[COLOR=darkblue]أجرى الحوار - سعيدة الرغوي[/COLOR]: هو الإبداع يرتحل بي عبر عوالمه، هي الكتابة تمزق خلجات نفسي، وتدعوني للمصالحة مع الذات، ومن ثمة إلى محاورة القاص والناقد السينمائي محمد اشويكة، هي ولا تثريب حرقة الكتابة.. هو الإبداع الترابطي.. "احتمالات" و"محطات".. مواضيع حذت بي إلى إجراء الحوار، بيد أنه وقبل كل شيء وددت القول: "أسرت بما جاء في موقع الأستاذ محمد اشويكة الذي وسمه ب"البص والقص"، وبالضبط ما جاء في نقطة الانطلاق التي يقول فيها: "أن تبدع الآن، معناه أن تأخذ لك موقعا بين الحلم والواقع، بين الصحة والمرض... المبدع لا هو بالعليل ولا هو ب"الصحيح"... إنسان اكتوى بنار الكلمة والواقع فغدا كطائر جريح بين يدي طفل بريء...". هي إذن حرقة الكتابة التي تؤجج دواخل صاحبها، ليرتمي بين أحضان عوالم متعددة، تغرقه في بحر الإبداع اللجي ليغترف من موجاته، وليرتحل في سراديبه اللامتناهية.. وأنا أرتحل بين كلمات "نقطة الانطلاق" وعوالم محمد اشويكة الافتراضية ارتأيت أن أطرح عليه أسئلة الحوار فجاءت كالتالي: [COLOR=darkblue]- ماذا يعني لكم الأدب الرقمي كمولود جنيني عربيا؟[/COLOR] من المعروف في أدبيات النهضة والإصلاح المرتبطة بالعرب أنهم أمة لم تنخرط بشكل سهل ومستساغ وسلس في المنتوجات المستحدثة والجديدة، وخصوصا التقنية منها، وهذا راجع إلى مجموعة من المخاضات التي تلازم ذلك، أهمها النقاشات المغلوطة والجانبية التي تحكمها أو تتحكم فيها المرجعيات التقليدية الخائفة، دوما، من كل جديد يهدد سلطتها، الحارسة للأعتاب والأختام، المُلَمِّعَة لها، الخائفة عنها من الصدأ.. انتشرت تلك العقلية، للأسف، في شتى مناحي الحياة بما في ذلك العلم والفكر والفن والأدب.. فعوض أن يجد المشتغل على التجديد نفسه في صميم الإشكالات المرتبطة بالتوطين والتكييف والملاءمة والتبييء والإبداع.. يغوص في متاهات أخرى تكاد تُحَوِّلُهُ إلى مجرد "مخربق" في نظر عامة الناس وبعض خاصتهم. ينطبق هذا الأمر، بشكل أو بآخر، على الأدب الرقمي أو الإلكتروني سواء كان تفاعليا أو ترابطيا، فلم يستسغ الكثير من الأدباء والنقاد ذلك، وهذا ينم عن رؤية متخلفة للأدب لأنها لا تؤمن بالتطور، ولا تفتح أعينها عما يقع في العالم، مع العلم أن الأدب الترابطي ليس وليد اليوم! ولكن، ما دمنا منكفئين على ذواتنا فقد أدخلناه في سياق البدعة الأدبية أسوة بكل بدعة تؤول إلى الضلال! وهذا يكشف أننا لا نستحسن الجديد إلا بعد مرور قرن عليه مسافة زمنية تكشف حجم تخلفنا الرهيب عن التحديث! لأسباب نفسية متأصلة في لاوعينا. إن الجديد فعل إنساني لا يمكن أن يستقيم إلا في ظل فلسفة تمهد له وتنظمه.. رغم ذلك، فالمغرب يحتضن أسماء مهتمة ومتابعة ومجتهدة كما هو الشأن بالنسبة لزهور گرام وسعيد يقطين ومحمد أسليم وغيرهم، منفتحة على الحداثة الأدبية التي يعتبر الأدب الترابطي أحد روافدها. [COLOR=darkblue]- ما هي الأسباب التي حذت بكم لخوض غمار التجربة الرقمية، أو تجربة الأدب الموسوم بتفاعليته وترابطه؟