بنموه المطرد الذي فاق كل التوقعات، يشهد قطاع صناعة السيارات بالمغرب دينامية متواصلة تؤهله لاحتلال الريادة عالميا خلال السنوات المقبلة، حيث يتواصل توافد استثمارات مجموعة من الفاعلين الدوليين في المجال، ما سيجعل المملكة منصة إنتاج وتصدير قوية ومتنوعة قادرة على المنافسة على الصعيد الدولي. وبالفعل، فقد أكدت الصحيفة الأمريكية المتخصصة في المال والأعمال "وول ستريت جورنال" أن المغرب تفوق على جنوب إفريقيا كمركز لصناعة السيارات في القارة الإفريقية . وأضافت الصحيفة، التي تعد مرجعا كبيرا في المجال بالنسبة لصناع القرار والمستثمرين، أن المملكة في طريقها لتصبح موردا رئيسيا لمصانع السيارات الأوروبية، مبرزة أن المغرب خلال السنوات الأخيرة استطاع استقطاب الفاعلين الفرنسيين "رونو" و"بوجو" لتوسيع نشاطهما. ويتمتع المغرب، بالتأكيد، بإطار مستقر وآمن، ليشكل بالتالي منصة لصناعة السيارات، تتميز بجاذبيتها وتنافسيتها وموقعها على أبواب أوروبا، كما تمنح رؤية واضحة للفاعلين، وتلبي انتظاراتهم، بفضل توفرها على شبكة من البنيات التحتية بمعايير عالمية. وبعد أن أصبحت مركزا عالميا لصناعة السيارات، تطمح المملكة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، إلى جعل القطاع فاعلا حقيقيا للتنمية، من خلال الارتكاز على النتائج الطموحة المحققة وضمان استمرار الدينامية الراهنة. وتبدو النتائج التي حققها قطاع صناعة السيارات أكبر من الأهداف المسطرة في مخطط التسريع الصناعي في البداية، إذ صار المغرب يراهن على تحقيق 200 مليار درهم من رقم معاملات التصدير في أفق 2025، بقدرة إنتاجية تبلغ مليون عربة، مقابل 100 مليار درهم في أفق 2020. بعد إقناع المجموعتين الفرنسيتين "رونو" و "بي إس أ بوجو - سيتروين" والشركة الصينية "بي واي دي أوطو إنداستري" واليابانية "جي تي إي كا تي" بالاستقرار في المغرب، تواصلت الاستثمارات الخارجية في قطاع السيارات طيلة السنة الجارية. ويتعلق الأمر بشركات متخصصة في صناعة أجزاء السيارات قادمة من إيطالياواليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وإسبانيا، والتي وجدت في المغرب المناخ الملائم للاستثمار، والبنيات التحتية والموارد البشرية الكفيلة بضمان توسيع أنشطتها بالقارة الإفريقية وتموين شركات تصنيع السيارات بأوروبا. وهكذا وجدت الشركة الإيطالية "ماغنيتي ماريلي" في مدينة طنجة كل مميزات الاستثمار الآمن والمربح في قطاع السيارات، حيث أطلقت بمدينة صناعة معدات السيارات "أوتوموتيف سيتي" أشغال تشييد مصنع لإنتاج نوابض السيارات والعربات التجارية بغلاف استثماري يبلغ 405 مليون درهم، سيمكن من إحداث 500 فرصة عمل مباشرة، بقدرة إنتاج سنوية تصل إلى ستة ملايين قطعة، لتموين زبائنها بكل من المغرب وإسبانيا وإيطاليا وتركيا، في أفق افتتاح مصنع ثان متخصص في تركيب أنظمة الإنارة والقيادة الالكترونية والدواسات الخاصة بالعربات باستثمار يناهز 312 مليون درهم سيسمح بإحداث 200 منصب عمل إضافي. كما أعلنت الشركة الألمانية "بريطل" المتخصصة في صناعة أجزاء السيارات، بداية العام الجاري، عن استثمار بقيمة 8 ملايين أورو لبناء وحدة صناعية بمنطقة "أوتوموتيف سيتي"، والتي ينتظر أن تبلغ قدرتها الإنتاجية الإجمالية 30 مليون قطعة على الأمد البعيد، كما ستوفر حوالي 80 منصب شغل. أما بمدينة القنيطرة، فقد أعلنت