إذا كانت لرتابة الحياة اليومية في طنجة، خلال السنوات الأخيرة، تأثير سلبي على العديد من الخصوصيات التي ميزت هذه المدينة على مدى تاريخها الطويل، فإن عيد الأضحى ما يزال من المناسبات القليلة التي يتم خلالها استحضار بعض التقاليد والعادات التي تبدو أنها تسير نحو الاندثار بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية. ويجمع الكثير من سكان مدينة طنجة، أن عيد الأضحى المبارك، الذي يأتي هذه السنة ليضع حدا لصخب موسم الصيف، بالإضافة إلى كونه مناسبة علاوة على حمولتها الدينية، فإنه يعتبر أيضا فرصة للتلاحم الأسري والاجتماعي. الباحث والمؤرخ رشيد العفاقي، الخبير بتاريخ مدينة طنجة، يبرز أن فترة عيد الأضحى المبارك، تشكل مناسبة لإحياء تقاليد في مدينة طنجة، منها ما هو مشترك مع بقية أهالي المغرب في مختلف المناطق، ومنها ما يختصون بها. ويرسم رشيد العفاقي، صورة لجانب من هذه التقاليد قائلا، "الإستعداد ليوم عيد الأضحى يبدأ بأيام، إذ يتم شراء الأضحية قبل حوالي أسبوع من يوم العيد، وتشهد الأحياء الشعبية خلال هذه الأيام حركة غير عادية تتمثل في وصول الأكباش إلى المنازل وسط فرحة الأطفال وتطلّع النساء من السطوح والنوافد، يصاحب ذلك المباركة لبعض أهل الحي الذين توفّقوا في اقتناء الأضاحي، مع السؤال عن سعر الأكباش، وهل لاتزال في السوق بقية صالحة للأضحية". ويوضح الأستاذ العفاقي، في حديث لجريدة "طنجة 24" الإلكترونية، أن "للأطفال فرحة خاصة في هذه الأيام، حيث يُخرجون أكباشهم من ديارهم، ويقتادونها للرعي بالبساتين المجاورة للحي، والتباهي على الأقران والأصدقاء، في ذات الوقت يكون رب البيت قد أعدّ لوازم الذبح من سكاكين وأواني، وفي الغالب يكون مكان الذبح قد عُيِّن فوق سطيحة البيت أو في مرآب الدار". ويسجل أن من بين أقوى لحظات هذه المناسبة، تبدأ صبيحة يوم العيد، وأولها استيقاظ رب الأسرة باكرا، ليغتسل هو وأولاده، ثم يقصدون المسجد لصلاة العيد، فإذا انتهوا من الصلاة بارك العيد لمن صلّى معه في المسجد من المعارف وغيرهم، ولمن لقيهم في طريقه إلى بيته. غير أن أكثر حلقات هذا المسلسل إثارة، يتابع المؤرخ رشيد العفاقي حديثه، "يتجلى في لحظة ذبح الخروف وسط حضور جميع أفراد الأسرة، بعد ذلك يأتي دور ربّة البيت لتهيئة قطع اللحم والكبد للشواء التي تكون جاهزة للأكل مع كؤوس الشاي قبل العاشرة صباحا.. وتمر الأيام التي تلي العيد في جو من الفرح والسعادة يكون الكبار قد جدّدوا أيامهم ولو معنويا بالتبريكات والزيارات المتبادلة". ويختم الأستاذ العفاقي حديثه للموقع، بالإشارة إلى تقليد يعمله الكثير من شبان طنجة وهو اغتنامهم لهذه الأيام لإنشاء مواقد وسط الأحياء الشعبية لشواية رؤوس وأطراف الأكباش والأضاحي، والتي تعرف في طنجة باسم "الفراوة"، وهي حرفة قديمة تزدهر أيام العيد، ويَجني من وراءها مزاولوها من الشباب مالا يساعدهم على دفع تكاليف العيش واللهو، فيما يتلو العيد من أيام.