خديجة الفتحي (*): مقهى "باريس" في مدينة طنجة المغربية، تحفة معمارية شيدت قبل 118 سنة، وذلك إبان فترة الانتداب الدولي للمدينة، ومنذ ذلك الحين ظل المقهى على مدار التاريخ قبلة لفنانين ومبدعين وسياسيين وكتاب وجواسيس من أعراق وثقافات مختلفة، ممن أغواهم سحر مدينة تقع على واجهتين بحريتين. كتاب لعبوا دورا كبيرا في الترويج لهذه المدينة ولمعالمها التاريخية، ك"هنري ماتيس" الذي كان رصد في أحد مؤلفاته تفاصيل المدينة العتيقة والأسوار البرتغالية، وخلف ذلك جبال أوروبا التي تبدو قريبة جدا وعلى مرمى حجر. كما لعبت لوحات ماتيس لمدينة طنجة وقتها دورا كبيرا في دفع هذه المدينة إلى واجهة الشهرة العالمية، فصارت محجا لمزيد من الفنانين والمثقفين، كصمويل بيكيت وأنطوني كوين ومارك توين وجماعة "بيت جينرايشن" الأميركية. بعض هؤلاء الزوار اختاروا الإقامة الدائمة بالمدينة، وأصبحوا من الزبائن الدائمين للمقهى الأسطورة "باريس" ومقهى "الحافة" على الخصوص، حيث تتجاور الذكريات مع المعالم السياحية، ففي هذين المقهيين، جلس الموسيقار الأميركي برايان جيسين الذي عاش هو الآخر فى طنجة، والكاتب الأميركي تنيسي وليامز ومواطنه بول بولز، والفرنسي جان جينيه، الكاتب المتمرد إلى آخر حياته، ومعهم محمد شكري الذي أرّخ لهذه المرحلة في كتب كثيرة نحت نحو طابع السرد الذاتي. قبالة قصر القنصلية الفرنسية يوجد هذا المقهى الأسطورة، الذي يقول عنه مالكه الحالي، الحاج أحمد، في تصريح ل"العربية.نت"، إنه عاش من الحكايات مع الفنانين والمشاهير أكثر مما عاشه أي مقهى آخر في المغرب كله، وأنه كان نموذجا لمجالس الفكر والثقافة بالمدينة، وظل كذلك على امتداد عقود من الزمن. ويشير الحاج أحمد إلى أن العديد من الفنانين والكتاب مازالوا يترددون على المقهى كلما حلوا بالمغرب، كما هو الحال للروائي المغربي الطاهر بن جلون، والممثل العالمي نور الشريف. وأفاد المتحدث أن المقهى سجل ضمن التراث الإنساني العالمي من طرف منظمة اليونسكو، ولهذا السبب مازال هذا الفضاء يحافظ على طابعه المعماري وهندسته الأصلية، كما أن الطاولات والكراسي بقيت على اللون والشكل نفسه. يمتد المقهى على مساحة تقدر ب500 متر مربع، وتطل واجهته على شارع الحرية، وأخرى على جزء من الميناء القديم، وبمحاذاته يمتد سور "المعاكيز" أي الكسالى، لأن الساحة المحاذية له كانت محطة للقوافل التجارية وللمسافرين في كل الأزمنة، يتخذونها مستقرا للراحة المؤقتة أو المبيت أو للاستمتاع بالغروب. شهرة "مقهى باريس" لم تستطع أن تغطي الشهرة الدولية ل"مقهى الحافة" الذي افتتح عام 1921 على حافة البحر، ولهذا السبب سمي بهذا الاسم. بنيته غريبة، فهو عبارة عن مجموعة من الطبقات الصخرية، واحدة تؤدي إلى أخرى.. في هندسة طبيعية نادرة، وظلت بدورها قبلة للفنانين.