العمل البرلماني المشترك أداة أساسية لبلورة وتنزيل رؤية إفريقية أطلسية مشتركة (بوريطة)    اتفاقية جديدة تمنح تخفيضات للشباب لشراء السكن من "العمران" في مدن الشمال    ريال مدريد يحجز بطاقته لنصف نهاية كأس ملك إسبانيا على حساب ليغانيس (ملخص)    بدر هاي يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل اعتقاله    السلطات تمنع جماهير اتحاد طنجة من التنقل إلى القنيطرة لدواعٍ أمنية    البرازيلي مارسيلو يعتزل كرة القدم بعد مسار حافل    توقيف شخص بحوزته مخدرات وسلاح أبيض وكلب شرس بطنجة    "جواز الشباب" يخدم شراء السكن    عجلة الدوري الاحترافي تعود للدوران بمواجهات قوية لا تقبل القسمة على اثنين    قيوح يشدد على مصالح وزارته بضرورة تعزيز الشفافية وتسريع معالجة الشكايات    منتدى "النكسوس" يقترح حلولا مبتكرة لتحديات التغير المناخي    برامج رمضان على "الأولى": عرض استثنائي وإنتاجات درامية وكوميدية بحلة جديدة    استعداداً لحملة ضد "بوحمرون".. وزراة الصحة بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية تطلب من أولياء التلميذ الموافقة على الاطلاع على الدفاتر الصحية لأبنائهم    قانون الإضراب الجديد في المغرب: حماية للحقوق أم تقييد للحريات النقابية؟    مرصد أوروبي يكشف أن "يناير" الماضي الأعلى حرارة على الإطلاق    بعد عام من القضايا المتبادلة.. شيرين عبد الوهاب تنتصر على روتانا    6 أفلام مغربية تستفيد من دعم قطري    "ستيلانتيس القنيطرة" يطور الإنتاج    عضو في الكونغريس الأمريكي يضغط على قيس سعيّد ويقترح قانونًا لمعاقبة نظامه    ألباريس: إسبانيا ترفض استقبال فلسطينيين في حال تهجيرهم من غزة    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    مصدر خاص ل"الأول": "طاقم تونسي لمساعدة الشابي في تدريب الرجاء"    مواجهات عنيفة بين الجيش الجزائري وعصابة البوليساريو بتندوف (فيديو)    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    ارتفاع طفيف لأسعار الذهب    كيوسك الخميس | إسبانيا تمنح تصاريح إقامة لأزيد من 11.500 عاملة مغربية    المغرب يحقق رقماً قياسياً في توافد السياح خلال يناير 2025    معرض للفن الإفريقي المعاصر يحول مراكش إلى وجهة فنية    محاكمة مقاول بتارودانت يشتبه تورطه في عملية نصب على 24 شخصا من متضرري الزلزال    العيون تحتضن المؤتمر العربي الأول حول السياسات العمومية والحكامة الترابية يومي 7 و8 فبراير الجاري    إنتاج التمور في الدول العربية.. ما مدى تقدم المغرب في الإنتاج والجودة؟    المغرب يعزز قدراته الدفاعية بتسلم طائرات "بيرقدار أكينجي" التركية المتطورة    الاتحاد الأوروبي: "غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية"    فيديو: توافد المئات من المعتمرين والحجاج على معهد باستور بالدار البيضاء للتلقيح ضد التهاب السحايا    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    تعبئة أكثر من 40 مليون درهم لبناء وتهيئة الرّئة الخضراء المستقبلية لأكادير    "قناة بنما" تكذب الخارجية الأمريكية    معرض "أليوتيس" بأكادير : الدريوش تعقد سلسلة لقاءات ثنائية مع عدد من الوزراء ومسؤولي قطاع الصيد البحري    وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر بالتخطيط ل"هجرة طوعية" من غزة بعد مقترح ترامب للسيطرة على القطاع    رئيس أولمبيك مارسيليا يشيد بمهدي بنعطية    شرطة ألمانيا تتجنب "هجوم طعن"    أستاذ مغربي في مجال الذكاء الاصطناعي يتويج بجامعة نيويورك    كأس انجلترا: نيوكاسل يؤكد تفوقه على أرسنال ويتأهل للمباراة النهائية    7 أطعمة غنية بالعناصر الغذائية للحصول على قلب صحي    طنجة وبرشلونة.. شراكة متجددة وآفاق واعدة استعداداً لكأس العالم 2030    اجتماع موسع بعمالة إقليم الجديدة لتتبع تموين الأسواق والأسعار (بلاغ)    عقبات تواجه "مشروع ترامب" بشأن غزة.. التمسك بالأرض ومعارضة العرب    التاريخ والذاكرة.. عنف التحول ومخاضات التشكل    تأجيل أم إلغاء حفل حجيب بطنجة؟ والشركة المنظمة تواجه اتهامات بالنصب    كعكتي المفضلة .. فيلم يثير غضب نظام المرشد في إيران    أجراس الحداثة البعدية في مواجهة منابر الحداثة    ماذا يعرف الأطباء عن أعراض وعلاج الاحتراق النفسي؟    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقنين زراعة القنب الهندي وأثره على التنمية السوسيو-اقتصادية بجهة طنجة
نشر في طنجة 24 يوم 02 - 12 - 2021

تعتبر زراعة القنب الهندي إحدى أهم الزراعات التي عرفتها بعض مناطق شمال المغرب، وذلك منذ أواخر القرن 19 وبداية القرن 20، وخاصة على مستوى قبائل الريف وكتامة والمناطق المجاورة، وقد عرفت زراعة هذه النبتة انتشارا مهما حيث وصلت إلى حدود مدن تاونات وزان والقصر الكبير.