[/COLOR] أشياء كثيرة دفعت بي إلى الغوص في خضم ترابطات الأدب الرقمي، منها ما هو موضوعي وما هو ذاتي.. أعتقد أن الأدب لا يغتني من داخل الأدب فقط، شأنه في ذلك شأن باقي التخصصات الأخرى، لذلك أحاول أن أنزاح خارج السياجات الأدبية والتواطؤات العامة. إن الحفر في التجربة الإبداعية الذاتية يطورها ويعمق رؤيتها، وهي فلسفة تحكم كتاباتي بصفة عامة؛ إذ لا أكتفي بمجرد القراءة الاستهلاكية أو المعرفة العابرة، بل أحاول، ما أمكن، أن أجعل تعلُّماتي ورشات مفتوحة على الممكن الإبداعي القصصي. إذا ما فتحنا أعيننا على العلم المعاصر، نلاحظ أنه لا يمكن فصله عن التقنية بشكل حاسم، بل الحديث عن العلم التقني "Techno science" هو الممكن في إطار إبستيمولوجيا العلوم المعاصرة الموسومة بالنسبية واللانهائية ميكروسكوبيا وماكروسكوبيا، كما أن التقنية تؤشر على إمكانية الحدوث والوقوع... جاء اشتغالي على القصة الترابطية في إطار توطيد أواصر الامتدادات القصصية مع العلوم والتخصصات التي أهتم بإبستيمولوجيتها ومستجداتها التقنية، لهذا فإن القصة الترابطية مواكبة لما يحدث حولنا من تغيرات عميقة في نسيج المعرفة الإنسانية، ومحاولة لإضافة بعض "الخيوط" إلى اللحاء الرمزي للقصة المغربية، فلا أتصور كتابة لا تجدد نفسها على مستوى التيمات والأشكال والتقنيات واللغات.. القصة الترابطية تجريب لكل هذا في سياق استهداف السابحين في يَمِّ الشبكة العنكبية، وإسهام متواضع في نشر القصة المغربية خارج إكراهات النشر الورقي المحدود. [COLOR=darkblue]- هل أضافت التجربة الرقمية شيئا إلى نظرية الأدب؟[/COLOR] كل التجارب الإبداعية الجديدة إغناء لنظرية الأدب. فالنظرية ليست سابقة عن النص، بل إنصات لحركية النصوص وتزحزحاتها ودينامكيتها. لم يكن الأدب مسيجا ولا قارا.. بل يخضع للتطورات التقنية باعتباره انكشافا. فإذا كان العلم المعاصر لا ينفصل عن التقنية فإن الأدب اليوم قد تأثر بشكل كبير بالتقنيات المعاصرة وخصوصا المتعلقة منها بالثورة المعلومياتية وفنون الطباعة والتواصل. فالقصة الترابطية لا تقرأ من خلال الورق، بل على الشاشة المرتبطة بجهاز الحاسوب أو على قرص مضغوط، وهي خاضعة بدورها، أي القصة، لهندسة تراعي تلك التكنولوجيا. قد نسلم بأن تاريخ نظرية الأدب يكمن في تاريخ تطور تقنيات الكتابة الإبداعية الأدبية، وهي كتابة دقيقة ومعقدة لكنها قابلة للتحويل والتداول والاكتساب والتجاوز.. لكن القصة الترابطية تجمع بين تقنيات الأدب والتكنولوجيات الجديدة في مجال التواصل الرقمي. أصبحت الإنترنيت تقدم لنا حياة افتراضية تسلب منا حياتنا المعيشة، ففعل الارتباط (La connexion) ليس مجرد عملية تقنية عابرة أو تفرضها إكراهات الشغل، بل إنه فعل وجودي وَلَّدَ معارف جديدة وأنتج قيما وإستيتيقا مغايرة أيضا، فلم يكن الأدب بمعزل عن كل تلك المتغيرات سواء من الناحية السوسيولوجية أو النظرية: ولجت الحواسيب عالم الأدب، أصبحت جزءا من حياة الناس الافتراضية، امتزجت بأسلوب عيشهم، تسربت إلى "مختبرات" الأدباء وعوالمهم (أشكال إبداعهم).. وبالتالي، فالأدب والحياة يتبادلان التأثير، الشيء الذي انطلى على جوهر نظرية الأدب عامة، والقصة القصيرة خاصة، وذلك من حيث اللغة القصصية الملائمة للكتابة الترابطية وجماليات القصصية الترابطية. [COLOR=darkblue]- وهل يمكن الحديث عن الثقافة الرقمية كتواجد فعلي في الساحة العربية؟