مجلس الجالية يشيد بتبسيط إجراءات توثيق الزواج وإيجاد حل بديل بشأن التوارث في حالات الزواج المختلط    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    التفكك الأسري: من إصلاح مدونة الأحوال الشخصية إلى مستجدات مدونة الأسرة المغربية    قوات الأمن السورية تلقي القبض على "سفاح" سجن صيدنايا    قيادة "الجرار" تريد إيصال تعديلات مدونة الأسرة بسرعة إلى البرلمان بعد "اجتماع عاجل" مع أطراف الأغلبية    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    محكمة سلا تقضي بالحبس موقوف التنفيذ في حق 13 ناشطًا من الجبهة المغربية لدعم فلسطين بسبب احتجاجات    تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    نظام أساسي للشركة الجهوية بالشمال    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    هجوم على سفينة روسية قرب سواحل الجزائر    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



همسات شارع: من ثورة ملك وشعب محمد الخامس إلى ثورة ملك وشعب محمد السادس
نشر في تازا سيتي يوم 16 - 06 - 2010

لكل همه ولكل همته ولكل وجهته ولكل لغوه... إنها ربما طبيعة الحياة يقول البعض. ويذهب البعض إلى القول أن الإنسان، كيفما كان، لابد أن يعايش خلال حياته كلتا الحالتين: الهم والهمة. الفرق يكمن في المدة الزمنية المعاشة وعلى أيتها حالة ستنفتح أعين المرء. فهناك من يبدأ بالهم ليتلوه بالهمة وهناك من ينعم بالهمة ليتلوه بالهم. مع العلم أن الكل يعيش داخل مجتمع يشكل منظومة يتفاعل داخلها مختلف الفاعلين فرادا وجماعات تبرز نخبا ومؤسسات وجمعيات ونقابات وهيآة وغيرها تشرع لها قوانين تنظيمية لضمان توازن إيجابي للتفاعل وللتعايش المجتمعي.
فالتفاعل والتعايش المجتمعي قد يكون هينا من حيث الفهم والتعليل والإلمام كما قد يكون صعبا وفقا لزاوية رؤيا المرء له. وبطبيعة الحال فالرؤى تتباين بتباين بصمات أصابع اليد. وباعتبار الشارع الجامع المشترك لكل الناس، حتى أولئك الذين قضوا نحبهم، فالتأمل في حركيات مكونات الشارع وخصوصا محاولة، إن كانت لديك الحنكة الفكرية على ذلك، استنباط دوافعها ومعانيها وأهدافها تعد تجربة فكرية في غاية الجدوى والأهمية بالنظر لكون خلاصاتها يمكن الاستناد إليها لفهم مدى انسجام أو مدى تباعد ما يشغل بال الناس وما يشتغل عليه المجلسين التشريعي والتنفيذي مع العلم أن أعضاء المجلسين هم كذلك أناس. وبعبارة أخرى، محاولة فهم مدى التوافق بين هاجس الناس وتوجهات السياسة الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة.
ومقاربة هواجس الناس وهمساتهم تكون صدفة من خلال كلمة عابرة تخترق أذنيك أو مشهد أو حديث بين أفراد ترغم على سماعه لجهر يته أو مجرد التفاتة عفوية لعنوان مقال بجريدة يقرأها زبون أحد المقاهي أو دردشة عند حلاق أو عند ذهابك للسوق أو بإحدى الإدارات العمومية أو الخاصة التي تعرف يوميا تعاملا مكثفا ومباشرا مع الساكنة... فالشارع هو بمثابة محرار لأحوال الناس بمختلف فئاتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. بل الأوجه هو أن يكون الشارع، الذي هو موطن الكل، مصدر تنظير فكري وقنديلا لتنوير وإثراء وتصحيح، كلما ما دعت الضرورة لذلك، مسار السياسة الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة.
