[COLOR=darkblue]رأي قانوني - سناء كريم:[/COLOR] لا أحد منا يرضى أن تنتهك حرمة مراسلاته، ويسمح بالتنصت على خصوصيات حياته، لاسيما مع الاستعمال المتزايد لمختلف وسائل الاتصال، ولأن الأمر يتعلق بحرية شخصية غاية في الأهمية، فكثيرة هي المنظمات والهيئات المحلية والدولية والمواثيق الدولية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي دعت إلى وجوب احترام وتقديس الحرية في التواصل، وأوصت بمنع التنصت على المكالمات الهاتفية وانتهاك سرية المراسلات. وبالرغم من تأكيد التشريع المغربي على سرية المراسلات، وحق الفرد في التمتع بسرية الحياة الخاصة، وعدم انتهاك حرمتها، منذ دستور سنة 1962 وإلى آخر مراجعة دستورية لسنة ,1996 إذ ينص الفصل 45 من الدستور على أن ''لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية والبرقية وللمحادثات التلفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي ولمدة محددة وفقا لأحكام هذا القانون''، إلا أنه وكما هؤ شأن معظم التشريعات الدولية خرج عن هذه القاعدة تحت ذريعة الضرورة وإكراهات حفظ النظام العام، وحق الدولة في الحفاظ على سلامتها الداخلية والخارجية ومراقبة كل ما من شأنه المساس بنظامها وأمن مواطنيها من خلال التحكم في الظاهرة الإجرامية وتتبع تطوراتها وأساليبها. بل أكثر من هذا صار التنصت الهاتفي وسيلة للتصدي لمفسدي الانتخابات، [COLOR=red]ففي تصريح سابق لوزير العدل محمد بوزوبع "رحمه الله" خلال الولاية الانتخابية ل2007 هدد بأستخدام كل الوسائل، بما فيها التنصت الهاتفي، من أجل محاربة الفساد الانتخابي، وملاحقة كل من اشتبه فيه أنه مفسد للانتخابات، من خلال شراء ذمة الناخبين، أو تبييض أمواله في المجال السياسي[/COLOR]. وفي قضية اليوم، سنسلط الضوء على الجهات المؤهلة لاتخاذ قرار الأمر بالتقاط المكالمات؟ و الإجراءات المسطرية المتبعة؟ [COLOR=darkblue]الجهات المرخص لها بالتنصت[/COLOR] بالرغم من تنديد بعض الجمعيات والمنظمات الحقوقية، والإعلانات العالمية والمواثيق الدولية المؤكدة على حرمة الحياة الخاصة، وعدم انتهاكها، من قبيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأممالمتحدة في 10ديسمبر ,1948 الذي ينص في المادة 12 منه بأنه ''لا يعرض أحد التدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل''، كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966 جاء مماثلا في المادة 17 للمادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو نفس الأمر الذي أكدته الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي صدرت في روما سنة 1950 ونصت على حرمة الحياة الخاصة في المادة الثامنة والمادة الثالثة عشرة، والاتفاقية الأمريكية في المادة الثامنة، ومشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة السادسة، خصص المشرع بابا كاملا فيما يتعلق بإمكانية التنصت على المكالمات، (الباب الخامس من القسم الأول من قانون 22,01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية، وبموجب التعديل الذي أدخل عليها بمقتضى قانون 03,03 المتعلق بمكافحة الإرهاب). فقد أشار المشرع إلى موضوع التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد في الباب الخامس من القسم الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي وخص له المواد من 108 إلى 116 من قانون المسطرة الجنائية. كما خول المشرع لقاضي التحقيق إمكانية الأمر بالتقاط المكالمات الهاتفية وجميع الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها، كما مكن الوكيل العام للملك كاستثناء مشروط بأن تكون الجريمة جماعية ومنظمة، ويغلب عليها طابع المساس بالأمن، من أن يصدر أمر بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال بعد تقديم التماس كتابي إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، غير أنه في حالة الاستعجال القصوى أجاز المشرع المغربي للوكيل العام للملك أن يأمر كتابه بالتقاط المكالمات الهاتفية، أو الاتصالات المنجزة بوسائل عن بعد وتسجيلها بصفة استثنائية، ووفق شروط وإجراءات خاصة متى اقتضت ضرورة البحث ذلك، إلا أنه لم يحدد متى تكمن ''ضرورة البحث''، أو حالات الضرورة تلك، ومن ثم