استعطفت تلك المرأة العجوز بان تمدني بقليل من الماء, بعدما أضنتني مسافة الطريق إلى القرية. حملت بين يدي الدلو لكي أشرب , استسلمت لنسمات الهواء العليل بأن تداعب تقاسيم وجهي, سرحت بمخيلتي انظر إلى الأراضي الشاسعة, والى الأشجار التي أينعت تمارها تنتظر قطافها, والى حقول القمح والشعير, فقد تجردت من اللون الأخضر الزاهي لترتدي الوشاح الذهبي, معلنة قدوم موسم حصاد جديد . أيتها البسيطة أمام عيناي كم مرت منك من أقدام..؟ كم عاش فوقك من أقوام..؟ كم امة ودعتها صارت حكايات أو ظنون, لم يبقى احد شاهداً عليها , وبقيتِ شاهدة ألاف السنين. يا لله كم أنت جوّاد بعبادك, فإنها لا تكفي مليارات التسبيحات والتكبيرات ثناء على نعمك الوافرة علينا كسر هذا التأمل القصير, سؤال تلك المرأة العجوز هل أنت من طنجة أجبتها بنعم تبادلنا أطراف الحديث قليلاً, ثم أردفت قائلة والو أولدي أولاد اليوم الله يهديهم أُو صافي تغيروا كثيراً يلومون الزمان والعيب فيهم, الزمن يعيد نفسه أيام الأسبوع كما هي العام كما هو كل ما في الأمر أن النفس البشرية أصابها الغرور والتعالي أجبتها الله يهدي ما خلق أُو صافي...؟ علمت أن وراء هذه الكلمات أم ربت أجيالاً, ضحت بالغالي والنفيس من اجل أن ترضي الله وان ترضي زوجها قالت لي: بعدما أمعنت النظر إلي بعينيها التي تحمل داخلهما روعة الوجود, وكأنها تتحديانني أن أجد أحداً يصبر صبر (ناس زمان) كنت أصوم رمضان في عز الحر, أحصد وأكنس وأتحمل الكثير من المشقة مع زوجي وأنا راضية بما قسم الله لي, لأنني اعلم أن رضا الله مقترن بأن أرضى بما قسم الله لي رغم كل المعانات كنت أحس بأنني اسعد الناس ما إن انتهي من المشقة وأحلب البقرات وأعد الأكل لأسرتي. كان الكبير يحترم الصغير والصغير يصغي لكلام الكبير كان للجار حق في أن يربي ابن جاره إذا رآه يفعل شيء شنيع, كان الاحترام سيد الموقف بين الجيران في كثير من الأحيان. هل تظنون أننا كنا نأكل ما تأكلونه أنتم, وننام على ما تنامون عليه انتم... لم يكن لنا من هذه الحياة الرغدة من شيء, كنا نفترش حصيرة قصب السمار او العزف. كنا نأكل خبز الشعير أو الذرة مع اللبن وكنا راضين بما قسم الله لنا, كنا نلتحف بالتّزور ونغطي رؤوسنا بالفوطة في حالة إذا وجدت, وان لم توجد كنا نكتفي بوضع الحايك (قطعة ثوب مصنوعة من صوف الخراف) , تعددت الوسائل والطريق إلى السعادة واحد, وهو أن ترضى بما قسم الله لكَ حتماً ستكون أغنى الناس, هذا ليس بمعنى ان المرأة لا بد أن تتعب وتجهد نفسها لكي تكون المرأة المثالية لدى الكثيرين. لا بالعكس تماماً لكن يمكننا أن نجعل هذه المرأة قدوة يحتذى بها في الصبر على كل آفة وكل ضائقة, ابتغاء منها أن تجعل شمل العائلة مجتمع رغم كل الظروف دون التأفف. فكل ما في الأمر أن السعادة ليست مقترنة بالتقدم الصناعي او السيارات او المال, أو وضع الملابس الفاخرة والحلي الثمينة. إذا دققنا في دور المال والثروة في حياتنا وفي تحقيق السعادة لنا، فإننا سنجد أن كل واحد من بني الإنسان سيظل في حاجة إلى شيء من المال حتى تستقيم حياته ويتمكن من قضاء حوائجه، ولكن وجود شيء من المال ليس الشرط الوحيد للسعادة فشروطها عديدة والمال واحد منها. ارتأيت أن اسألها عن الزواج في ذاك العصر, فوجدت أنها تحمل بين طيات عمرها حب طاهراً داخل بيت الزوجية, لا يطفأ شمعته الحرمان من شيء, أو نقص من المال. فلقد كان سر نجاحه هو الرضا تم تقبل الطرف الآخر والتغاضي عما لا يعجبه فيه من صفات كما قال الحسن البصري: ما زال التغافل من فعل الكرام " التغافل" : وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور. ليس كزماننا كم من هدية وكم من ميزانيات تصرف على الأعراس, لكن لأتفه الأمور يقع الطلاق.