فالانتظارية لا تنبني على عدم بل لها دوافع وأهداف وخصوصا نتائج. ولا نود أن نخوض في المعنى العام للإنتظارية لكونه من اختصاصات علم الاجتماع كما أننا لا ندعي فهم ما يدور بداخل عقول الناس وفقا للمثل الشعبي المغربي القائل: "كل شيء يمكنك معرفته إلا ما يدور في رأس اكحل الرأس". ففي مرحلة، ليست بالبعيدة، لكون رناتها مازالت ترن في أدن الناس كما ما زالت بعض الصحف تثيرها من حين إلى آخر. فبالنسبة للبعض كانت الانتظارية حبلى بالتفاؤل والتفاؤل هنا كان مرادفا للتغيير. تغيير ماذا؟ هل المستوى المعيشي؟ هل انخفاض ثمن المواد الاستهلاكية الأساسية (كلما طرحت هذا السؤال على صاحب المتجرمثلا، فقبل أن يرد مبتسما، يقول أحد الزبناء الواقفين: كل شيء يمكنه الانخفاض إلا أثمنة السلع) ومن الأفضل تجنب طرح مثل هذا السؤال على بائع الخضر والفواكه.
تغيير ماذا؟ العلاقات بين المواطن والمنتخبين أو الإدارة؟ هنا تجد الناس منقسمين على الأقل إلى ثلاثة أقسام:
الكتلة الأولى ما تزال تنتظر بتفاؤل مؤمنة بأن التغيير لابد له من بعض الوقت وأنه قادم لا محالة. ونجد هذا النوع من المتفائلين يربطون التغيير استنادا إلى وعود حزبية ما زالوا متشبثون بها أو بمجرد علاقات تمكنوا حديثا من نسجها مع منتخبين جدد أو تعلل هذا الانتظار بالوقت الذي يلزم لإزاحة معرقلي عملية التغييروالتي بالنسبة لهذه الكتلة تتجسد، من بين ما تتجسد فيه، بما يكتب في الجرائد بخصوص الاعتقالات والمحاسبات الجارية والتي تشمل من سولت له نفسه بالتلاعب أو العبث بمصالح وثروات الشعب...
وبخصوص الجرائد خاصة تلك التي تنعم بها بعض المقاهي على زبنائها فالملاحظ أنها تصبح" كالدمية التي تترامى بين أيدي الأطفال حيث ينتهي الأمر بالدمية إلى تناثر أعضاءها وتوزيعها بين الأطفال". فذاك مآل الجريدة حيث تجدها، غالبا، قبل الساعة الثانية عشرة إما عبارة عن "منديل" وإما عبارة عن صفحات متناثرة قد اخذ كل زبون الصفحة التي تروقه وخاصة تلك المتعلقة بالكلمات المتاقطعة. ربما هذا النحو هو النحو الذي بات ميزة جل الصحف المغربية والتي بات بعض الناس ينعتها بصحافة "السوق" ويا له من نعث رديء. رديء من حيث الشكل ومن حيث المضمون ومن دون شك أن هذا الحال هو من جعل الصحافة أو المواقع الصحافية الالكترونية تجلب القراء و تحض باهتمامهم.
ويحدثونك عن حرية الصحافة أو بعبارة أعم عن حرية التعبير. من يدعي أن هناك قيودا أو عراقيل ضد حرية الصحافة في المغرب، فهو إما يستهزئ من الناس أو يغالط ضميره أو له مفهوم خاص به لحرية التعبير يعتقد أنه الأصح ويريد تعميمه (غالبا ما يكون منظورا حاملا لجنسية غير مغربية). الأمر جد بسيط لتعليل هذا الأمر، لأنه في ظل عولمة "الخبر" وفي ظل انتشار الشبكات والمواقع الالكترونية، فمجال الصحافة و التعبير عن الرأي لم يعد له حدود ولا قيود. بل أصبحت مساحة حرية الصحافة لا حدود لها. فالمطلوب هو غال وعزيز ومقدس ومشترك ويكمن في الالتصاق والالتحام بالوطنية وبميزاتها وفي ذلك فليتنافس الصحافيون الوطنيون. فما بداخل المنزل المغربي كيفما كان يعتبر مقدسا وما خارجه فهو عمومي.
