تفاجأت ليلة الأربعاء الخميس 15 16 نونبر الجاري، بحجم انتظار فئة عريضة من المغاربة للحلقة 95 من المسلسل التاريخي التركي "قيامة أرطغرل"، التي تأخرت بفعل عامل الترجمة وطول الحلقة الواحدة التي تصل إلى 120 دقيقة، حجم الاهتمام بهذا العمل الفني الذي يتصدر المشهد الفني العربي والإسلامي ومنه المغربي طبعا للموسم الرابع على التوالي، بدا واضحا من خلال التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي ( الفايسبوك، اليوتوب، تويتر، الواتساب) قبيل وبعد ظهور الحلقة على موقع "النور" الذي منح حصريا ترجمة المسلسل كتابة إلى اللغة العربية . أينما حللت إلا وأجد النقاش على أشده حول هذا المسلسل المثير ، في العمل في المقهى في جلسات العائلة.. في الحافلة التي أقلتني الخميس الماضي من تطوان الى طنجة، وطيلة مسار الرحلة ظل أحد الركاب وهو في الثلاثين من عمره، يتحدث عن بطولات ومواقف بطل المسلسل بنوع من الإعجاب تارة، ويقارن مضمون هذا العمل الفني بمضامين الأعمال الفنية المغربية بكل تلاوينها المعروضة على القنوات التلفزيونية الوطنية بالكثير من السخرة تارة أخرى، وبتجاوب منتظر من مجموعة من الركاب الذين بدورهم لم تسلم الأعمال المغربية من تهكمهم ونقدهم الاذع . السؤال، هو لماذا تلقف فئى عريضة من المغاربة أحداث هذا المسلسل وقد وصل إلى جزئه الرابع بنوع من القبول والترحيب والمتابعة ؟ ليس فقط في صفوف الجمهور المعتاد، بل أيضا وسط فئات جديدة لم تعتد على متابعة الأعمال الفنية في العموم، ومنهم الفئة الملتزمة وأيضا المرتبطة بقضايا الشعب ومن مختلف الأنواع والأصناف، ما دام المسلسل يمكن مشاهدته مع الأسرة والعائلة، رغم أن الأحداث التاريخية الواردة في المسلسل بعيدة جغرافيا عن المغرب . وبغض النظر عن دور السلطة الحاكمة في تركيا في إبراز هذا المسلسل وغيره من الأعمال التي جسدت وبرزت بشكل واضح منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى حكم دولة تركيا والذي يتماشى مع سياسة ومرجعية الحزب، وإن كان هذا حقهم، فإن سياق بث المسلسل لعب دورا كبيرا في هذا الانتشار الذي تتحدث بعض التقارير الإعلامية أنه وصل إلى أزيد من 70 مليون مشاهد، خاصة وأن المسلسل مليء بالانتصارات والمواقف المثيرة لأبطال المسلسل، في الوقت الذي يعيش فيه العالم العربي والإسلامي على إيقاع الخذلان بعد فشل الحراك الذي شهدته المنطقة سنتي 2011 و 2012، وتراجع المكتسبات المحققة لصالح الشعوب في العديد من الدول بعد تكالب مجموعة من الأطراف إقليميا ودوليا . ببساطة شديدة، المتتبع المغربي وجد نفسه أمام عمل غير معهود، وأن الجهة القائمة على المسلسل احترمت ذوق وذكاء المشاهد والمتلقي على طول العالم الإسلامي، فالمواطن المغربي تعود على الأعمال المغربية المحسوبة على الفن تخاطب العواطف والغرائز، وبمواضيع وقضايا تحاول عزله عن تاريخه وثقافته ومحيطه بل وتسيء إلى مكوناته ومقوماته وأبنائه وبناته، كما أن الابتذال والضحك على الذقون هو ما يميزها، هذا فضلا عن ما ميز "قيامة أرطغرل" من حبكة وإثارة وتشويق وقوة ومواقف، ومستوى فني عالي يضاهي الأعمال الفنية الغربية، خاصة على مستوى المؤثرات البصرية ومن استعمال للطائرات الصغيرة الحاملة للكاميرا لإضفاء نوع من المتعة.. وهو ما نفتقده في الأعمال الفنية المغربية التي تتسم في العموم بالضعف بل وبالرداءة حسب العديد من النقاد . ورغم أن المسلسل الدرامي جاء من زاوية أخرى ليمحو الآثار السيئة التي خلفها مسلسل تركي سابق اسمه "حريم السلطان" والذي بدوره عرف نسبة مشاهدة عالية، واعتبر من طرف مجموعة من المراقبين أنه أساء إلى العديد من الشخصيات التاريخية التي صنعت أمجاد تركيا، وإلى الإمبراطورية العثمانية التي أسسها "عثمان" ابن بطل المسلسل "أرطغرل ابن سليمان شاه"، التي قادت مساحة شاسعة من العالم الإسلامي تحت علم واحد لأزيد من ستة قرون، إلا أن مسلسل "قيامة أرطغرل" جاء حسب بعض المتتبعين لإعادة الأمل ولو فنيا إلى إمكانية التغيير، وإلى إمكانيات بروز قيادات تصنع وتقود الانتصارات وتخلق مساحة للأمل للمواطن ولو تلفزيونيا التي يفتقدها في واقعه المرير والمحبط، والغارق في مشاكل وإشكالات وتكالب لا ينتهي أثرت على أجيال بأكملها . طبعا هناك العديد من الملاحظات حول هذا العمل الكبير، لا أرى ضرورة لذكرها هنا، إلا أن المسلسل يبقى مبادرة جد محمودة في توظيف الفن بشكل إيجابي، وربط الحاضر بالتاريخ وبالأمجاد، للتأثير في الواقع، خاصة وأنه أعاد النقاش بين المهتمين والفاعلين في المجال حول الإمكانيات المتاحة لاستعمال الدراما والفن عموما لإعادة الإحياء بالموازاة مع اشتغال المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية.. خلال العقد الأخير أنجزت العديد من الأعمال التلفزيونية التاريخية حول المغرب، لكنها كلها بأيادي مشرقية مما أثر في مضامينها، وجعلت فيها المغرب تابعا للمشرق، في حين كان المغرب الأقصى عبر العديد من الوقائع التاريخية ليس فقط فاعلا بل قائدا، لذلك المطلوب إنجاز أعمال فنية تاريخية تعيد الاعتبار للتاريخ المغربي، وتعيد ربط الدراما بالتاريخ و بالموروث الحضاري للأمة المغربية في درب النهضة والرفعة، عوض تركه للآخرين يتصرفون فيه بالطريقة التي يرونها تناسبهم، فهل يدفع النجاح الباهر لمسلسل "قيامة أرطغرل" الجهات الرسمية والمهتمين والفاعلين إلى إعادة النظر في طريقة تدبيرهم للفن بالمغرب ؟