يبقى أمر تقدير تلك الضرورة متروكا لسلطة قاضي التحقيق. وحصرت العملية في بعض الجرائم المحددة، لاسيما الجرائم التي تمس أمن الدولة، أو الجريمة الإرهابية، أو الجرائم التي تتعلق بالعصابات الإجرامية، أو التي تتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية، أو الاختطاف وأخذ الرهائن، أو بالقتل والتسميم، أو تزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات، أو بحماية الصحة. [COLOR=darkblue]التقاط المكالمات[/COLOR] في تعليق له على تخويل المشرع للوكيل العام للملك صلاحية الأمر بالتقاط المكالمات، ورهينية ذلك بموافقة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، يقول الأستاذ زهير لحرش، الباحث في القانون، إن اشتراط المشرع تقديم الوكيل العام للملك التماسا إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بغية إصدار أمر بالتقاط المكالمات ليس مطلقا، إذ أجاز له في حالة الاستعجال القصوى، ومتى خيف اندثار وسائل الإثبات، حسب تعبير المشرع المغربي، الاستغناء عن تقديم ذلك الملتمس مؤقتا، وأن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات وتسجيلها وأخد نسخ منها وحجزها، مع تقييد ذلك بكون الجريمة المراد التنصت على المشتبه فيه بمقضاها، تمس أمن الدولة أو تشكل جريمة إرهابية أو تتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات أو بالمتفجرات وأخد الرهائن. ويضيف في بحث له عن ''إمكانية التقاط المكالمات والإتصالات وفق التشريع المغربي''، أن الرجوع إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف يبقى أمرا ضروريا، إذ يتعين على الوكيل العام للملك إشعار الرئيس الأول ''فوراً'' بالأمر الصادر عنه، ويبقى الرئيس الأول ذا سلطة تقدير الأمر الصادر عن الوكيل العام، وذلك بإصداره تقريرا داخل 24 ساعة يقضي إما بتأييد أو تعديل أو إلغاء قرار الوكيل العام. ولايقبل هذا التقرير أي طعن. وهكذا، فإذا أيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف قرار الوكيل العام للملك، فإن عملية التنصت تتم وفق الأمر الصادر عن الوكيل العام. وإذا عدله فإن الإجراءات تتم وفق التعديلات المدخلة بموجب تقرير الرئيس الأول. أما إذا أصدر أمر بإلغائه، فإن عملية التقاط المكالمة توقف فورا وتضحى كل الإجراءات المنجزة كأن لم تكن بقوة القانون-يضيف لحرش-. واعتبارا لخطورة إجراء التقاط المكالمات، فإن مباشرة هذه العملية تتم تحت سلطة ومراقبة قاضي التحقيق أو الوكيل العام للملك، حسب الجهة المصدرة لقرار التقاط المكالمات. هذا القرار الذي لابد له أن يحدد، بشكل دقيق وواضح، كل العناصر المحددة والمعرفة بالمكالمة أو المراسلة المراد التقاطها وتسجيلها وأخد نسخ منها أو حجزها، والعمل الجرمي المبرر لاتخاد هذا الإجراء الخطير والمدة الزمنية المطلوبة، وهي المدة التي لايجوز أن تتجاوز أربعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة-يقول المتحدث نفسه. [COLOR=darkblue]التعليق على الحكم[/COLOR] ذ. عبد الله بالحاج: يتعين التقيد بحالة الضرورة حتى يكون هناك انسجام مع محتويات الدستور، نظرا لكون التنصت الهاتفي يطرح إشكالية الموازنة بين حق الأفراد في التمتع بسرية الحياة الخاصة وحقهم في عدم انتهاك حرمتها دون إذن، وبين حق الدولة في الحفاظ على سلامتها الداخلية والخارجية ومراقبة كل ما من شأنه المساس بنظامها وأمن مواطنيها من خلال التحكم في الظاهرة الإجرامية، فقد تباينت المواقف الفكرية بخصوص الاعتراف بمشروعية التقاط المكالمات الهاتفية، وأثيرت هذه المشروعية سواء على مستوى الشرائع والقوانين (الفقرة الأولى) أو على مستوى الفقه والقضاء (الفقرة الثانية)، وسنقتصر في قضية اليوم على موقف الفقه والقضاء من التقاط المكالمات والاتصالات، إذ تعد مسألة دمج التقنيات الحديثة في مجال الإثبات الجنائي من الموضوعات التي أثارت اهتمام العديد من المفكرين والحقوقيين، إذ تباينت آراؤهم حول مشروعية التقاط المكالمات والاتصالات. فالبنسبة للفقه فقد تباينت مواقفه وتفرقت إلى ثلاث اتجاهات: اتجاه يغلب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، ويرى أن التقاط المكالمات وتسجيلها يقع باطلا بطلانا مطلقا ولو تم بإذن القاضي وذلك لعدة اعتبارات