ربما يقصد البعض ، ولنقلها بكل صراحة، الحديث عن القصر ومحيطه؟ من يدعي هذا الطرح فهو مجرد مناور ولا علاقة له بالاحترافية في مجال الصحافة. من يمنعك عن الحديث عن القصر وعن محيطه؟ بالعكس فأبواب القصر مفتوحة أكثر من أبواب المنازل الخاصة. الشيء الذي لا يتقبله أحد لا القصر ولا المنازل الخاصة بالسكان هو اقتحامها وادعاء البهتان والكذب والزور بشأنها. ولي اليقين أن بعض الصحافيين لن يسمحون لك حتى بالحديث عن ما يدور داخل منزلهم الخاص سامحين لأنفسهم باقتحام محارم ومقدسات غيرهم من دون حق ولا دستور كما يقال في المثل المصري.
لا حاجة للشارع بذلك، الشارع محتاج لمصداقية العمل ومصداقية ما تقدمه له. فهؤلاء الصحافيين الذين يدعون البهتان والكذب في مقالاتهم، تجدهم في آخر المطاف عندما تتضح حقيقة الأمور، أن مضمون المقال كان مجانبا للصواب، فتراهم حينها إما يتنصلون من المسؤولية ليلفقونها لمصدر يتهمونه بموافاتهم بمقال كاذب أو تراهم لاجئين إلى القصر طالبين العفو الملكي، مستغلين سعة صدر ملك المغرب وحلمه. لا، لا ثم لا تهاون ولا تسامح مع هؤلاء لأن ما قام به ذاك الصحافي أو ذاك لا صلة له بأخلاقيات المهنة ولا بأدبياتها. إنه العبث والإفراط في استغلال مساحة حرية التعبير التي ينعم فيها مغرب اليوم.
فمن خلال همسات الشارع، تجد المواطن قد فطن لهذه المسرحيات إذ تراه يتساءل: قد تكون الصحافة بخير إذا ما اهتمت بوزراء الحكومة لا شخصيتهم ولكن عملهم العمومي اليومي أي ما أسنده لهم ملك البلاد من مهام قصد إتقانها وعدم التهاون فيها . بالفعل، فلك وزير برنامج عمل ومديريات تابعة له ومندوبيات في كل أنحاء المغرب. فلما لا تهتم الصحافة بالتتبع اليومي والموضوعي لمجريات البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لكل وزير ولكل وزيرة. لأن ما يتجلى من همسات الشارع هو رغبة هذا الأخير في معرفة ما يعمل هذا الوزير يوميا وما يعمل الآخر كل في مجاله. هذا هو الأهم وليس ما يفعله الوزير داخل منزله. فبعض الصحافيين يتركون ما يهم الشعب من معرفة ما يقوم به الوزراء خلال عملهم ويتجهون إلى العبث وتخدير الشعب بإصدار أخبار تهم إما عالما آخر غالبا لا وجود له إلا في مخيلة الصحافي وإما بأخبار لا أساس لها من الصحة ليتم تكذيبها في العدد الموالي.
ملكنا الشاب الغالي والعزيز عند شعبه دائم العمل وعلى الصحافي الذي يريد معرفة ما يقوم به جلالته فعليه الجري والركض، إن استطاع، وراء جلالته شرق المملكة وغربها وشمالها وجنوبها.
ربما باستطاعة الصحافي أن يتتبع منتخبا أو برلمانيا لأنهما لا يغادران محيطهما وجلهم جاثمون في الرباط. فما باستطاعته القيام به لا يقوم به وما لا استطاعة له بفعله فإنه يتخيله ويتصوره لإثارة الفتنة في مرحلة أولى ولطلب العفو والسماحة في المرحلة الثانية. لا مجال للعفو والتسامح، لأن الأمر خطير لكونه يمس شخصية الشارع ويجعله كالدمى ويجعله يخوض في تساؤلات لن يجد جوابا لها، والصحافي، على علم بهذا الأمر. هذا عار في حق هذه المهنة التي من المفروض أن تحافظ على مصداقيتها ونبلها.
