صدق من قال: في المغرب لا تستغرب ،لأنه فعلا بلد المتناقضات الغريبة والمظاهر العجيبة بشريا وتاريخيا وجغرافيا ... بلد حير وأدهش الجميع، تعاقبت عدة دول وحكومات على حكمه بسلبياتها وايجابياتها حتى وصلنا إلى زمن العبث السياسي بامتياز.
عبث سياسي مقصود للتمييع والتدجين والتبخيس، فرغم التغيير الطفيف الحاصل في الخطاب الرسمي خلال السنوات الأخيرة فإن العاهات السياسية التي أصيب بها المجتمع أصبحت مزمنة، وأصبحنا نتخبط في عبث سياسي قل نظيره مع تعاقب الحكومات وتوالد عشرات الأحزاب، عبث سياسي تحول إلى شذوذ سياسي، مع أن الشذوذ هو الخروج عن القاعدة والمألوف وما وقع عليه الإجماع، وهو كذلك محاولة انفلات، تحرر وتمرد على القواعد المقيدة للسلوك البشري الظاهر منه والباطن والذي يراد به تحقيق الحاجات الشخصية أكثر.
شذوذ سياسي مغربي خالص يتمظهر في عدة صور ونماذج لا فرق فيها بين كل الأحزاب السياسية ،وما تنتجه من حكومات مرقعة، بينما يكتفي القصر بدور المتفرج في البداية ثم الحكم الحاسم عند تفاقم الشذوذ وتأزم الوضع ،آنذاك لا صوت يعلوا على صوت الملك وحكومة الظل.
ماذا ننتظر من أحزاب لا نعرف عددها ولا أسماءها، أحزاب ينخرها الشذوذ بكل أنواعه،أحزاب لا تظهر إلا في مواسيم الإنتخابات حيث الأولوية لأصحاب "الشكاير" لربح أكبر عدد من مقاعد غرفتي "السيرك"...وذلك على حساب ما بقي من المناضلين الحقيقيين، هذه الميوعة الحزبية يسهل بها خلط الأوراق السياسية أمام صعوبة التمييز واختيار الأصلح لتولي المسؤولية، كما تؤدي إلى تراجع وانسحاب النخب المنتجة للأفكار داخل الأحزاب التاريخية، مما يكرس ظاهرة استنساخ البرامج، وبالتالي بروز قيادات من ورق، وزعامات من أشباه الأميين والفاسدين ... تخلق لنا من حين لآخر تحالفات سياسية شاذة وغريبة تكون بها الحكومة أو المعارضة، ليستمر مسلسل العبث والشذوذ بدون بوصلة ولا خريطة، العدو يصبح صديق والعكس صحيح بين ليلة وضحاها، الرفض يصبح قبول في رمشة عين، "لا" تتحول إلى "نعم" بقدرة قادر دون أي إشعار أو تبرير أو اعتبار للقواعد الحزبية وعامة الشعب...
شذوذ سياسي ينجب لنا حكومة هجينة غير منسجمة من البداية،حكومة لا هم لزعماء أحزابها إلا الظفر بأكبر عدد من الحقائب الوزارية ولو كانت وهمية ، وما يتبعها من منافع وامتيازات شخصية... والباقي تعرفونه جيدا. شذوذ سياسي تتبادل فيه الحكومة والمعارضة شتى أنواع السب والقذف والنعوت القبيحة ،كل قرارات الحكومة مرفوضة من طرف المعارضة ولو كان فيها مصلحة للبلد،وكل مقترحات المعارضة مرفوضة من طرف الحكومة وكأنها وحدها من تملك العلم والخبرة ...
كل طرف لا هدف له سوى إسقاط الآخر ولو بطرق غير شرعية. والخاسر الأكبر من كل هذا التطاحن والشذوذ هو الوطن والمواطن البسيط ، فلا استجابة لرغباته، ولا تلبية لاحتياجاته اليومية الأساسية ولا أي تجاوب ،فقط الجحود والتنصل من كل الوعود ... ماذا ننتظر من هذه الأحزاب الشاذة والسياسيين الشواذ غير الشذوذ والتشذذ،غير العزوف وفقدان الثقة في كل المؤسسات،غير التطرف والتفريط في تحمل المسؤوليات وهدر الطاقات والوقت والأموال الطائلة في غير الصالح العام ؟؟؟
وعليه نحن اليوم في حاجة ماسة لإصلاح سياسي جدري يرد الإعتبار للعملية الديمقراطية الحقة،إصلاح ينطلق من علاج كل الأمراض الشاذة التي يعاني منها المشهد السياسي والتي يحاول كل الحقوقيون والمناضلين فضحها من خلال حركات احتجاجية سلمية غالبا ما يتم مواجهتها بمقاربات أمنية قمعية عوض الحوار.