ويعود النقاش الدائر حول شرعية هذه الزراعة إلى فترة الحماية التي عرفها تاريخ المغرب المعاصر، حيث أكدت كتابات بعض المؤرخين الفرنسيين (أوغست مورليراس) أنه حين دخول الحماية إلى المغرب كانت نبتة القنب الهندي موجودة، وقد عرفت سنة 1919 صدور أول ظهير يهم تقنين القنب الهندي والقاضي بعدم إمكانية زراعة هذه النبتة دون إعلام السلطات بالكمية المزمع زراعتها وضرورة تسليم كامل المحصول للسلطات، مع سن عقوبات مالية في حق المزارعين الذين زرعوها بدون ترخيص أو سلموا كميات أقل من الكمية المتوقعة الناتجة عن المساحات المزروعة.
وفي سنة 1954 صدر ظهير شريف يقضي بمنع زراعة القنب الهندي في الوقت الذي استمر فيه سكان منطقة الريف والشمال في التعاطي لهذه الزراعة بسبب نوعية التربة وصعوبة تعويض هذه الزراعة بزراعة أخرى. ومع مرور الوقت، تطورت استعمالات هذه النبتة من استعمال تقليدي إلى استعمالات أكثر خطورة بعد تحويلها لمادة مخدرة، حيث ارتبط تصنيعها وتحويلها بالإتجار في المخدرات؛ فعلى الرغم من منع انتشار المخدراتواستعمالهاومنع زراعة القنب الهندي، استمرت هذه الزراعة في معظم قبائل الريف وجبالة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد المتابعات القانونية في حق المزارعين المخالفين، مما جعل من النقاش حول تقنين استعمالات الكيف تعود للواجهة من خلال دعوات بعض الأحزاب تدعوا إلى تقنين هذه الزراعة وإصدار عفو شامل عن المتابعين في ملفات زراعة القنب الهندي ورد الإعتبار لهم وللمنطقة.
وفي إطار التحول العام الذي عرفه التعامل مع هذا الملف على المستوى الدولي، استجاب المغرب بالفعل للدعوات الرامية إلى تقنين استعمال هذه النبتة، خاصةبعد أن أزالت لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة القنب الهندي من قائمة المواد الأكثر خطورة، وكذا صدور توصيات منظمة الصحة العالمية بشأن إعادة تصنيف النبتةبشكل يتلاءم والمستجدات التي أظهرت مزاياهاالطبية والعلاجية، حيث تحولت نبتة القنب الهندي من مادة محظورة الزراعة والاستعمال إلى فرصة استثمارية مهمة في يد من يتوافق مناخه وطبيعة تربته وهذه الزراعة.
يعد صدور القانون 21-13 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي خطوة مهمة في سبيل حل ملف حارق، لكنه واعد على المستوى الاقتصادي وطنيا جهويا ومحليا، لقد كانت الغاية منه الاستفادة من التطور الذي يعرفه السوق العالمي للقنب الهندي على غرار مجموعة من الدول التي سارعت بتقنين استعمالاته، خاصة وأن المؤهلات الطبيعية والبشرية والبيئية والإمكانيات اللوجيستيكية وقرب المغرب من أوربا تسهل عليه مأمورية الإستثمار في هذا المجال، بالإضافة للرغبة في تحسين مدخول المزارعين وحمايتهم من شبكات الإتجار في المخدرات،وبمراجعة تاريخ هذا الملف يتضح أن الفلاحين هم الحلقة الأضعف في هذه العملية، حيث عاشوا لسنين تحت وطأة قانون منع زراعة النبتة المحظورة فيما استفاد التجار من عائداتها.