إن عمل وواجب الصحافي كعمل وواجب الأستاذ وهذا أمر يجب الإيمان به وجعله مرتكزا من مرتكزات العمل الصحفي. فالقاسم المشترك بينهما هو تربية أجيال على الانضباط والجدية والصدق في العمل واحترام الآخر وحب ملك البلاد والوطن وزرع التفاؤل في قلوبهم لا الضبابية والخوف والتعصب... لأنه في آخر المطاف وكما يقال "سينقلب السحر على الساحر". كيف ذلك، بهجره ونفوره من الاطلاع على الصحافة ولا نريد للسلطة الرابعة أن تفقد موقعا ووزنها ومصداقيتها لأنها بذلك سيحدث خلل في التوازن بين السلطات ليفقد الشارع محاوره اليومي.
أما الزمرة الثانية من الناس، فمرادف التغيير الذي اكتسبته هو مجرد تغيير للناس لا للعقليات، إذ انتقل أنا س من منصب إلى منصب كما ذهب أناس وبرز آخرون، معللين قولهم "بأن الذي ولج إلى منصب لا يرى وراءه بل أمامه لأنه لم يعد يجالس ويكلم من كان بالأمس يتحادث معه من الشعب كما كان ولكنه غير من عاداته وأصبحت له طموحات وعلاقات وانشغالات ومآرب أخرى شتى". وبالتالي فالانتظارية لهاته الزمرة من الناس قد تتحول من ما يصطلح عليه بالمعنى الشعبي "الشمتة وحتى الحكرة" متسائلا لماذا ما زلنا نموج ونتيه في عالم التغيير"الصوري"...إلى التعصب وحتى لامبالاة بالمعنى الشعبي السائد " كلها يجري اطوالو وكلها ايدبر على راسه لا تنتظر من جهة أن تهتم بشأنك" . وهذه الفئة من الناس هي من استوعبت أن اهتمامات الشعب في واد واهتمام من يدبر شأنه العام اليومي في واد. وهذه الفجوة والتباين في الانشغالات هي من يغذي عدم الثقة السياسية ويؤدي إلى التخوف من الغد. بل أهم من ذلك، فمن خلال هذا المعطى يمكن إعطاء تفسير لواقع ومصير العلاقة بين الشارع والسياسي.
أما الفئة الثالثة، فهي، في الأصل، غير مبالية ومقتنعة تمام الاقتناع بالعمل الشخصي ومنهمكة في تدبير مشاريعها وتنظر إلى من يتبادل قراءة الصحف وهو جالس في المقهى كأنه لا شغل له أو أنه متقاعد أو أنه "مغفل" أو أنه يريد إيهام الناس انه متتبع لما يحدث...حيث نجدها "تسخر" من تلك الفئة المنهمكة في التتناوب ليس على قراءة الصحف التي يجود بها صاحب المقهى عليها ولكنها تتناوب فقط على قراءة بعض العناوين التي تكون غالبا ذات عنوان "غليظ" ولكن ذات مضمون هزيل. فدور هذا العنوان، علاوة على جلب المشتري للصحيفة، هو خلق نوع من "الضجيج" وليس حوار بين "المستحوذ" على الجريدة وبعض مجالسيه. إذ تراه يساءل ويجاوب نفسه بنفسه والذين بجانبه. وبعد دقائق قلة تراه يرمي بالجريدة على طاولة أخرى أو مناديا للنادل منبها إياه بعدم موافاته مرة أخرى بأية جريدة كيفما كانت ... كأن النادل المسكين الذي يكون مضطرا لإبداء الابتسامة للزبناء هو صاحب الجريدة أو المقال، "نندهش لرؤية العنوان ولكن ما يليه من مضمون... الفراغ والغموض والاستهزاء" يصيح الآخر.
