي للفئة الناخبة تجاه شخص معين أو حزب معين، فهي إما تقول له نعم، نحن نريدك، أو تقول له إرحل، والجديد في هذه الانتخابات ليس فقط فوز حزب العدالة والتنمية، ولكن الجديد هو التغير في طريقة تفكير المواطن المغربي، و الذي من الآن فصاعدا أعتقد أنه أصبح يدرك بأن صوته أصبح له تأثير كبير، وكذلك الشأن بالنسبة للأحزاب التي أصبحت تعلم الآن أنه ليس بالمال والأعيان فقط تربح الانتخابات، بل بأشياء أخرى يجب على جميع الأحزاب أن تتنافس حولها، وهذا ما سيجعل الانتخابات المقبلة ذات طابع خاص.
حزب الأصالة والمعاصرة لم يحصل على نتائج مهمة داخل المدن، فكل النتائج التي حققها كانت في بوادي وقرى المغرب، وهناك من صور هذا التراجع بأنه طرد من المدن خصوصا تلك التي كان يسيرها، لكنه عوض خسارته برئاسة جهات كاملة عوض مدن هنا وهناك، لن ندخل في التفاصيل وكيف تأتى له ذلك ومن ساعده من الأحزاب في ذلك... فالمشكل الآن منحصر أساسا في بعض الأحزاب السياسية التي برز دورها في تحالفات الانتخابات الجهوية. هذه أول تجربة يخوضها المغرب وطبعا ستكون لها سلبيات في انتظار تطوير هذه التجربة السياسية. الآن حزب الجرار فعليا هو المسيطر على خمس جهات مهمة في المغرب، و هذا قد يظهر من ناحية صراعه مع خصمه حزب العدالة والتنمية انتصارا كبيرا، وقد يقرأه الحزب الإسلامي بأنه ضد الديمقراطية وقد يراه المواطنون بأنه تم التلاعب بأصواتهم، حيث أنهم صوتوا لحزب ليجدوا أنفسهم في الأخير تحت تسيير حزب آخر طردوه من الباب، لكن يمكن قراءته بشكل آخر...
استطاع حزب الجرار اكتساح انتخابات 2009 خصوصا في جميع المدن المغربية، لكنه لم يستطع تكرار ذلك الانجاز في هذه الانتخابات لأن المواطنين عاقبوه على تلك المدة التي لم يروا فيها أي تغيير يذكر، لذلك نلاحظ اكتساحا لتلك المناطق والمدن من طرف حزب لعدالة والتنمية أو من طرف أحزاب أخرى، وهذا هو مربط الفرس، "العقاب"، وبتسييره لخمس جهات في المملكة الآن سيظهر إن كان باستطاعته تحقيق كل تلك الآمال المعلقة على الجهوية وتحقيق المراد منها، وخدمة المواطن بتجرد بعيدا عن الدخول في حسابات سياسية ضيقة لاتخدم أحدا، بل تسيء للعمل السياسي في المغرب، وهل سيستطيع أن يقوي وجوده خصوصا بعد خروج الرجل الأول في الحزب إلى العلن ألا وهو إلياس العماري و تحمله مسؤولية جهة طنجةتطوانالحسيمة، بعدما كان دائما يعمل في الواجهة الخلفية للحزب. خمس جهات من أصل إثنى عشرة جهة ليس بالأمر الهين، فنجاح هذه التجربة فيه نجاح للوطن وللحزب أيضا، وفشل هذه التجربة فيه فشل للوطن وفشل للحزب، حيث سيعاقب أيضا، ولن يبق له مكان آخر للهروب إليه، فليس بعد المدن والقرى مكان آخر يمكنه المناورة فيه، فإما النجاح و إما الفشل، وهذا سيصب في مصلحة خصمه السياسي العدالة والتنمية الذي سيراهن على هذه الورقة كما راهن على فشله من قبل في تسيير الجماعات والمجالس التي اكتسحها في انتخابات 2009 و أدى نتيجتها في انتخابات 2015.
حزب الجرار مطالب بالعمل ولا شيء آخر، فهو يلعب ورقته الأخيرة، ولم يبق له مجال للمناورة كما قلت سابقا، إذا استطاع أن يلعب تلك الورقة بشكل جيد فهو يعطي لنفسه فرصة جديدة للبقاء داخل الملعب السياسي، أما إن أخفق في ذلك ونجح غريمه في تسيير المدن التي نجح فيها فسيكون قد قدم له خدمة العمر وفتح له الباب على مصراعيه لاكتساح كل شيء خصوصا في ظل ضعف الأحزاب الأخرى ووجود أحزاب أخرى أصبح الجميع يعرف بأنها مجرد أذرع لحزب الجرار يحركها عند الضرورة، ليس من الحكمة الآن أن يترك الحزب ورشا كبيرا كالجهوية يجب عليه إنجاحه و التفرغ للوقوف أمام مخطط الإسلاميين كما يدعي، لأن هذه الخطة لم تأت بنتيجة، بل كان لها نتائج عكسية على الحزب.
الواقع يقول أن معظم المدن باتت بيد حزب العدالة والتنمية والجهات بيد حزب الأصالة والمعاصرة، وسيكون انتحارا سياسيا إن دخل هؤلاء في صراع مع أولئك على حساب مصلحة الوطن، الانتخابات المقبلة ستكون بدون شك حاسمة، والتصويت سيكون عقابيا، وبعض الأحزاب ستؤدي ثمنا باهظا نتيجة تحالفاتها الحالية، لأنها لم تقرأ الوضعية السياسية بعين استشرافية، باستثناء حزب التقدم والاشتراكية الذي لحد الآن يمكن القول بأنه حزب ذكي...
هل سيربح حزب الأصالة والمعاصرة الرهان و يبقى داخل الحلبة؟ أم أنه سيتلقى الضربة القاضية وتكون نهايته؟ على العموم هي ورقته الأخيرة، فبعد الطرد من المدن ثم القرى ليس هناك سوى الهامش.