المصادقة على 216 نصا قانونيا خلال سنة 2024    الغموض يحوم حول مصير اشتراكات وتعويضات 3 ملايين منخرط سيتم ترحيلهم عنوة لنظام AMO الحكومة صادقت على نسخة معدلة تضحي بمنخرطي كنوبس مقابل إنقاذ التعاضديات من الانقراض    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصور مطبوع جامعي عن بلوغ المرام من مادة "منهجية العمل الجامعي "
نشر في آسفي اليوم يوم 11 - 03 - 2013


بقلم عبد العزيز الحتيا
بعد أن مضت ثلاث سنوات على تدريس مادة "منهجية العمل الجامعي" بالجامعة المغربية، تأسفنا لصدور مطبوع من تأليف أستاذين بالكلية متعددة التخصصات بآسفي لفائدة طلبة الفصل الأول من الدراسات القانونية، تحت عنوان: "منهجية البحث الجامعي". ومبعث أسفنا أن المطبوع تضمن العديد من الأخطاء، إن على مستوى الشكل، أو على مستوى المضمون؛ مما كانت نتيجته الانحراف عن المبتغى من وراء ذلك التدريس. وهذا ما سنعمل على توضيحه من خلال هذه الورقة. وقبل ذلك ندعو أساتذة مسلك الدراسات القانونية بالكلية والمهتمين بالشأن الثقافي بمدينة آسفي إلى الاطلاع على هذا المطبوع وتقييمه، ليتأكدوا من أن السكوت عن أخطائه غير مقبول علميا. وبالنسبة للأستاذين أحمد قيلش و محمد زنون مؤلفي المطبوع، فنأمل أن يرحبا بهذه الملاحظات، وأن يبينا مواضع الخلل فيها.
أولا- الأخطاء على مستوى الشكل ، يمكن إجمال هذه الأخطاء في النقط الآتية:
1) الابتعاد عن مقتضيات الملف الوصفي
يحدد الملف الوصفي لطلب الاعتماد بالنسبة للدراسات القانونية والسياسية بالكلية:
- الهدف من مادة منهجية العمل الجامعي في: اكتساب الطالب لطريقة تحليل المواضيع القانونية، وتمكينه من تقديم المعلومات والأفكار التي اكتسبها سواء في الدروس النظرية أو التطبيقية بطريقة علمية.
- محاور المحتوى في:
- مدخل للتواصل: التصميم، العناصر الأساسية، عوائق التواصل.
- الاستماع الإيجابي وإعادة التركيب.
- أخذ النقط انطلاقا من خطاب شفوي أو من نص مكتوب.
- التحليل، إعادة بناء نص وصفي.
- مدخل لملخص النصوص.
- أخذ الكلمة أمام الجمهور ومنهجية العرض.
ويتجلى الابتعاد عن مقتضيات الملف الوصفي كما يلي:
عنوان المطبوع: "منهجية البحث الجامعي"، وهو عنوان لا علاقة له بالمادة. وهذا العنوان يجعل المطبوع يندرج في إطار وحدة "مدخل للبحث" المخصصة لطلبة الفصل الخامس، أي بعد أن يكون طلبة الفصل الأول قد اجتازوا بنجاح الفصول الأربعة الأولى، وأصبحوا على عتبة إعداد بحث الإجازة.
إذا نظرنا في فصول المطبوع نجد الآتي:
- الفصل الأول: منهجيات البحث العلمي. هذا الفصل لا علاقة له بالمحتوى المحدد بالملف الوصفي.
- الفصل الثاني: منهجية الكتابة القانونية والأكادمية.
- الفصل الثالث: موضوعات القانون وفروعه. هذا الفصل لا علاقة له بالملف الوصفي. وكان من الأولى تجنبه، لأن مادة "مدخل لدراسة القانون الوضعي" تتكفل به. وهناك فائدة أخرى متحققة في حالة عدم إدراجه، هي تخفيف العبء على طالب الفصل الأول من حيث تجنيبه الخلط والتشويش الذي يحصل له من جراء طرح تصنيفين مختلفين وتعريفات مختلفة بين المادة المذكورة وبين مادة منهجية العمل الجامعي.