فهذه الفئة الثالثة لا ترغب بتاتا حتى في سماع كلمة و لا حتى همسة سياسة معللة موقفها بجملة واحدة وواضحة ومليئة بالمعاني متجلية، إذا ما تحدثت إليها، فيما يلي،" اسمع يا أخي، منذ زمن ونحن نسمع بالتغيير وننتظر التغيير... إلى متى؟ التغيير الوحيد الذي نلاحظه ونلمسه هو ما يقوم به جلالة الملك فهو من ينجز المشاريع وهو من يتفقد أحوال رعاياه وهو من يبدع مبادرة تلو المبادرة وهو من نراه دائم التواجد إما في شمال المغرب وإما في غربه وإما في جنوبه وإما في شرقه وحتى إذا سافر خارج الوطن فليس من اجل الراحة أو الاستجمام ولكن من أجل إقناع وشرح وبالتالي إشراك الدول الصديقة في الانجازات الاقتصادية والاجتماعية التي يبدعه فكره البناء ." فهذه الفئة تتساءل وفي نفس الوقت تجيب: " أين هي الأحزاب ومن خلالها الحكومة" ؟ جاثمة وجامدة في الرباط تنتقل من حي الرياض والسويسي وبير قاسم إلى مقرات الوزارة، هذا إذا كان هناك اجتماع طارئ مع وفد أجنبي... . فالأحزاب، وهي في واقع الأمر، ليست بأحزاب وإنما هي مجموعة لوبيات تتنقل وتنتقل من هذا المقعد إلى آخر منشغلة بحرب باردة بين عناصرها أو بين عناصر لوبيات اخرى وهدفها الوحيد : ليبقى الوضع على ما هو عليه. لأنه ما يجب أن ينعت بحزب ربما لا وجود له لكون مصطلح حزب يعني فكر وإيديلوجيا وفلسفة ورجال ونساء وتواصل وإنجازات ومواقف...، والوضع هنا يعني أولا وأخيرا وضعيتهم هم فقط لا وضعية الشارع... وإذا أنبأتهم أو سألتهم على أن الوزير الأول سيقدم حصيلة برنامج حكومته أمام المنتخبين، فإن ردهم يكون سريعا:"ما عساه أن يقول، سوف يأتي بأرقام ومؤشرات تم إعدادها لهذا التصريح فقط لتثير أكثر من تساؤل. أما عن البرنامج الذي صرح به في بداية تقلده مهام الوزارة الأولى فسوف
يعلل عدم إمكانية إنجازه بالأزمة العالمية وعدم توفره على العصا السحرية ... لينتهي بتصفيقات مناصريه و مناصري هذه الوضعية (وضعيتهم المريحة) وانتقادات من هم في المعارضة المنقسمة إلى وجهتين وجهة الأصالة والمعاصرة ووجهة العدالة والتنمية. لا انسجام لا بين مكونات الحكومة ولا انسجام بين مكونات المعارضة. وهنا يبرز تساؤل جد بسيط ومشروع، لماذا لا يقوم وزير أو وزيرة بزيارات إما "مفاجئة" وإما منتظمة للمديريات التابعة له؟ ماذا ستكلفه هذه الزيارة؟ ربما لا يعرف حتى مكان تواجدها أو عددها. ناهيك عن حالة الموارد البشرية واللوجستيكية المتواجدة هناك.
يمكن للبعض أن يزعم أن عدم انسجام مكونات الحكومة هو أمر وارد استنادا إلى حرية التعددية الحزبية ولكن تعددية نراها في ظل مسار يشهد غياب مميزات واضحة بكل حزب وبالتالي عدم تمكن أي حزب أو "كثلة" من الحصول على الأغلبية. فالتعددية هنا، وهذا هو المهم، لا تشير إلى بروز أفكار جديدة لتيار معين بل مجرد انشقاقات حزبية تجسد انتهازيات لثلة من الأفراد دون مساندة ولا دعم ولا حتى علم للمجتمع بوجودها.