[/COLOR] يمكن الحديث عن الثقافة الرقمية كاستهلاك وتداول وتواصل وإشهار وتجارة.. فالمجال الرقمي العربي يعج بالمواقع الإلكترونية والمدونات والمنتديات.. المتعلقة بشتى فروع الفاعلية الإنسانية، إلا أن هذا التواجد يطغى عليه الإشهار والفراغ والانسلاخ عن القضايا الحقيقية للإنسان العربي باعتباره كائنا متأخرا عن التاريخ بما يتجاوز القرن! مواقع إلكترونية تعنى بكل شيء ولا شيء: إذا احتجت موضوعا متخصصا فما عليك إلا أن تبحث بلغات أخرى غير العربية كي تشفي غليلك المعرفي، فغالبا ما تكون وراء المبادرات الجادة في هذا المجال إرادات فردية متخصصة في أحد الحقول الفكرية أو الفنية؛ إذ تصبح في ظرف وجيز واجهة ثقافية عربية مهمة للشغوفين بقضايا الكتابة والإبداع. أما بخصوص التجارب الإبداعية فتظل قليلة ونادرة إذا ما انتبهنا إلى الترابط فيها، لأن النصوص الإبداعية المنشورة إلكترونيا هي صيغة ورقية في الأصل يلجأ أصحابها إلى جعلها مقروءة من طرف رواد الشبكة العنكبية، وهي ظاهرة إيجابية للفت أنظار السابحين المنشغلين بالدردشة وكافة أنواع الاستعراء المجاني إلى القراءة الرقمية! على ضآلتها، تبقى التجارب الترابطية العربية مهمة بالنظر إلى حجم الممانعة التي تصادفها من طرف كل قطاعات التداول الإبداعي، إلا أن ما يشدني فيها شخصيا هو النص، الكتابة، الإبداع.. فبعض التجارب تنسى كل ذلك وتنشغل بالديزاين والتحريك والتزويق.. مما يجعلها تجارب براقة من حيث المظهر، تشبه طرق الماركوتينغ الحالية من حيث تعليب "Le packaging" المواد الاستهلاكية، وفارغة من حيث العمق، كما أن فرص انتشارها خاضعة لمنطق لا يخدم التجربة العربية بشكل عام في مواجهة توحش الإنترنيت! [COLOR=darkblue]- أية علاقة تربط الفكر الحداثي، أو- بالأحرى ما بعد الحداثي ? بالتجربة الرقمية العربية؟[/COLOR] أعتقد أننا عندما نتحدث عن الحداثة أو ما بعدها في المجتمعات العربية، نقصد الوعي المُتَجَاوِز لأعطابها من طرف النخب العربية المجتهدة ،لأن شروطها الاجتماعية والثقافية والسياسية.. لم تتحقق كما هو الشأن بالنسبة للمجتمعات التي مرت من المراحل التاريخية التي مهدت لتلك القفزات الحضارية.. تشكل الحداثة وما بعدها لحظة وعي مفارقة للواقع: واقع سجين الغيب، يعيش فيه الفرد المثقف حالة عزلة وانفصام، تهيمن فيه الأفكار الجمعية القطيعية، يمتثل فيه الناس لعادات التعايش مع الأشياء والمواضيع، يغيب فيه الوعي بالزمن ويتلاشى فيه الحس النقدي يوما بعد يوم لصالح ميتافيزيقا العماء... كل الحداثيين الحقيقيين أشقياء في العالم العربي لأنهم يعون المهزلة الحقيقية التي نعيد إنتاجها منذ قرون خلت!.لذلك، لا أستطيع أن أفهم التجربة الإبداعية الترابطية العربية خارج السياقات المومأ إليها أعلاه، تجربة منفصلة عن واقعها، تسير ضد التيار، عزلاء، متفردة.. إنها محاولة للقبض على الوعي المتعالي عن كل ما يجره إلى الواقع العربي البئيس. استفادت تلك التجربة من المد التكنولوجي العابر للمجتمعات، فحاولت أن تخلق لذاتها مسارا ضمن طرق المعلومات السيارة ومتاهاتها ومنعرجاتها. ترتبط حداثة الإبداع الترابطي العربي بحالة وعي خاصة ومتفاوتة العمق تعكس رؤية كتابه، كُلٌّ حسب استيعابه للزمن الذي يحياه ويكتب فيه، مع العلم أنني لا أستطيع مقارنة تجربتي المتواضعة بأية تجربة أخرى، لأن إبستيمي الكتابة في المغرب يختلف عن نظيره في المشرق. [COLOR=darkblue]- وهل يمكن الحديث عن ريادة أدبية مغربية لمحمد اشويكة في مجال الأدب الرقمي على غرار الريادة العربية لمحمد سناجلة من خلال تجربته في الرواية الواقعية الرقمية؟