لا يهدأ بال مواطن في كل مكان يسمع عن أحداث عنف تتسبب في التدمير وتؤدي إلى السجن أو القتل ظلما وعدوانا ،ولا يرتاح أحدا دون أن يستنكر طالبا اللطف ولو كان عدوا قريبا أو بعيدا عن الحدث ، وما يحدث ، إلا لأن الوضع العام للأمة فيه خلل كبير تجدر في البلد وتجاوز درجة العلاج ، وبلغ اليأس ذروته ، بسبب تسلط البعض وتولية أمورنا لغيرنا ، أو لمن لا يستحق . لا يخفى على أحد ما يجري في تونس وما جرى في الجزائر وما سيجري لا محالة في بلد عربي آخر ، كما لا يخفى على أحد كثرة المصائب التي تلحق بالمواطن العربي والأضرار التي تخلفها الانتفاضات والمظاهرات ، ومن ضياع أملاك وأرزاق الناس . إن المتمعن في التدبير العام والسياسة المنتهجة في العالم العربي من طرف قادة نصبوا أنفسهم حكاما على شعوبهم ليصاب بالإرباك فيركن إلى زاوية متأملا أحيانا ومستسلما إلى الحيرة أحيانا أخرى ، وحين يستفيق إلى الحالة التي تشده إلى التمعن أكثر يسخر من الحاكم المتعطش للسلطة ، أما إذا تمعن في وضعية الشعوب العربية المقهورة بعد ما كانت تقود حركات التحرر وتستشهد في سبيل العزة والكرامة يندهش ويستخف بالجبن والوهن الذي أصاب هذه الأمة ، وفي كل الأحوال فإن الحصيلة ثقيلة لا لأن الخسائر تعددت ولا لأن عدد القتلى ارتفع ، ولكن لان الكل تواطأ ضد الشعب وضد البلد ولا يدري . لما نجد الحكام قد استمالوا إليهم كل الأحزاب والتنظيمات السياسية ، ، بل استمالوا كذلك الجمعيات ، وهؤلاء قد انصاعوا بسرعة لكسب مادي أو نحو الأفضل مع الأفاضل في البلاد ، والمشاركة في التنمية كما في السياسة وفي جلب المواطن وتأطيره ودمجه في اللعبة المعروفة باختزال الطريق نحو تحقيق المصلحة لا غير، وهذا ما يجعلنا نتساءل لماذا هذا الإجراء من طرف الحكام ؟ ولماذا استمالة من يؤطر الشعب ؟ قد يقول قائل قد اخترنا الممثل ذي الشرعية التاريخية ، وانطلقنا بعد التحرير إخوة ، وثقة كبيرة في بعضنا البعض وكان أملنا الوصول إلى بر الأمان على سفينة كبيرة ، نطل من نوافذها على العالم الذي شاركنا في بنائه بثرواتنا التي أخذها المعمر مجانا ، تصورنا دولا أو دولة بلا حدود ولا رسوم جمركية ولا جوازات سفر ، وشعوب بحاكم مكلف مستقيم ، ومجتمعا بلا رذائل ، ولغة واحدة تيسر لنا ولأبنائنا الفهم ، وتسييرا موحدا في جميع المجالات مع الخارج وفي الداخل . سلمنا أمور إدارة البلاد لمن قادوا حركة التحرير تقديرا واستحياء وتجنبا لكل ما من شأنه ، وكان أملنا بناء دولة قوية كما المجهود الذي قدموه في الحركة التحررية ونيل الاستقلال ، ولم نكن نعلم أنهم نصبوا أنفسهم بدعم من سلطات الاحتلال ، والتي رغبت وخططت ليبقى الوضع على حاله في الاستغلال ، حيث أخضعوا المواطن والحاكم معا لسياستهم ، واعتقدنا أن التقدم الذي وصلوا إليه ، سيشملنا ونستفيد دون حروب وقتال فيما بيننا ونتجاوز مرحلة الانشقاق والحروب التي مرت منها الشعوب الأوربية ، وأننا سوف نتداول السلطة فيما بيننا ، وأن الدستور سيحدد الفترة الرئاسية والانتخابات النزيهة ، وعموما سنختزل الطريق ، غير أن الأحداث التي تحدث تباعا ومن حين لآخر تبين تواطؤ الحكام ضد الشعوب ، وضد التنمية ، عندما يطالب المواطن بأدنى حقوقه في الكرامة والحرية عن طريق التظاهر . يصحو الحكام ويستيقظون كلما تحركت جهة ما في شكل مظاهرات تطالب بحقوقها ، ويلتفتون إلى من حولهم ليبحثوا في مجريات الأحداث ، فيأمرونهم بوضع تقارير حول الأوضاع ، وتتحرك الآلة الحكومية بالسرعة التي ترضي الرئيس ، وسط جو مكهرب بين ناقم حاقد على الأوضاع وبين مؤيد وطموح لتسلق المراتب ، وبين هذا وذاك من يتصيد الفريسة لحماية نفسه أو تقديم تقرير إيجابي على تفانيه في العمل ، فالتقرير المرفوع إلى سيادة المسؤول يجب أن يكون متطابقا مع رغبات الرئيس المسؤول ، كما لا يهم أن يكون