فقاطبة الشعب المغربي باتت تؤمن بكون هذه الأحزاب هي العنصر الحقيقي المعرقل فعليا للتغيير وبالتالي الحاجز أمام نمو البلاد. كيف؟، والحالة هاته، نراهم ينادون بتغيير الدستور ... أولا يعلمون بأن تغيير الدستور هي إرادة ملك وشعب وحالة الأحزاب الراهنة لا تروق للشعب ولا تخدم ولا تدافع عن مصالحه لا من موقعها في الحكومة ولا من موقعها في المعارضة. فالمطلب إذا، هو في الواقع غير نابع من إرادة الشعب ولكنه نابع من إرادة جهات لها مآرب خاصة بها لوحدها ولمحيطها الضيق فقط في إطار صراعها مع السراب قصد الوصول إلى السراب. في الوضع الحزبي الحالي، يمكن أن نتساءل من هذا الحزب الذي سيقبل به الشعب ليعين منه الوزير الأول ولتسند له مهمة تعيين الوزراء والمدراء وغيرهم من المهام السامية. الجواب جلي، لا حزب في الوقت الراهن. لكون البيعة ميثاق بين ملك وشعبه ولن تسمح ضروريات البيعة بإسناد أو بتفويض مهام تدبير الشعب المغربي لأية جهة كانت لا تستطيع تدبير حتى شؤونها الداخلية ديمقراطيا.
وكيف ما كان الحال وكيف ما كان مضمون ما سيقوله، فيكفيك التجول في الشارع فهو خير حكم وخير محك. فإذا كان للوزير الأول وحكومته حصيلة، فللشارع وفعالياته كذلك حصيلته.
والحالة هاته، بمعنى كل منا في واد في الوقت الذي نمتطي فيه نفس السفينة، تلهت كل الأحزاب بضرورة تغيير الدستور وخصوصا هناك من يؤكد على ضرورة توسيع صلاحيات الوزير الأول وتقليص دور القصر. إنه لأمر عجاب ويدعي للسخرية. بالفعل إنه يدع للسخرية لكوننا بيننا وبين ملكنا ميثاق غليظ إسمه البيعة وهي أسمى من الدستور لكون جوهر البيعة هو روحي ووجداني وكل ما هو روحاني ووجداني فهو تابت أما الدستور فهو متغير ويخضع في تعديلاته إلى مدى نضج وتوافر عدة عناصر متشابكة. في مغرب اليوم وخصوصا على ضوء ما يهمس به الشارع كما تمت الإشارة إلى ذلك في ما سبق، لن يتقبل الشارع تعديلا أو توسيعا لصلاحيات الوزير الأول لكون المغاربة متشبثون بملكهم لا بوزيرهم الأول من أية حزب أو عفوا "لوبي" كان. كما أن تعديل الدستور هي مسألة نضج الفكر ونضج الضمير الوطني. فكيف يمكننا الحديث عن اية تعديل والفكر السياسي لا زال لم يتغير بل تراجع وتشابك وتاه واختلط عليه الأمر حتى أصبح غير قادر حتى على تعريف ما موقعه من الإعراب في المشهد السياسي. فهل ليس من العبث السياسي أن يعهد لوزير أول من هاته الأحزاب صلاحيات أوسع ؟ وعن أي صلاحيات يتحدثون؟ إسناد بعض صلاحيات ملك لا يرتاح له بال حتى يتفقد بنفسه أحوال شعبه في كل بقعة من المملكة من خلال زيارات يستنشق بها الشعب الأمل والتفاؤل، إلى وزير قابع في وزارته محاط بأقاربه، بل حتى المناضلين الفعليين للحزب، يتم تهميشهم، همه الوحيد، والظرفية الراهنة شاهدة على ذلك،نأمل في أن تتغير، هو الحفاظ على موقعه الشخصي لا حتى الحزبي حتى ولو كلفه ذلك التحالف مع الشيطان كما يقال. وهذا الوضع إنما هو نتيجة شلل في قدرة الفكر السياسي المغربي على بلورة أسس إيديولوجية تتماشى وتحديات الألفية الثالثة.