إن أي سياسة عمومية يكون لها من الآثار الإيجابية ما يبررها، وفي المقابل يكون لها أيضا بعض التبعات التي تتطلب بعضالإجراءات المواكبة للمساعدة على إنجاحها وتفادي الآثار السلبية المحتملة جراء تفعيلها، فلا يمكن الاختلاف حول أهمية تقنين استعمالات القنب الهندي سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية، إلا أن هذا التقنين يستدعي الالتفات للمناطق المعنية بزراعة القنب الهندي وإعادة الاعتبار لها، وذلك من خلال استفادتها تنمويا من عائدات كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع وتسويق هذه المادة، فمن غير المقبول أن يعاني المزارعون البسطاء الويلات لسنين جراء المتابعات القانونية في حقهم، ليجدوا أنفسهم دون حماية اجتماعية واقتصادية في مواجهة انفتاح الأنشطة المرتبطة بهذه الزراعة على القطاع الخاص واقتصاد السوق.
لذلك يبدو أنه من الملائم أن تقوم الدولة بسن سياسات اجتماعية تستهدف حماية مصالح صغار الفلاحين وكذا استفادة المناطق المعنية بهذه الأنشطة من نسب معقولة من عائداتها، خاصة وأن الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي ستستفيد من إعانات الدولة والجماعات الترابية وبالتالي فمن المنطقي أن يكون لها نصيب من عائداتها، بشكل يساهم في تنمية المناطق المعنية، ولم لا دعم ومواكبة الساكنة وخاصة منهم الشباب في الانخراط في أنشطة تعاونية تهم هذا القطاع ومساعدتهم على الاندماج في السلسلة الإنتاجية والتسويقية لهذه المنتجات.
كما يجب التفكير في المناطق التي كانت تعرف أنشطة زراعة القنب الهندي بشكل مكثف، لكنها لم تدخل في نطاق المناطق التي شملها مرسوم تحديد المناطق المسموح بها زراعة القنب الهندي، وبالتالي من الضروري إيجاد حلول للمزارعين بهذه المناطق على وجه السرعة تهم زراعات بديلة ذات مردودية معقولة، تفاديا لتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بهذه المناطق، خاصة انتشار ظاهرة الهجرة القروية نحو المدن، وارتفاع نسب الانتحارات؛ والعمل على الرفع من قيمة المبلغ الاستثماري المخصص لبرنامج تحويل زراعة القنب الهنديببرنامج التنمية الجهوية الذي سيعمل المجلس الجهوي الحالي على إعداده، إسوة بسابقه الذي عرف برمجة مبلغ استثماريقدر ب 1000 م.د، موزعة على أقاليم شفشاون 633 م.د، الحسيمة 182.2 م.د، تطوان 123.6 م.د، والعرائش 61.2 م.د بهدف تحويل زراعة القنب الهندي بها.
تتعدى الأنشطة التي يدخل ضمنها القنب الهندي تلك الطبية والشبه طبية، فهو يدخل ضمن صناعة الورق والمنسوجات والوقود واللدائن القابلة للتحلل الحراري، وبالتالي فهي أنشطة واعدة من شأنها تقديم حلول للمشاكل السوسيو-اقتصادية التي تعاني منها المناطق المعنية بهذه الزراعة، والتي من المحتمل أن تتفاقم لدى الفئات الأكثر هشاشة، وبالتالي من المفروض التفكير في إحداث تخصصات تكوينية تأهيلية ومتخصصة تهم هذه الصناعات يستفيد منها أبناء المنطقة والجهة استجابة لحاجيات سوق الشغل التي ستحدثها هذه الأنشطة جهويا ومحليا.
إن تقنين زراعة واستعمال القنب الهندي بشكل مشروع له من الدواعي الاقتصادية المهمة ما يبرره، فهو فرصة استثمارية مهمة أمام المغرب عليه استغلالهاعلى أكمل وجه، كما يشكل إمكانية تنموية كبيرة لصالح المناطق المعنية، من خلال إعادة الاعتبار لها، وكذلك مناسبة لإنصاف المزارعينورفع صفة الاجرام عنهم وتحريرهم من الخوف؛ كما أنها خطوة مهمة من شأنها خلق دينامية اقتصادية جهوية ومحلية مهمة وجلب استثمارات واعدة خاصة تلك المرتبطة بالصناعات الدوائية والتجميلية، والحد من البطالة عبر خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة، والحفاظ على الثروات المائية التي تم استنزافها والتقليل من الآثار السلبية على البيئة وحل مشاكل ظلت عالقة لسنين.
*باحثة في القانون العام والعلوم الإدارية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.