[/COLOR] لا تحكمني عقلية الريادة أو السبق أو الكتابة للجوائز أو الشهرة وما إلى ذلك، فمشاريعي الإبداعية والكتابية لا تخضع لهذه الحسابات غير الأدبية.. الكتابة متعة وجودية أتقاسمها مع الأصدقاء والقراء.. لقد أصبحت أميل أكثر فأكثر إلى عدم الدعاية لما أكتب ،مقتنعا بأن الجيد يصل إلى الناس مهما اختبأ، محترما كل من يسعى لذلك أو لغيره من الأشياء. نحن منشغلون الآن بمحاولة تثبيت نوع من البحث الإبداعي في تربة درجت على عدم قبول النباتات الجديدة.. لذلك، فغرس بذور الإبداع الترابطي يتطلب وقتا وجيلا جديدا من المتعاطين للأدب كي يتم تذليل الصعاب لتكوين وبناء الذائقة الجمالية الخاصة بهذا النوع من الأدب. هناك العديد من "المبدعين" و"النقاد" الذين لم يستسيغوا هذا الإبداع ،لأن ذلك خارج القواعد المعتادة! وبالمناسبة، أشكر كل الذين أدخلوه إلى مدرجات الجامعة ودواليب بحثها. إذا، يصعب الحديث عن سهولة المهمة المنوطة بالمبدعين العرب رغم أن البعض منهم محمي بأذرع متعددة، بل منهم من خصصت له بعض الدوريات في بلده ملفا خاصا بتجربته، وذلك في إطار وعي المشرفين عليها بضرورة مسايرة المغامرات الإبداعية المُجَدِّدَة. أعتقد أن وهم الريادة يقتل الإبداع ويعقد مسيرة المبدع ويرمي به في متاهات المرض النفسي.. فالكتابة في بلدان تعم فيها الأمية البسيطة وتنتشر بها المُرَكَّبَة بشتى أنواعها، لا يمكن للمرء أن يتحدث فيها لا عن الريادة ولا عن الانتشار وإنما يمكن الحديث عن الاجتهاد والمقاومة والمبادرة الفردية والمتعة والتذوق الجمالي... [COLOR=darkblue]- ماذا تقولون عن: "احتمالات" و"محطات"؟[/COLOR] ماذا عساني أقول عنها بعد إنجازها؟! أتلقى من قرائها، مشكورين، إشارات تحفزني على تطوير تجربتي، فالرهان على القارئ الإلكتروني رهانٌ على قارئٍ نوعيٍّ لأنه يستطيع تجاوز عائق القراءة الكلاسيكية التي تكتفي بالمادة التي تشملها تضاعيف الكتاب الورقي.. تُنَمِّي القراءة الإلكترونية الكفاية التكنولوجية التي تكشف النصَّ كمتاهةٍ، إذا لم يُحْسِن القارئ اكتشافها من خلال مهاراته الانتقالية عبر روابط النص، تَضِيعُ أجزاءٌ كثيرةٌ منه، ولا تكتمل المتعة. تختلف تجربة "احتمالات" عن تجربة "محطات" بالنظر إلى هندستهما التشعبية وطريقة تأليفهما، فالأولى تستوحي عوالمها التخييلية ولغتها من الإنترنيت ومن تقنياتها، والثانية تستوحي ترابطاتها من داخل الأدب ذاته.. وهذا ما يجعلني أقول للكثير من الناس بأن الترابط، كتقنية، قديمٌ قِدَم الأدب... لا تدعي تجربتي في مجال الإبداع الترابطي القصصي أكثر من المنجز المتحقق، أحاول دائما أن أجددها وأطورها كي ترقى إلى طموحي وطموح القراء. [COLOR=darkblue]- ما علاقة الكتابة الرقمية بالسياسة، وبانفتاحكم على الميدان السينمائي؟[/COLOR] يحتاج الشطر الأول من السؤال إلى حيز كبير قصد الإجابة والتأمل، فقد أصبح من الجلي أنه لا يمكن استسهال الحديث عن الإنترنيت باعتبارها مجالا للترفيه وتبادل المعلومات.. إنها وسيلة إيديولوجية رهيبة لممارسة أنواع الضيق المعاصرة ،في إطار رؤية كليانية للحكم المُعَاصِر والممارسة السياسية الراهنة. إن كل مرتبطٍ بالشبكة مُرَاقَبٌ ومعزول: هناك رَصْدٌ، عام وخاص، لكل التحركات الإلكترونية من طرف الحكومات ومن طرف بعض الفضوليين المتجسسين، إضافة إلى منع مواقع إلكترونية عديدة من لدن بعض الدول لأهداف سياسية وأخلاقية... أما تعميم شبكة الإنترنيت وهبوط تكلفة استهلاكها ،فمسألة لا تدخل في ما يسمى بديمقراطية التكنولوجيا أو الحق في المعلومة كما يتوهم البعض، وإنما الأمر يصل