ذا وصف دقيق وحقيقي ، بل إذا كان كذلك سيكشف عن التهاون ، أو يتهم بالتواطؤ ، وترفع سلسلة من التقارير المعدلة إلى الجهات العليا المعنية ، ثم العليا ، لتعالج كما يعالج السرطان في جسم مريض . فيرجع الحاكم من صحوته إلى هدوئه وغفلته ، ويعود من حيث استيقظ إلى نومه ، لكن سرعان ما يتلقى استفسارات من الخارج ، عن الأوضاع في بلاده ، وعن سبب استعماله للذخائر الحية ضد طالبي الخبز ، أو الشغل ، أو حقوق مدنية ، فيتخذ إجراءات أمنية مطوقة الأحياء ومغلقة الأبواب والمنافذ وأفواه الناس ، وتنطلق عملية التهدئة بأخبار على القناة الرسمية تقلل من أهمية الحدث ، وأنه حدث عادي تسببت فيه شرذمة من المجرمين ، والأمور قد هدأت وقد تشكلت لجنة لتقصي الحقائق وتقديم المجرمين إلى العدالة ، وفي اليوم الموالي وبعد استمرار الوضع على حاله وارتفاع حصيلة الخسائر وامتلاء السجون ، تطلعك النشرات الإخبارية بإجراءات ومشاريع قوانين للتوظيف وإنزال المواد الغذائية إلى السوق بما يكفي المواطنين ، وستخفض الأسعار، وتكثر الوعود المسكنة بواسطة وزير مرسول يعد ويتوعد ، ويطمئن الشعب الأبي بخطاب ذهبي آت من سيادة الرئيس ... بعد فشل الخطة المتسرعة المرتجلة واتساع رقعة المتظاهرين من البطالين طالبي لقمة العيش والكرامة ... وبروز الأخبار في الصحف ، تمتد اليد الطويلة إلى مصادرة المجلات والجرائد ، واعتقال الأبرياء من المواطنين والصحفيين ، ويتسع التضامن مع الكل ، ويضيق الخناق على الأسياد خاصة عندما تهدد الدول الصديقة بوقف المساعدات ، وهي محرجة في ذلك طبعا ، وتحويل الاستثمارات إلى الشرق أو الغرب ، يتدخل الرئيس ويظهر في خطاب بوجه شاحب رغم التظاهر بالبشاشة ، يتهم ويعد ويحمل المسؤولية لجهات أجنبية لإبعاد التهمة عن نفسه وعن مقربيه ، ولا يتوان في تهمة أي كان حتى الفقهاء الذين لا علم لهم بما يحدث إن اقتضى الحال ، وتستمر الأوضاع ، فتغلق المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى ، وربما تفاجئك الأخبار بمغادرة الرئيس للبلاد ...الرئيس الذي اعتبره الغرب نموذجا في اللبرالية ، والمعجزة الاقتصادية كما وصفها الرئيس الفرنسي جاك شيراك سابقا ... إن الذي فرض علينا الحكام تغاض الطرف عن نهج الديمقراطية والذي كان ينادي بها من الأحزاب في الوطن استماله الحكام ، والطموحات المصلحية لهؤلاء تتسبب في مآسي الشعب ، فالمسؤول الأول هو الاستعمار الذي سلم الحكم لمن يريد في البداية ، وزكى من والاه وأملى عليه شروطه ، وما سكوت خارجية هذه الدول عن الأحداث المؤلمة لدليل قاطع على تورطها مع من نصبتهم حكاما ، وعموما فإن في محاكمة ما سبق من الرؤساء كمحاكمة صدام واغتيال عرفات وضربة القذافي ، وأمثلة كثيرة ، ليبين بالدليل دعم الغرب لرئيس غير منتخب ديمقراطيا . فلو كان في نية أي حاكم عربي انقلابي أو متسلط خدمة وتقدم بلاده لأسس لنظام مبني على انتخابات نزيهة وانسحب بشرف ، غير أن تنصيبه من غيره وخدمته لغيره وخيانته لا تسمح له بممارسة أي اجتهاد ، ولا تسمح له حتى أن يتعرف على أن الأنترنت والفيسبوك أصبحت وسيلة إعلامية تنقل كل أخبار الدنيا إلى كل بيت . فهل هناك من مواطن في الغرب من يهرب الأموال ، أو ينزف خيرات بلاده لجهة ما في غير مصلحة الدولة ، أو يتقاضى أجرا يفوق جهده ، لماذا خيانة الأمة عن طريق التواطؤ مع الغرب أو اغتيال المواطن ؟ هل حكم رئيس فرنسي أو أمريكي أو في أي دولة متقدمة بالتسلط والانقلاب ؟ إن فرنسا الآن وبعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة تبحث في نظام الاقتصاد الإسلامي ، وروسيا منعت بيع وشرب الخمر، كما اتخذت قرار إغلاق الملاهي الليلية ، ألم نكن نحن أولى من اتخاذ إجراءات إسلامية ونعطي للغرب صورة حقيقية عن الإسلام ؟... عجبا تنجو السفينة بركابها ويغرق الربان حسين سونة