- الفصل الرابع: كيفية تحرير المراسلات الإدارية. هذا الفصل يهم بالدرجة الأولى الموظف العمومي الذي يجد المراجع متوفرة ومتاحة أمامه في هذا الإطار، وبالتالي فإثقال كاهل طالب الفصل الأول به يبقى بدون جدوى. ثم إن هذا الفصل لا علاقة له بالمحتوى المحدد بالملف الوصفي.
2) كم كبير من المعلومات لا حاجة لطالب الفصل الأول إليها
إذا نظرنا إلى الصفحات التي استغرقتها الفصول التي لا علاقة لها بالملف الوصفي، سنجد أنها تقارب حوالي 53 صفحة من مجموع 101 صفحة (أي ما نسبته 52.48 %). ومن ثم يكون الطالب مطالبا بحجم كبير من المعلومات غير المقررة.
1) شح في المعلومات التي يحتاج إليها طالب الفصل الأول
مقابل الحجم الكبير من المعلومات التي لن يحتاج الطالب إليها إلا بعد سنتين، نجد شحا في الموضوعات ذات العلاقة مع محاور الملف الوصفي (حوالي 12 صفحة فقط).
2) تنافر العنوان مع مضامين المطبوع
هنا يطرح السؤال عن علاقة "البحث" بالفصلين الثالث والرابع والمبحث الأول من الفصل الثاني (الكتابة القانونية (القضائية) وكيفية التعليق على النصوص والمقررات القضائية)، وعن علاقة وصف البحث ب"الجامعي" مع التحرير الإداري.
3) سوء اختيار المراجع المعتمدة
في هذا الإطار نلاحظ ما يلي:
عدم ورود ولو عنوان واحد لمرجع في مادة منهجية العمل الجامعي. وسنرى انعكاس هذا الغياب في شق الملاحظات من حيث الموضوع.
بالرغم من أن المطبوع يتعلق بالمنهجية والمناهج والبحث، نجد غيابا تاما لأي مرجع في مجال الفلسفة والإيبستيمولوجيا. ولا نكون مشتطين في الرأي إذا زعمنا أن لا مفر لأستاذ يأنس من نفسه القدرة على التأليف في المجال المنهجي من الاستفادة من المراجع الفلسفية. وسنجد أثرا لهذا الغياب في الشق الثاني الخاص بالملاحظات من حيث الموضوع.
- فقر في المراجع الخاصة بمنهجية البحث الجامعي، إذ أن المطبوع الذي عنوانه "منهجية البحث الجامعي" لا يورد إلا مرجعا واحدا في هذا السياق.
- فقر في المراجع الخاصة بالعلوم الاجتماعية، إذ أن المطبوع يورد مرجعا واحدا. وهذا مع العلم أن علم القانون يصنف ضمن هذه العلوم. وهذا الفقر قد يجعل الباحث لا يحيط بشكل جيد بهذه العلوم ومناهجها.
- فقر في المراجع الخاصة بمناهج العلوم القانونية (مرجع واحد). الشيء الذي يترتب عنه عدم الإحاطة بشكل جيد بهذه المناهج.
- مقارنة مع ما سبق تسطيره، نلاحظ وفرة في المراجع الخاصة بالتفاصيل والإجراءات القضائية والقانونية (سبعة مراجع)، وفي المراجع الخاصة بالتحرير الإداري (أربعة مراجع). وقد أشرنا أعلاه إلى عدم حاجة طالب الفصل الأول إلى هذه التفاصيل.
- لغياب التام للمراجع الأجنبية والمعربة. ويصعب الدخول في تجربة التأليف في المجال المنهجي إذا لم تتم الاستعانة بالمراجع الأجنبية.
- عدم الاستعانة بالمراجع الإلكترونية. ولو استرشد المؤلفان مثلا بموقع ويكيبيديا لما وقعا في أخطاء قاتلة ستتم الإشارة إليها عند الحديث عن الملاحظات من حيث الموضوع.