مجموعة "نوڤاريس" الفرنسية، المورد العالمي للحلول البلاستيكية للسيارات، عن بناء أول موقع إنتاجي لها بشمال إفريقيا، باستثمار يناهز 25 مليون أورو، لبناء مصنع يمتد على مساحة 10 آلاف و700 متر مربع، متخصص في إنتاج أنظمة وأجزاء المحركات من قبيل مصافي الهواء وأغطية المحركات الصوتية، وكذا الأجزاء الخارجية مثل الأعمدة، وواقيات الطين، وقضبان الأسقف وأغطية وقاية أسفل المحركات، وأجزاء داخلية مثل لوحات أجهزة القياس. ومن كوريا الجنوبية، حلت ب "أوتوموتيف سيتي" شركة "هاندس كوربورايشن" باستمثار يصل إلى 4,33 مليار درهم لبناء مصنع متخصص في إنتاج عجلات الألومنيوم للسيارات، بينما استثمرت الشركة الإسبانية "بريمو" بالمنطقة الحرة للتصدير بطنجة 22 مليون أورو لتشييد معمل لصناعة بعض الأجزاء الإلكترونية التي تدخل في عدد من المجالات، من بينها صناعة السيارات. أما من اليابان، فتستثمر شركة "ميتسوي كينزوكو آكت" ، المتخصصة في صناعة مفاتيح السيارات، 12,5 مليون أورو بمنطقة معدات السيارات بطنجة على مساحة 20 ألف متر مربع، لتموين مصنع "رونو" بطنجة وعدد من المصنعين المستقرين بأوروبا. كما تستثمر شركة "جتيكت كوربورايشن" اليابانية، المتخصصة في أنظمة قيادة السيارات، 20 مليون أورو بمنطقة "أوتوموتيف سيتي" لإنشاء أول موقع إنتاجي لها بإفريقيا، بقدرة تصل إلى 300 ألف نظام توجيه ذي تعزيز كهربائي، موجهة إلى المصانع المحلية لمصنعي السيارات الدوليين بالمغرب، حيث اعتبر رئيس المجموعة، تيتسوو أغاتا، أن "المغرب، بموقعه الاستراتيجي وتنافسيته، يعمل بكفاءة لكي يصبح منصة لصناعة السيارات بإفريقيا"، مشيدا بالمجهودات التي قامت بها المملكة لتطوير "منظومات جذابة" لصناعة السيارات. ويتقدم المغرب بخطى أكيدة لتحقيق هدفه المسطر ضمن مخطط التسريع الصناعي، حيث أصبح قطاع السيارات أول قطاع مصدر بحوالي 70 مليار درهم من رقم المعاملات في مجال التصدير في عام 2017، مقابل 40 مليار درهم في 2014، ما يمثل 44,5 في المائة من الصادرات الصناعية. وبمساهمته في إحداث 29 في المائة من مناصب الشغل في القطاع الصناعي، سجل قطاع السيارات أقوى معدلات إحداث مناصب الشغل بين 2014 و 2017 ب 83 ألف و845 منصب شغل جديد، ما يمثل أزيد من 93 في المائة من الهدف المحدد في أفق 2020، وهو ما يعكس اندماجا محليا متزايدا بمعدل يتجاوز، حتى اليوم، 50 في المائة وسيرتفع إلى 65 في المائة في 2019. ودفعت هذه الدينامية المتواصلة مجموعة "بوجو ستروين" إلى الإعلان عن رفع الطاقة الإنتاجية لمصنعها بالقنيطرة، الذي سيشرع في الانتاج سنة 2019، لتصل إلى 200 ألف وحدة سنويا بحلول 2020، مبرزة أن الإنتاج سينطلق بطاقة أولية تصل إلى 100 ألف سيارة. وعللت المجموعة قرارها بأن هذا الاستثمار يواكب مخطط نمو المجموعة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وسيرتكز على نسيج من الممونين المغاربة، مما سيمكن من بلوغ معدل اندماج محلي في حدود 60 بالمائة عند الانطلاقة ليصل إلى 80 بالمائة عند بلوغ الطاقة الانتاجية القصوى. ببلوغه مرحلة النضج التي مكنت القطاع من استقطاب مستثمرين من مختلف القارات ومع مشروع إحداث "مدينة محمد السادس طنجة تيك"، الذي أطلقه جلالة الملك، سيكون بمقدور المستثمرين الأسيويين الإنتاج والتصدير نحو السوق الدولية انطلاقا من المغرب، الذي صار مركزا رائدا في صناعة السيارات.