حسنس أفاينو من الرباط: مناهضة العنف ضد النساء قضية إنسانية حقوقية، والانحياز لها ليس من باب الموضة أو خوفا من الوسم ضمن خانة التخلف والرجعية، بل هي قضية تمليها ضرورة إقلاع المجتمع بإناثه وذكوره نحو آفاق أرحب من التنمية والتطور الذي لا يمكن أن يتحقق بشق معتل. وتشكل هذه القضية انشغالا عالميا مستمرا بسبب ارتفاع نسب العنف الممارس ضد المرأة في العالم بأسره ، ما حذا بالمغرب إلى تعزيز ترسانته القانونية في مجال إنصاف المرأة ووضع تدابير إجرائية تدعم حقوقها ضمن خيار استراتيجي يقضي باحترام حقوق الإنسان وصيانة كرامته. وانطلاقا من هذا البعد الإنساني، يتضح أنه آن الأوان للارتقاء بالوعي الجمعي لاستيعاب أن قضية المرأة هي قضية الرجل أيضا، وما يسيء إليها ينعكس على المجتمع برمته، ولعل شعار “الذكورة الإيجابية: الرجال والفتيان يناهضون العنف ضد النساء والفتيات” الخاص بالحملة الأممية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات التي تنطلق اليوم (25 نونبر 2019) ، يترجم هذه الكينونة المشتركة، بما يجعل القضية تخرج من ضيق مقاربة النوع إلى رحابة الإنسانية الأوسع. ويشكل القانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 12 مارس 2018، ودخل حيز التنفيذ يوم 12 شتنبر 2018، بعد 6 سنوات من التشاور والنقاش العمومي، نقلة نوعية في مسار النهوض بأوضاع المرأة المغربية ينبغي تعزيزها بانخراط فعلي لمؤسسات التنشئة الاجتماعية والتربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية، في إطار مقاربة استباقية ووقائية تروم تأهيل المجتمع المغربي للاعتراف بدور ومكانة المرأة في المجتمع. ومن الأبعاد الأساسية لهذا القانون، تنصيصه على اعتبار العنف ضد المرأة بسبب جنسها، أحد أسباب التشديد في العقوبات على الجاني، كما أن مرتكزاته تقوم على أربعة أبعاد تخضع لمعايير دولية، وهي البعد الوقائي والحمائي والزجري والتكفلي . وبخصوص مواكبة الحكومة لتنزيل مقتضيات القانون 103.13، أوضحت السيدة جميلة المصلي، وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، أن المرسوم التطبيقي لهذا القانون الذي يتناول مجموعة من الوضعيات التنظيمية المتعلقة أساسا بآليات التكفل بالنساء ضحايا العنف، ينص على إحداث اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف وتفعيل مهامها؛ ومأسسة اللجان الجهوية والمحلية؛ وإحداث وتطوير عمل الخلايا المركزية واللاممركزة على مستوى المحاكم والقطاعات المكلفة بالعدل والصحة والشباب والمرأة، وكذا المديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي. وتفعيلا لمضامين قانون محاربة العنف ضد النساء ومرسومه التطبيقي، أبرزت الوزيرة في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه تم تنصيب “اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف”، وهي آلية تضطلع بصلاحيات هامة مسندة إليها بموجب القانون، خاصة على مستوى ضمان التواصل والتنسيق بين مختلف التدخلات لمواجهة العنف ضد النساء والمساهمة في وضع آليات لتحسين وتطوير منظومة التكفل بالنساء ضحايا العنف، إضافة إلى اختصاصات أخرى ذات الصلة بتقوية آليات الشراكة والتعاون مع مختلف الفاعلين وتقديم المقترحات وإعداد التقارير. وأشارت إلى أن اللجنة الوطنية شرعت في تفعيل مهامها من خلال تنظيم عدة أنشطة واتخاذ مجموعة من المبادرات الرامية إلى ضمان الجودة في التكفل بالنساء ضحايا العنف. وبخصوص نسب العنف المسجلة ضد النساء في المغرب، ذكرت السيدة المصلي أن الوزارة عملت بشراكة مع المندوبية السامية للتخطيط، على إطلاق البحث الوطني الثاني لقياس مدى انتشار العنف ضد النساء بمختلف الأوساط في الفترة الممتدة بين يناير ومارس 2019، شمل عينة تتكون من 13 ألفا و543 امرأة بالغة من العمر ما بين 18 و64 سنة في مختلف جهات المملكة. وأوضحت أن النتائج الأولية لهذا البحث الوطني أظهرت بتاريخ 14 ماي 2019 ، أن نسبة انتشار العنف ضد النساء بلغت 54.4 في المائة في 