4) ورود الكثير من الأخطاء اللغوية
تضمن المطبوع عدة أخطاء لغوية، إلى درجة تأثير بعضها على المعنى نفسه.
5) عدم الاستعانة بأعمال أساتذة الكلية المعنيين بالمادة
بالرغم من أن تدريس مادة "منهجية العمل الجامعي" تقرر منذ الموسم الجامعي 2009/2010، فإن المطبوع لم يتضمن إشارة إلى أعمال الأساتذة الذين درسًوا المادة، سواء في إطار مسلك القانون، أو في إطار المسالك الأخرى (الاقتصاد، الجغرافيا، اللغة، الرياضيات...). والفائدة من مثل هذا الاطلاع هي تمكين المؤلفين من معرفة التراكم الذي تحقق على مستوى المادة، ومن تعزيز المكتسبات التي تضمنتها الأعمال السابقة.
6) ضعف التوثيق
يغيب التوثيق في الكثير من صفحات المطبوع (على الأقل على مدى 38 صفحة)، مع أن المؤلفين ينصحان الطلبة باتباع الأمانة العلمية وإسناد المعلومة إلى صاحبها (الصفحة 45).
ثانيا - الأخطاء على مستوى الموضوع
بالنسبة لهذه الأخطاء نشير إلى النقط الآتية:
1) الابتعاد عن الهدف المعلن
لا يغيب عن المؤلفين أن الانشغالات التي تؤرق الطالب تتمثل في المحاضرات والأعمال التي ينجزها، وامتحانات آخر الفصل. ويعلنان أنهما وضعا أمامه مجموعة من التقنيات والإرشادات الكفيلة بتمكين الطالب من اكتساب بعض المهارات والأدوات. إلا أن هذا الهدف لم يحقق بالشكل الكافي:
فتقديم الحلول لانشغالات الطالب ينبغي أن يكون حجر الزاوية في جل صفحات المطبوع الذي، مع الأسف، لا يتضمن إلا 12 صفحة بصددها. وتوزعت باقي الصفحات على مواضيع لا حاجة لطالب الفصل الأول إلى أكثرها. بل إن الابتعاد عن الهدف سجل بداية عند تخلي المؤلفين عن المحتوى المحدد في الملف الوصفي.
وتحديد الهدف ينبغي أن يتم بناء على معطيات مشخصة استفادها المؤلفان من تجربتهما في التدريس، ولا نعثر في المطبوع على مثل هذا التشخيص الذي، لو تم، لشد انتباه الطالب إلى أهمية المادة في مساره الجامعي. ولو كان هذا التشخيص حاضرا عند المؤلفين، لانعكس على فصول المطبوع من حيث تفصيل الحلول لمشاكل الطالب عند ولوجه الجامعة (كيفية التأقلم مع الحياة الجامعية المختلفة عن مرحلة الثانوي، كيفية الاستفادة من المحاضرات بطرق عملية، كيفية تلخيص المراجع، كيفية تنظيم الوقت وتوزيعه بين مختلف المواد، كيفية الاستفادة من خزانة الكلية وغيرها من الخزانات... ). في هذا السياق وجدنا أساتذة انطلقوا من تجاربهم التي لم تغفل معاناة الطالب من جراء عدم تمكنه من الاندماج في الحياة الجامعية لا غير. ومن هؤلاء الأستاذ صالح طليس الذي سجل نسبة رسوب كبيرة في نهاية السنة الأولى من الدراسات القانونية في الجامعة اللبنانية (المنهجية في دراسة القانون، الطبعة الأولى، 2010، منشورات زين الحقوقية، لبنان، ص 46) والأستاذ لحسن أولحاج الذي نادى بتجسير الهوة بين مرحلة الثانوي التأهيلي ومرحلة الجامعة في الدراسات نفسها بالمغرب من خلال إحداث شعبة للعلوم الاجتماعية في التعليم الثانوي التأهيلي (Adéquation entre l'Enseignement Secondaire et l'Enseignement Supérieur : le cas de la Faculté de Droit,Prospectives Universitaires,N°1,2008,Université Mohammed V-Agdal,Rabat, , p 25-26)
وكان حريا بالمؤلفين الاستعانة بالإحصائيات المسجلة على صعيد الكلية (نسبة نجاح طلبة الدراسات القانونية في الفصل الأول...)، وبحث علاقة ارتفاع/انخفاض نسبة النجاح بتمكن/عدم تمكن الطالب من التحكم في منهجية العمل الجامعي.