إن ما تتقنه وتبدع فيه الأحزاب هو التلاعب والتمويه بالمصطلحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية لتغليط الشعب قصد زرع الفتنة والخوف وعدم الثقة داخل فكر شعب الشارع. فبينما تطالب الأحزاب بتغيير الدستور وتوسيع صلاحيات الوزير الأول، لأمر في نفس يعقوب، نجد الشارع يطالب بتعزيز وتثبيت دور الملك وفقا لميثاق البيعة والشارع لن يطالب الملك بتقليص صلاحياته بل بتقليص صلاحيات الأحزاب التي بدأت القطط والأرانب تغير منها لكونها تحدتها في وثيرة وسرعة الولادة والتفريخ.
ففي الوقت الذي نتابع فيه إنجاز مشاريع تهم كل القطاعات من طرف ملك البلاد بعيدا عن المتاهات السياسية إيمانا من جلالته بكون الاقتصادي والاجتماعي هو الأساس، نجد فيها الأحزاب تتسابق مع الوقت وتضرب أخماسا في أسداس استعدادا لانتخابات الغد القريب. كل ما يامله الشارع هو أن يتم، قبل الانتخابات، التفعيل الفعلي لما تضمنه تقرير مجلس الحسابات لأنه سيمثل السبيل الوحيد لتجسيد جدية التغيير ومصالحة الشارع مع مؤسساته، علاوة على كونه يوضح أين يكمن الخلل في تدبير وهدر ثروة البلاد وسيكون له وقع جد إيجابي على النخب التي ستبرز ديمقراطيا وسيعهد إليها كما أوصى بذلك ملك البلاد تدبير الشأن المحلي والجهوي غداة تفعيل الجهوية الموسعة في المملكة.
همسات تترجى من ملك البلاد حفظه الله بمساندتها ومساعدتها على تدبير ثورة ملك وشعب ثانية ذلك أنه إذا كانت قد مكنت ثورة الملك والشعب الشهيرة قد مكنت من استعادة المملكة المغربية لاستقلاليته الاقتصادية والسياسية، فإن الشارع يهمس لجلالته الضامن لوحدته واستقراره وازدهاره بأن يقود جلالته هذه الثورة، لتكون ثورة ملك وشعب الألفية الثالثة، لمحو كل العناصر وكل من لايزال يرغب في عدم التغيير .
فإذا كان أولائك يزعمون أنهم هم من مكنوا المغرب من الحصول على استقلاله من الاستعمار الأجنبي متناسين الكل ومتجاهلين للكل وناعمين لوحدهم بخيرات البلاد كما شهد شاهد من جيلهم، على موقع هسبريس، "إن الذين جاهدوا وأتوا باستقلال البلاد ليس هم من يدبر أمر البلاد بل أنا س آخرون"، وهذه الشهادة كافية وغنية عن الشرح كما أنها تعانق فكرة طرحتها في مقال نشرته سابقا. إنهم من موقعهم يتخذونها صراع أجيال. والحالة هاته، فإن جيل الألفية الثالثة يدعو إلى ثورة ملك وشباب الألفية الثالثة تخلصنا ليس من الاستعمار الأجنبي ولكن لتخلصنا من استعمار هاته الفئة والمستحوذة على الكل .
فالشارع يتساءل لماذا بالرغم من كل المبادرات الملكية السامية المحمودة، لازالت التعثرات وما زال الشارع، لا أدعي أنه لايزال كما كان عليه ولكن ما زال لم يرق إلى ما يريده له عاهل البلاد من رقي وازدهار وللشارع اليقين أن غضب جلالة الملك في عدة مناسبات لدليل على أن هناك أيدي خفية وجبانة وخائنة... تسعى لبسط نفوذها وجعلها حاجزا بين الملك وشعبه. فهذا الحاجز هو ما يسعى الشارع إلى سحقه بمباركة وبمنهجية حكيمة ملكية سامية لكي تبرز وتشمل عامة الشارع ثمرات فكر ملك البلاد.