2018، مقابل 62.8 في المائة في 2009، وهو ما يعكس، برأيها، بداية المنحى التنازلي للظاهرة بفعل الإجراءات المتخذة وعلى رأسها تكريس البعد الزجري من خلال القانون الخاص بالعنف ضد النساء وباقي المبادرات المؤسساتية وتلك الخاصة بالمجتمع المدني. وأضافت أن التوزيع حسب الوسط كشف أن النساء في المجال الحضري هن الأكثر عرضة للعنف بنسبة 55.8 في المائة، مقابل 51.6 في المائة لدى النساء بالمجال القروي، لافتة إلى أن نتائج البحث كشفت أيضا أن العنف النفسي هو الأكثر انتشارا حيث أن حوالي نصف النساء صرحن بتعرضهن لهذا الشكل من العنف (49.1 في المائة)، يليه العنف الاقتصادي بنسبة 16.7 في المائة، والعنف الجسدي بنسبة 15.9 في المائة، ثم العنف الجنسي بنسبة 14.3 في المائة. وبخصوص الأشكال الجديدة من العنف، بينت نتائج البحث أن 13,4 بالمائة من مجموع النساء المغربيات ما بين 18 و64 سنة تعرضن للعنف الالكتروني، وأن الشابات المنتميات للفئة العمرية بين 18-24 سنة هن أكثر عرضة للعنف الالكتروني بنسبة 30.1 في المائة، مشيرة إلى أنه كلما تقدمت النساء في السن كلما تراجعت نسب العنف الالكتروني ضدهن. وحول مدى تطور ممارسة التبليغ عن التعرض للعنف من قبل المع ن فات في المغرب، كشفت نتائج البحث أن نسبة تبليغ النساء عن العنف لم تتجاوز 6.6 في المائة، بالرغم من الجهود المبذولة على المستويات التشريعية والتحسيسية والوقائية والتكفلية لتيسير ولوج النساء للعدالة، تقول الوزيرة، التي أكدت أن المرصد الوطني للعنف ضد النساء سيعمل على إجراء دراسة علمية لتحديد المعيقات والإكراهات الثقافية والاجتماعية التي تحول دون تبليغ النساء المع ن فات على العنف الذي يطالهن. وفي جوابها عن كيفية تعاطي الحكومة مع إشكالية ضعف المؤسسات المؤهلة للتكفل بالنساء المع ن فات، وحجم الدعم المرصود لهذه المؤسسات وآفاق تطويرها، أفادت السيدة المصلي بأن الوزارة عملت على اتخاذ مجموعة من المبادرات من أهمها تطوير شبكة مراكز الإيواء المؤسساتية عبر إحداث فضاءات متعددة الوظائف للتكفل بالنساء ضحايا العنف على المستوى الجهوي والمحلي، بلغت 40 فضاء في إطار شراكة مع مؤسسة التعاون الوطني، فضلا عن عقد اتفاقية شراكة جديدة مع نفس المؤسسة من أجل إحداث 25 فضاء إضافيا ما بين 2018- 2021. وتقدم هذه البنيات الاجتماعية للقرب، حسب الوزيرة، عدة خدمات لفائدة النساء في وضعية صعبة، من بينها توفير خدمات الدعم والتكفل والمواكبة وتوجيه النساء ضحايا العنف، بالإضافة إلى خدمات التمكين الاقتصادي من خلال التكوين والمواكبة لأجل الإدماج الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب ضمان خدمات الاستقبال والإنصات والتوجيه والإرشاد القانوني والإيواء المؤقت. وأبرزت المصلي، أن الوزارة عملت في هذا الصدد أيضا على تقوية الشراكة مع المجتمع المدني ودعم مراكز الاستماع بهدف تعزيز وتحسين خدمات التكفل بالنساء ضحايا العنف، حيث يقدم القطاع المكلف بالمرأة دعما ماليا على مدى 3 سنوات للمشاريع التي تروم إحداث أو تطوير مراكز الاستماع والتوجيه للنساء ضحايا العنف، خصوصا بالعالم القروي، وهي المشاريع التي يتم انتقاؤها بناء على طلب مشاريع يعلن عنه سنويا. وعللت الوزيرة اعتماد هذه المقاربة في مجال الدعم (3 سنوات بدلا من سنة واحدة) بضمان استمرارية وجودة الخدمات التي تقدمها هذه المراكز للنساء ضحايا العنف، حيث تم دعم 223 مركزا للاستماع والتوجيه للنساء ضحايا العنف ما بين 2012 و2017، بمبلغ إجمالي قدره 72 مليون درهم. ولعل الاشتغال على بناء منظومة قوية لتمكين المرأة في جميع المجالات، بما يكسبها الثقة في نفسها ، والقدرة على التصدي لعدم المساواة والتمييز ضدها، إلى جانب الرهان على التربية والتعليم والثقافة والإعلام بكل دعائمه كصانع للتمثلات والهويات والسلوكيات، خاصة في زمن التطور الرقمي المتسارع، من شأنهما محاصرة العنف ضد النساء، ورفع منسوب الوعي لدى المجتمع بأهمية حفظ كرامة الإنسان، امرأة كانت أو رجلا على حد سواء.