بل قد تكون الفائدة قصوى إذا اهتم الأستاذ المعني بالتأليف في الميدان المنهجي بعرض تجربته الشخصية أيام كان طالبا، فيعد دليلا بكيفيات تعامله مع المحاضرات والمراجع والعروض والامتحانات، وبالخطوات المنهجية التي اتبعها في بحوثه من الإجازة إلى الدكتوراه، ويضعه مرفقا ببحوثه بخزانة الكلية. وهكذا سيجد الطالب أمامه تجربة حية ماثلة أمامه تسعفه في مساره الجامعي.
2) التخبط في التعريف
كمثال دال على هذا التخبط نورد ما سطره المؤلفان في شأن المنهجية: فقد وضعا عدة تعريفات لها بدون توثيق، مما يشي بأن هذه التعريفات من بنات أفكارهما. والتأليف الجامعي في مجال العلوم الاجتماعية بشكل عام يرتكز بالضرورة على التوثيق، أي اعتماد المراجع المتخصصة ونسبتها إلى أصحابها. ونتيجة تصرف المؤلفين تقديم تعريفات مختلفة بعضها عن البعض، بشكل يجعل الطالب يقف حيرانا أمامها. فمادة المنهجية عندهما علم قائم الذات (الصفحة 1)، مما يعني أن لها موضوعا ومنهجا معينا كان على المؤلفين أن يبصرا الطلبة بهما. لكن هذا العلم قائم الذات يتبخر عندما يردف المؤلفان قائلين بأنه يخضع لحسن التكيف مع طبيعة المواضيع وإلباسها القالب المنهجي الذي ينسجم مع نوعيتها (الصفحة 1)، ليغدو مجرد "تصور لما ينبغي أن يكون" (نفس الصفحة). ويزداد الاستغراب إذا علمنا أنهما اطمأنا إلى تعريف هنري بوانكاريه للعلم من حيث كونه "معرفة تروم إلى إدراك الروابط والعلاقات القائمة بين الظواهر" (الصفحة 2 والتشديد منا). وبعد تقرير خضوع المنهجية لحسن التكيف مع المواضيع وإلباسها القالب المنهجي الذي ينسجم مع نوعيتها، لا يجد المؤلفان غضاضة في الإخبار بأنه "بناء على التعريفات أعلاه، يتبين أن المنهجية نظاما فكريا قائما يبحث في المناهج المستعملة أو المختلفة بغض النظر عن مواضيعها بهدف تحديد الخصائص العامة للمناهج وطرقها في البحث وملامحها العامة" (الصفحة 18). ها نحن، إذن، أمام مهمة تحديد الخصائص العامة للمناهج، بدون اعتبار طبيعة المواضيع. فأي الطريقين أصح؟ ثم لم المقارنة بين المنهجية والمنهج؟ إذا كانت المنهجية علما ينظر في المنهج، فهذا الأخير هو موضوع للمنهجية، ومن ثم لا داعي للمقارنة بينهما. وإذا كانت المنهجية تختلط مع المنهج، كما يوحي بذلك تصور المؤلفين، فالحل هو حسن استعمال المصطلحات.
3) استعمال غير دقيق للمصطلحات
من أمثلة هذا الاستعمال:
- الجامعة: هي، حسب المؤلفين، "مؤسسة للتعليم والتأطير العالي أو هي تضم تضم في تركيبتها التعليمية مجموعة من الكليات أو المعاهد أو المدارس حسب توزيع الاختصاصات العلمية والمعرفية" (الصفحة 50).هذا كل ما ورد عن الجامعة. وبما أن المؤلفين لم يستشهدا في مطبوعهما بأي مرجع عن الجامعة، وما دام أنهما فضلا حشو المطبوع بتفاصيل قانونية ليس طالب الفصل الأول مطالبا بها، فقد كان عليهما على الأقل أن يسترشدا بالقانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي ليعززا تعريفهما المختصر عن الجامعة. في هذا القانون سيجدان أهداف التعليم العالي (المادة 1) ومهام الجامعات (المادة 3).