إلى نهج استراتيجية عزل الناس عن الواقع المعيش وجعلهم مرتبطين بواقع وهمي افتراضي، الشيء الذي أَثَّرَ سلبا على قوة الجماهير، فصارت المجتمعات الإلكترونية بديلة للمجتمعات الحقيقية، مما سهل التوجيه والتحكم في الاختيارات وصنع الرأي العام وهندسته... أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، فأعتقد أن الإنسان يرى أكثر مما يقرأ، وتُوَرِّطُهُ حواسه في الحياة بشكل جمالي متفاوت الغواية والمتعة.. فإذا كانت الكتابة قد شكلت الفصل بين التاريخ واللاتاريخ، فإن الكاميرا قد ربطت بين الحلقات المفقودة بينهما؛ إذ استطاع الإنسان من خلالها أن يكشف عن ذاته عبر لعبة تبادل الأدوار بين من يكون خلفها أو أمامها. أحاول أن أكتب في إطار هذا العشق المزدوج: أن أتجاوز الكتابة الغارقة في دلائل اللغة المنطوقة كي أَصِلَ إلى متعة اللغة البصرية التي تجعل القارئ يتصور النص كمتوالية مرئية. [COLOR=darkblue]- من هو المثقف في ظل الأدب الرقمي، وما هو واقع الثقافة العربية في ظل هيمنة الوسائط الإلكترونية؟[/COLOR] ظل سؤال المثقف محط مساءلة دائمة من طرف المهتمين بالثقافة لأنه لا يتطور، في اعتقادي، إلا بمثل هذا الفحص المستمر، فالمثقف ليس كائنا جامدا أو إنسانا يسكن بيتا زجاجيا أو برجا عاجيا.. بل، تكمن قيمته في مدى استطاعته تجاوز العوائق المعرفية لعصره وقدرته على بلورة رؤية مستقبلية يراجع من خلالها ماضيه.. فالمثقف ليس ابن عصره فقط، بل المستشرف لملامح ما سيأتي بعده. [COLOR=darkblue]- يفرض علينا ما سبق طرح التساؤل التالي: إلى أي حد استطاع المثقف العربي أن يقوم بذلك؟[/COLOR] كثيرون هم الذين يفضلون حرق البخور في مبخرة كهربائية! معتقدين أن ذلك مجرد مسايرة لمستجدات العصر، وتوليف بين الأصالة والمعاصرة، متناسين أن المشكل يكمن في روح وطرائق ومناهج وأساليب تلك التوليفة. أوردت ذلك المثال للدلالة على واقعنا العنكبي، لقد استعملنا تلك التكنولوجيا لنعلم الناس كيفية استعمال البخور وأشياء أخرى تافهة! وها نحن نتبخر إلكترونيا! إن العديد من المثقفين لا يحسنون التعامل مع هذه الوسائط، ويرفض بعضهم الانخراط فيها (!)، بل الكثير من الجامعيين والأساتذة لا يتوفرون على بريد إلكتروني، ولا يستعملون الانترنيت كوسيلة بحث، ولا يَطَّلِعُون من خلالها على بعض مستجدات تخصصاتهم التي لا تصل إلى بلدانهم! إن المجتمع المعاصر هو مجتمع وفرة المعلومات ،رغم الرقابة الصارمة التي تقوم بها الحكومات تجاه تداول بعض المعلومات.. لكن المثقف اليوم هو الذي يعرف كيف يدبر تعامله مع المعلومات الإلكترونية ويطوع ما يتوافق منها مع همومه الإبداعية والتأملية والبحثية.. فالمثقف من يستطيع الانفتاح على المستجدات ويتجاوز ذاته باستمرار. [COLOR=darkblue]- ما هي أقرب المجالات الإبداعية إلى "محمد اشويكة"؟[/COLOR] القصة القصيرة طبعا.. قراءة وكتابة وشغفا وتأملا... والسينما عشقا ونقدا.. هي اكتمالٌ لمُتْعَةِ القراءة.. وامتدَادٌ لإشكالات الكتابة...تبقى القصة بمثابة الفرن الذي تحترق فيه كل أنواع الحطب.. أحطب من كل غابات الفن والأدب والفكر والعلم سواء ما دخل منها في سياق عملي (الفلسفة والعلوم الإنسانية) أم في سياق شَغَفِي (السينما كفن شامل يُمَكِّنُ الشغوف به من الاطلاع على الفنون والثقافات الأخرى بشكل بصري حكائي متنوع). ------------- [COLOR=darkblue]حواره: سعيدة الرغوي.[/COLOR]