تطل مدينة العرائش، على مصب نهر "اللوكوس" وهو يحاول بدون جدوى اختراق أمواج المحيط الأطلسي العاتية. وعلى مشارف أسوار مدينتها العتيقة، تستقبل الزوار مدافع "حصن النصر" معلنة صمودها في وجه عوادي الزمن والطبيعة، كما صمدت منذ قرون في وجه جبروت القوى الاستعمارية الكبرى، التي كانت السواحل المغربية محط أطماعها. ولإسم الحصن دلالاته، حيث كتبت صفحات من تاريخ حافل بصم علاقة المغرب مع جيرانه الأوروبيين، خاصة البرتغاليين والإسبان، منذ فترة الحملات العسكرية التي كانت تقوم بها هذه القوى الأوروبية (الصليبية)، على السواحل الجنوبية للبحر المتوسط. يقول الباحث المغربي في مجال التاريخ، عبد الرحمن اللنجري، للأناضول، إن "حصن النصر" يعتبر من أقدم القلاع العسكرية التي لعبت دورا مهما في المجال الحربي خلال فترة القرن 16، ويعود تاريخ بنائه إلى ما بعد معركة وادي المخازن في غشت 1578. ومعركة وادي المخازن (الملوك الثلاثة)، هي ملحمة تاريخية، تحرك خلالها الجيش المغربي من أجل صد حملة صليبية قادها الملك البرتغالي "دون سيباستيان" (1554 -1578) على السواحل المغربية، من أجل إحباط أي مساع للمغرب للتحالف مع العثمانيين الأتراك للعودة إلى الأندلس. ولقي في هذه المعركة ثلاثة ملوك حتفهم، هم عبد الملك بن مروان، ومحمد المتوكل، وسبستيان ملك البرتغال، ولذا عرفت بمعركة الملوك الثلاثة. ووادي اللوكوس، هو نهر يقع شمالي المغرب، ينبع من نواحي مدينة شفشاون (شمال) ويصب في المحيط الأطلسي شمال العرائش. ويبرز اللنجري، وهو رئيس "جمعية اللوكوس للسياحة المستدامة" (أهلية تعنى بالتعريف بالموروث التاريخي والثقافي للعرائش)، أن "هذا النهر جلب العديد من الحضارات من بينها مجتمع ليكسوس، ثم الفنيقيين والرومان وقبل كل ذلك حضارة الأمازيغ". ويوضح أنه "بعد هذه الملحمة التي انتصر فيها الجيش المغربي على نظيره البرتغالي، ومع استمرار الأطماع الأوروبية نحو ثغر العرائش، قامت الدولة السعدية (حكمت المغرب ما بين 1510-1658) في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي، بتشييد حصن النصر إلى جانب آخر هو حصن الفتح". ويشير اللنجري، إلى أن "أسرى معركة وادي المخازن هم من قاموا ببناء هذين الحصنين، وفق تصميم أنجزه مهندسون إيطاليون، استقدمهم السلطان أحمد المنصور الذهبي، ما جعل هذين المعلمين، شبيهين بحصون تاريخية مشهورة في إيطاليا". وفي كتابه "بيانات حول مدينة العرائش خلال القرن 17"، يصف المؤرخ الإسباني "توماس غارسيا"، العرائش في تلك الفترة، بأنها "مركب جاثم على حوض اللوكوس، محصنة من الواجهة البحرية والبرية". وظلت العرائش، محصنة في وجه الهجمات الاستعمارية حتى سنة 1689، حيث استطاعت إسبانيا بسط سيطرتها عليها، في عهد الملك "فيليبي الثالث" (حكم ما بين 1578 1621)، الذي كان يعتبر المدينة بأنها "تساوي إفريقيا". وخلال فترة احتلال المدينة، تم إضافة تحصينات جديدة لها من طرف الجيش الإسباني، ما جعل مساعي استرجاعها إلى حاضرة المغرب، أمرا عصيا، إلى غاية سنة 1689 في عهد السلطان المولى إسماعيل العلوي (1672–1727). بعد استرجاعها إلى حاضرة الدولة المغربية، دخلت العرائش، مرحلة نمو ديمغرافي جديدة، لكن عوادي الزمن ساهمت إلى جانب الإهمال في تداعي العديد من جنبات حصون هذه المدينة، ما جعل ناشطون أهليون يقومون بإطلاق نداءات وإجراءات لإعادة الاعتبار لهذا الموروث التاريخي. ويقول اللنجري: "خلال تسعينات القرن الماضي، باشر نشطاء عملية تنظيف أسفرت عن إخراج أكثر من 64 طن من النفايات والأزبال من الحصن". لكن مبادرات المنظمات الأهلية لوحدها غير كافية، بحسب اللنجري، الذي يرى أن على المؤسسات الحكومية أن تتبنى قرارا لإعادة تأهيل الحصن من خلال مشروع مندمج يحافظ على الهوية التاريخية والمعمارية لهذا المعلم بهدف مساهمته في التنمية المحلية الثقافية. ولفت اللنجري، إلى أن "نضالات المجتمع المدني في العرائش سوف تتواصل على عدة مستويات، من بينها تنظيم فعالية ثقافية كبرى داخل الحصن خلال الأشهر المقبلة، رغم ما يشكله ذلك من مغامرة على اعتبار الوضعية الراهنة لهذه المعلمة التاريخية". -