- استعمال "أستاذ التعليم العالي" على غلاف المطبوع. وإطار "أستاذ التعليم العالي" هو الإطار الأعلى الذي يترقى إليه الأستاذ الباحث (المادة 2 من النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بهيئة التعليم العالي). وإذا كان الدكتور أحمد قيلش قد ترقى إلى الإطار المذكور، فله استعمال الصفة الواردة على الغلاف. وإذا كان لا يزال في وضعية أستاذ مؤهل أو أستاذ التعليم العالي مساعد، فالأولى أن يعدل عن استعمال الصفة المذكورة التي هي مثبتة كذلك على غلاف الكتاب المعنون ب"النيابة العامة على ضوء آخر المستجدات".
- استعمال "مجلس النواب" بخصوص انجلترا (ص 4)، مع أن التسمية الصحيحة هي: "مجلس العموم". (ليراجعا محاضرات الفصل الثالث حول الأنظمة الدستورية)
4) أخطاء غير مقبولة
هنا نصل إلى "الأخطاء القاتلة". وندعو المهتمين بالفلسفة والمعرفة بشكل عام إلى تصحيح ما قد نقع فيه من مجانبة الصواب في نقدنا لهذه الأخطاء التي وقع فيها المؤلفان. ومن هذه الأخطاء:
- الحديث عن المدرسة القانونية الفرنسية وإلحاق اسبينوزا وليبنتز بها. ومن الطرائف التي يوردها فؤاد زكريا إسهاب بعض المؤلفين الفرنسيين في الحديث عن منجزات العلماء الفرنسيين في مجال علمي معين، بدون إبداء نفس الاهتمام بعلو كعب علماء غير فرنسيين في المجال نفسه (التفكير العلمي،عالم المعرفة، عدد 3، 1978، الكويت، ص 248). إلا أنه قد يتعذر العثور على مؤلف فرنسي ألحق غير الفرنسيين بزمرة علماء فرنسا. ولو لجأ المؤلفان إلى موقع ويكيبيديا مثلا لعلما أن باروخ (وليس بازوخ كما ورد في المطبوع) دي اسبينوزا هولندي لا فرنسي، وأن غوتفريد ڤيلهلم ليبنتز ألماني لا فرنسي. ثم حتى مع إلحاق اسبينوزا وليبنتز وباسكال بالمجال القانوني، لم يبين المؤلفان الإسهام المباشر لهؤلاء الثلاثة في التنظير القانوني. وننتظر منهما توضيح هذه النقطة من خلال أعمالهم الأصلية.
- تحدث المؤلفان عن المدرسة القانونية الفرنسية وذكرا فرانسوا جيني كعلم من أعلامها. لكن الملاحظ أنهما لم يحددا خصائص هذه المدرسة. ويزداد الأمر سوءا إذا نظرنا إلى ما سطراه في شأن المدرسة المقابلة لها أي المدرسة القانونية الإنجليزية: فليس هناك إشارة إلى إسهام الأعلام المقحمة من قبل المؤلفين (توماس هوبز وجون لوك وجورج باركلي وأدام سميث) في المجال القانوني؛ ومن ثم غياب تحديد خصائص المدرسة الإنجليزية. والنتيجة هي: منح الطالب معلومة تتعلق بوجود مدرستين قانونيتين مختلفتين، بدون توضيح ما تتفقان أو تختلفان فيه.
