إذا كان العمران يعني تعمير الأرض من طرف الإنسان وإقامة حضارة عليها، فإن استمرار الحياة على هذه الأرض يتطلب التعامل مع قوانين الطبيعة بكيفية تحافظ توازن العناصر فيها. ويعد التعمير من الوسائل والآليات التي تستخدم في المحافظة على هذا التوازن، ومن شأن اختلال هذه الوسائل إحداث أخطار بيئية من شأنها وضع صحة وحياة الإنسان على المحك. إن التحدي الذي أصبح يواجهه المغرب كسائر البلدان المتخلفة في مجال التعمير، هو كيفية تحقيق التوازن بين حاجة المجتمع للتوسع العمراني والمحافظة على البيئة وعناصر الطبيعة التي أصبحت تحضى باهتمام واسع على المستويين الدولي والمحلي. فالبيئة وعناصرها الطبيعية هي رصيد مشترك لعموم المواطنين يتحمل الجميع مسؤولية المحافظة عليها ولا يحق لأي كان التصرف فيها ومصادرتها إلا بموجب الرضا العام أو ثبوت عنصر المنفعة العامة. لكن الحاجة الطبيعية للإنسان للسكن والإيواء والترف أحيانا جعلت النشاط العمراني يرتفع باضطراد في العقود الأخيرة، حيث تحول من وسيلة لخدمة وإسعاد الإنسان، إلى وسيلة لتدمير بيئته، وبالتالي أصبح جليا مدى انعكاس النشاط العمراني سلبا على بعض موارد الطبيعة، كالمجال الأخضر والمياه، فمن أخطر مظاهر تدمير وتردي البيئة هو تقليص المساحات الخضراء وتلوث المياه. فبفعل الأزمة الاقتصادية البنيوية والعميقة التي تعيشها بلادنا ارتفعت الهجرة نحو المدن الكبرى وأخص بالذكر هنا مدينة طنجة التي عرفت في العقدين الأخيرين عمليات استقبال كبرى للمهاجرين من مختلف مناطق المغرب، إضافة إلى الحزام القروي المحيط بها شرقا وجنوبا، هذا النزوح الكبير نحو مدينة طنجة التي ضاق وعائها العقاري على احتواء أفواج المهاجرين وبالتالي ارتفاع صاروخي في نسبة النشاط العمراني غير المنظم، مما انعكس بشكل مباشر على بيئة المدينة عن طريق قضم مساحات واسعة من المناطق الخضراء وتلويث المياه. والمقصود بالمجال الأخضر هنا, هو تلك المساحات الخضراء التي تعتبر متنفسا حقيقيا للسكان سواء كانت حدائق وبساتين أوغابات وحقول ومروج...، فبالإضافة إلى دورها في الحفاظ على التوازن البيئي والإيكولوجي تؤدي المساحات الخضراء خصوصا الغابات، وظائف ضامنة لاستمرار حياة البشرية فوق الأرض، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، إنتاج وتوفير الأوكسيجين، تلطيف درجة الحرارة، امتصاص مابين 60 إلى 70 في المائة من أشعة الشمس، المحافظة على المياه الجوفية، منع انجراف التربة... لكن وكما ذكرنا من قبل فإن حاجة الإنسان الطبيعية في التوسع بفعل النمو الديمغرافي والهجرة وعوامل أخرى، أصبح من الصعب تحقيق التوازن بين النشاط العمراني والمحافظة على المساحات الخضراء ومصادر المياه الطبيعية. فمعظم المدن تكون محاطة إما بالغابات أو بأراضي فلاحية أوالجبال، وكمثال على ذلك على المستوى الوطني تعتبر غابة المعمورة بنواحي القنيطرة من أكثر الغابات تضررا من التوسع العمراني وعمليات البناء، حيث تراجعت مساحتها من 133 ألف هكتار سنة 1953 إلى 60 ألف هكتار سنة 1992، ولا شك أن هذه النسبة لازالت في تناقص مستمر خلال العقدين الأخيرين. أما بالنسبة لمدينة طنجة التي تحضى بمؤهلات طبيعية وجمالية هي الأنذر في العالم، بحيث أن غاباتها تحتكر بعض الأنواع من الأشجار والنباتات خصوصا غابة الرميلات ومديونة وغابة السلوقية التي لا يزال مصيرها لم يحسم بعد أمام الرغبة الجامحة للوالي حصاد في تفويتها لأصدقائه الفرنسيين. هذا المجال الغابوي الذي يسيل الكثير من لعاب المستثمرين في مجال العقار أو كما يحلوا لفعاليات المجتمع المدني تسميتهم " وحوش العقار" بحيث يعتبر بالنسبة لهم مجالا خالصا ومؤهلا للمضاربة والاستثمار وجني الأرباح الخيالية والأموال الطائلة في استخفاف واستهتار كلي ببيئة طنجة وصحة سكانها، حيث فقدت مدينة طنجة مساحات شاسعة ومهمة من مجالها الأخضر بسبب طمع وشراهة المنعشين العقاريين الذين حولوا طنجة من مدينة تغنى بجمالها الشعراء وانبهر بسحرها الأدباء واستقطبت الفنانين والمثقفين من مختلف أنحاء العالم، إلى مدينة ممسوخة عبارة عن أكوام متراكمة بشكل عشوائي من الحديد والإسمنت، كرتونات سكنية أسوء من المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية بفلسطين المحتلة. غابة "جبل كبير" في خطر بعد بناء بعض المجمعات السياحية والترفيهية فيها، بالإضافة إلى اعتبارها المكان المفضل لبناء فيلات علية القوم في طنجة، بناء مجموعة من الفيلات الفاخرة وسط غابة مديونة، مركب سياحي بالغندوري، بالإضافة الاستيلاء المشبوه على مساحة خضراء مؤخرا قصد إنشاء مطعم ، إنشاء مجموعة من الإقامات بغابة بوبانة بدون ترخيص. هذا ولا ننسى إلى الاستنزاف الممنهج الذي تتعرض له كل من الغابة الدبلوماسية والتدمير المؤسف لغابات تاغرامت وأنجرة من طرف مقالع الحجارة. كل هذا يحدث وسط احتجاج محتشم من طرف السكان وتتبع ضعيف من طرف المجتمع المدني مما دفع السلطات المعنية في طنجة بفتح شهيتها أكثر أمام إغراءات وضغوط اللوبيات العقارية، آخرها التسهيلات التي حصل عليها عمدة طنجة قصد الاستثمار فوق بقعة أرضية مجاورة لمجمع البساتين التي كان من المفروض حسب وثائق التعمير تحويلها إلى متنزه لسكان المنطقة كمتنفس لهم وفسحة لأبنائهم، لكن ربما أصبح هذا حلما لسكان مجمع البساتين في ظل تآمر العمدة والسلطات الولائية لإعدام هذه المساحة الخضراء وتحويلها كذالك إلى ركام من الإسمنت المسلح.