يمكن إيجازها في النقط التالية. - إذا كان اعتماد التقنيات الحديثة في الإثبات الجنائي يندرج ضمن إطار مبدأ حرية الإثبات السائد في المادة الجنائية فإن هذا الاستغلال لا يخلو من مخاطر الاعتداء على حقوق وقيم يحميها الدستور، خاصة حرمة الحياة الخاصة. - أن التقاط المكالمات الهاتفية لا يعدو أن يكون نوعا من التحايل المنبوذ لا يختلف كثيرا عن دفع المتهم خلسة إلى شم أو شرب مادة معينة تجعله يفقد التحكم في حواسه أو أفعاله، مما يسمح للسلطة القضائية بالوصول إلى الاعتراف المنشود. - من شروط المحاكمة العادلة تقديم وسائل الإثبات أو ممارستها بشكل تواجهي وعرضها للمناقشة من قبل كافة الأطراف والسماح لهم بإثبات عكسها وهي أمور مفتقدة في حالة استعمال هذا الإجراء. - الخوف والخشية من أن يصبح التنصت الهاتفي هو الإجراء الوحيد في التحقيق وأن يصير مبدأ الاقتناع الصميم مجرد صفة شكلية فارغة من المحتوى لاضطرار القاضي إلى الخضوع إلى ما سوف يراه ويعتبره مجسدا في المكالمة أو المراسلة المسجلة. - إن إجراء التنصت الهاتفي قد يؤثر سلبا على قرينة البراءة باعتبارها من المبادئ التي نصت عليها مختلف التشريعات والمواثيق الدولية. واتجاه آخر يرى أن التقاط المكالمات والاتصالات إجراء مشروع للاعتبارات التالية: - أنه غير محظور على العدالة الجنائية الاستعانة بالتقدم العلمي والتكنولوجي. - ليس في التسجيل الصوتي أو التقاط المكالمات الهاتفية ما يشكل انتهاكا للحرمات طالما أنها صدرت طوعا واختيارا دون أي تأثير شريطة أن لا يكون ذلك مخالفا للقوانين. وأخيرا هناك اتجاه يتبنى موقفا وسطا من الاتجاهين السابقين ويرى أن المصالح الحيوية العليا للدولة تفرض على السلطات الأمنية العامة إجراء تنصتات هاتفية من أجل الحفاظ على هذه المصالح، شريطة وضع حدود واضحة تبين نطاق التنصت الهاتفي وتبين حالاته وتوفر للأفراد ضمانات تكفل لهم الحماية اللازمة ضد كل التجاوزات ذات الطابع الإداري أو القضائي الذي قد تتخلله، لذلك يتعين التقيد بحالة الضرورة حتى يكون هناك انسجام مع محتويات الدستور في مادته 11 التي تنص على سرية المراسلات ومع المادة 108 من ''ق م ج'' التي انطلقت من المبدأ العام وهو المنع والاستثناء في حالة الضرورة التي منحت لقاضي التحقيق وأيضا للوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف في حالة الاستعجال. ومن وجهة نظرنا يمكن القول إن هذا الاتجاه الأخير هو الأقرب إلى الصواب، وذلك لكون الوسائل الحديثة أصبحت واقعا مفروضا في شتى مجالات الحياة، وليس هناك ما يمنع من استخدامها في الإثبات الجنائي ما دام أن المبدأ العام هو حرية الإثبات في المادة الجنائية، وكذا من أجل الحفاظ على المصالح العليا للدولة بخصوص الجرائم الخطيرة التي تهدد كيانه ووجوده، وخاصة الجرائم التي لا يمكن إثباتها إلا بواسطة هذه الوسائل، بالنظر إلى الأساليب المستحدثة أيضا في ارتكاب الجرائم، والتي عجزت الوسائل التقليدية عن إثباتها، وأن من شأن استبعاد هذه الوسائل الحديثة كالتنصت الهاتفي من الإثبات أن تبقى هذه الجرائم خارج العقاب، لكن هذا لا يعني إستعمال هذه الوسائل بشكل غير قانوني بل يجب أن يخضع لشروط وضوابط تكفل حرمة الحياة الخاصة للأفراد عماد المجتمع. أما عن موقف القضاء فقد أثير النقاش بالأساس في فرنسا فكانت الغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية تجيز إمكانية التنصت على المكالمات، مبررة في إحدى قراراتها بأن المكالمات الهاتفية لا تعتبر استنطاقا ولا ترتبط بممارسة حقوق الدفاع، وهي بذلك لا تخرق أي نص ولا مبدأ من مبادئ القانون، وقد انتقد الفقيه (بيير شامبوان) هذا القرار الذي أيد عمل قاضي التحقيق قائلا: إن الاستماع إلى الحوار الذي يجري بين الظنين ومحاميه يعرضه لخطر مفاجأته بالمكالمات التي تمت بينهما، والتي يحميها مبدأ السرية المنصوص عليه في الفصل 11 من ''ق إ ج'' الفرنسي، مع الإشارة إلى أن الظنين لو كان يعلم مراقبة جهاز التنصت لما صرح بشيء، وانتهى إلى القول ''فالقاضي الذي يخادع الظنين فهو يخادع الحقيقة، كما أنه لا يدمر فقط الثقة التي تربطه بالأطراف وقضاة الحكم ولكن المجتمع الذي ينتمي إليه ككل''. -------- [ALIGN=LEFT][COLOR=darkblue]سناء كريم - تطاوين[/COLOR]