وتتجلى هذه الرغبة بوضوح تام خلال الزيارات ومعانقة ملك البلاد لأفراد شعبه الوفي أينما رحل وارتحل إذ تتضح لجلالته من خلاله رؤيته لأفراد شعبه بزوغ كلمة واحدة "أمرنا يا أمير المؤمنين يا حبيبنا بسحق ذاك الحاجز" واجعلنا نفتخر ونعتز بثورة ملك وشباب الألفية الثالثة". هذا هو معنى الزغاريد والأيدي الممدودة والهتافات والتهافت جريا وحفاة،غير مبالين بفقدانهم لحذائهم، لمواكبة موكب الأمل السامي.
وفي حقيقة الأمر، فالثورة الملكية الشبابية الحضارية قد بدأت ملامحها تبرز منذ عهد ليس ببعيد إذ كان يحس بها ويلمسها من كان ذو حس وعقل رزين. كما كان يحس بها من كان يعلن أنها تقصده وربما أنها ستحصده فمنهم من فضل الانسحاب بهدوء ومنهم من ظل متشبثا بسراب آيل للزوال. فملامحها كانت جلية قبيل تولي ملك البلاد عرش أسلافه المنعمين حين جعل انشغاله الوحيد فقراء الشعب والمستضعفين والمظلومين بل شكلوا جزءا من عائلته الكبيرة جعلت العديد من رؤساء الدول يلقبونه بملك الفقراء.
إنها الانتظارية التفاؤلية الايجابية التي يجب أن يحس بها من كان ذا رؤى وذا بعد رزين. كيف لا، وقد أحس بها جيراننا أكانوا أوروبيون أم عرب، كما عبرت عنه مؤخرا صحيفة اسبانية حين تحدثها عن ثورة التغيير الهادئة بالمغرب التي يقودها الملك، حيث بدأت بعض شعوب هاته الدول تقتبس او تنادي باقتباس ما يبتكره الفكر المحمدي. كفانا يا زعماء الكثيرو الكلام والقليلو الفعل إذ لا خير في كثرة الكلام من دون فعل ملموس. وكما هو معلوم فالفعل أبلغ وأشد وطأة من كثرة الكلام. فإذا كان ملكنا قليل الكلام وكثير الفعل والعمل الملموس فإن أحزابنا كثيرة كثيرة الكلام دون أي فعل. وهذه هي الهوة المؤثرة سلبا على رعايا ملك البلاد وستؤدي لامحالة إلى التسريع في وثيرة ثورة ملك وشعب الألفية الثالثة.
لابد من التحلي والتمسك بالانتظارية التفاؤلية بالرغم من كون الاستعجالية من طبيعة الإنسان. فالأمر ليس بالهين وهو ناجح وواقع ولا نريد إفساده أو تمديد عمر وقوعه. فجل العناصر متوفرة، مازال بعضها في طريقه إما نحو النضج وإما للتوافر. فهي حلقة وملكنا ساهر ويقظ وحرص على استكمالها وما على جيل الألفية الثالثة الذي يشكل عنصر فعالا في هذه الحلقة أن يتحلى ويؤمن بالانتظارية التفاؤلية وألا يترك لليأس مجالا لاكتساح أفكاره ليصبح فريسة للآخرين. وكما يقول المثل الشعبي " غير بالمهل كيتنكل بودنجال"...
وكلي إيمان أنه إذا كانت عبقرية العاهل المغفور له محمد الخامس قد تمكنت من إبداع ثورة ملك وشعب خلصت المغاربة من الاستعمار الأجنبي، وكما تمكنت عبقرية المغفور له الملك الحسن الثاني من إبداع مسيرة شعبية خضراء سلمية، من استكمال وحدة الوطن باسترجاعه لصحرائه، فإن عبقرية الملك محمد السادس ستتميز بثورة ملك وشباب الألفية الثالثة بهدف تمكينهم من استرجاع "استقلالهم من من يزرع ويغذي ذهنهم وأفكارهم بالرعب والخوف والتعصب والتشاؤم ويحجب عنهم واقع التفاؤل والتغيير.
------
د. حبيب عنون
باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.