في الحقيقة كنت أتوقع أن خطاب الزعيم السياسي ورئيس الحكومة وأحد الرموز الحزبية الوطنية يعتمد على الفصاحة وقوة الخطاب ومعطيات علمية دقيقة ومنهجية خصوصا أنه يحسب على “التيار الاسلامي” الذي تعرف قياداته بالاتزان والحس الخطابي والتنظير. لكن في واقع الامر تفاجأت حيث وجدت نفسي أمام خطاب شعبوي منحط يعتمد على مفردات سوقية وكلمات عاطفية ودخول من موضوع وخروج إلى أخر دون أي منهجية، ومحاولة استعطاف الناس تارة بمدينتهم وتارة بعددهم وتارة أخرى بمحاولة إضحاكهم والاستهتار والاستهزاء بخصمه، وحتى تلك الدموع جعلتني أتسأل هل هي صادقة ؟؟ خصوصا أنها تتكرر مع كل خطاب ومن الكلمات التي أثارت استغرابي قوله “الحزب اللي مافيهش الرجال كيشطحو ماشي حزب”. وكأن الرقص شرط لنجاعة الحزب وحنكته، ومع كل كلمة -مثل ما سبق ذكره – الناس يهللون ويزغرتون .وكأن العقول مغيبة ومن الأمور الغريبة والخطيرة نقله لأبيات شعرية من قصيدة أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي .. ولابد للقيد أن ينكسر هذا الكلام لا يقول به إلا الغلاة العلمانيون ولا يصح نقلا ولا عقلا، وها نحن نشاهد كيف أجهضت الثورة المصرية والإرادة الشعبية من طرف السيسي والعسكر المصري وقد استنكر علماء الاسلام مثل هذا الكلام، فكيف لزعيم يحسب على “التيار الاسلامي” أن يقول هذا؟ ونحن نعلم أن الارادة لا تكون إلا لله الواحد الاحد، وإذا أرادا الشعب و أراد الله لن تكون إلا ارادة الله جل وعلا. ومن جهة أخرى انتقاده لخصومه من السياسيين واتهامهم بالمتاجرة في المخدرات والفساد والتزوير وقد يكون هذا صحيحا لكننا نعلم أن حزبه يدخل مع الكثير منهم في تحالفات عدة ومن المتوقع أن يركنوا الى بعضهم البعض بعد هذه الانتخابات وهو الامر الذي يتوقع حدوثه مع أشد خصومه حزب الجرار الذي هاجم كل قياداته ومع ذلك يقول التحالف معهم وارد. وحتى حديثه عن “شباط” الذي يصفه بالفساد اليوم نعلم أن هذا الاخير هو وحزبه من قرروا الخروج من حكومته وليس العكس، ولو كان شباط اختار البقاء في ظل حكومة “بنكيران” لكان سيتعامل معه كما يتعامل اليوم مع “مزوار” الذي كان بالأمس أحد رموز الفساد لكنه أصبح اليوم حليفه من أجل الاصلاح.