- الخلط في استعمال مصطلح "المنهج": إفراد كل مفكر بمنهج خاص به (منهج اسبينوزا، منهج هوبز، منهج سميث...)، ثم الحديث عن المناهج بالشكل المتعارف عليه (المنهج التجريبي، المنهج المقارن...). وكان أولى بالمؤلفين أن يحددا بدقة معنى المنهج، بدون الانسياق وراء سرد عدة معاني تجعل ذهن الطالب مشوشا. في هذا الإطار يمكن مثلا طرح السؤال الآتي: إذا كان سميث قد أخذ بالمنهج التجريبي حسب المؤلفين، فما الداعي إلى تخصيصه بمنهج؟
إن الخطأ ينبع هنا من الإفراط في استعمال مصطلح "المنهج" إلى درجة عدم التمييز بينه وبين المصطلحات المشابهة له من قبيل الأسلوب والطريقة... أما المنهج بمعناه الاصطلاحي المتعارف عليه ابتداء من عصر النهضة الأروبية، فهو: "طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة في العلم"(عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي،عبد الرحمن بدوي، الطبعة الثالثة، 1977، وكالة المطبوعات، الكويت، ص 3، نسخة الكترونية)، أو "الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم، بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة" (المرجع السابق، ص 5).
- ترتيب المناهج على النحو التالي: المنهج الاستدلالي، المنهج التجريبي، المنهج المقارن، المنهج التاريخي، المنهج الجدلي، المنهج الاستقرائي. وخطورة هذا الترتيب تتلخص في النقط الآتية:
- الاستقراء والاستنباط هما نمطا المعرفة، وما يسمى "بالمنهج الاستنباطي" في علوم الطبيعة والإنسان لا يخرج عن كونه نقدا للاستقراء بواسطة الاستنباط (عبد الله ابراهيم، علم الاجتماع (السوسيولوجيا)، الطبعة الثانية، 2006، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/بيروت، ص 126و128). وهكذا يمكن أن نصف المناهج التي تستعملها مختلف العلوم حسب طبيعة موضوعاتها، بأنها "تعديلات" للنمطين المشار إليهما فرضتها خصوصية موضوع كل علم. وإذن، كان حريا بالمؤلفين التمييز بين نمطي المعرفة (الاستنباط والاستقراء) والمناهج التي هي، بالضرورة، تستخدمهما.
- إضافة إلى عدم التمييز بين أنماط المعرفة والمناهج، وقع المؤلفان في خطأ لا يصح صدوره عنهما: ف"المنهج" الاستقرائي عندهما جاء "لتجاوز المناهج التقليدية التي تقتصر على ملاحظة الظواهر ملاحظة سطحية عادية" (ص 16)، بدون تحديد لتلك المناهج المعتبرة تقليدية، مما يجعل القارئ يفهم، تبعا للمرتبة الأخيرة التي وضع المؤلفان المنهج الاستقرائي فيها، أن المناهج المقصودة هي المناهج الخمسة المذكورة قبل المنهج الاستقرائي. وهذا، مع العلم أن الاستقراء معروف منذ القدم، وأن المنهج التجريبي، مثلا، عرف ميلاده مع غاليليو، أي بعد "استقرار" الاستقراء بأمد طويل...
يتضح مما تقدم أن المطبوع لم يستحضر أهمية مادة "منهجية العمل الجامعي" التي تقرر تدريسها في مختلف مؤسسات التعليم العالي ابتداء من الموسم الجامعي 2009/2010. هذه المادة التي اضطرت فرنسا إلى إدراجها في برامجها التعليمية منذ زمن غير بعيد (قرار فرانسوا بايرو المؤرخ في 9 ابريل 1997) بالرغم من وجود التعليم الجامعي بها منذ سنة 1200. ويبدو أن الوزارة الوصية بالمغرب، ولو أنها تأخرت، قد اقتبست هذه المادة من التجربة الفرنسية. إلا أنه مع الأسف يبدو أن مؤلفي المطبوع موضوع ملاحظاتنا لم يسايرا هذا المستجد من خلال الاطلاع على التجارب الوطنية والأجنبية والاستفادة منها، وفضلا الاكتفاء بما توفر لهما من مراجع قليلة لا تفي بالغرض. والنتيجة هي تقديم المادة للطالب بشكل يجعله يتيه في دوامة من الأفكار غير المتسقة والمتضمنة لغير قليل من الأخطاء، فضلا عن الانحراف عن إفادته بمنهجية تمكنه من مباشرة عمل جامعي سيلازمه طيلة مساره الجامعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.