محمد دهنون .. هي قصة على إيقاع الفضيحة مخلوطة بالقمح والسميد والرشاوي والاختلاسات..! مكانها شركة المطاحن الكبرى للسميد بآسفي ، زمانها صيف هذه السنة ورمضانها وخريفها أيضا، مادامت القضية / الفضيحة حديث الخاص والعام في المدينة وفي ردهات المحاكم.. فالمبلغ المختلس يقارب المليارين والوثائق المكشوفة تفضح المستور .. ماهي القصة بالضبط ..؟ وكيف انفجرت القضية في وجه أصحابها .. ومن دخل على الخط.. تلك أسئلة حاولنا النبش فيها من خلال الوثائق التي تحصلت لنا ، والوقوف على أدق التفاصيل في ملف نعتقد أنه سيسقط رؤوسا بارزة ، تعودت التفيؤ ب"ظلال" الريع الاقتصادي ونهب المال العام. من هنا خرجت الفضيحة.. لم يكن يعتقد مسيرو شركة المطاحن الكبرى أن طرد عامل لديهم سيكلفهم سينا وجيما ويضعهم في مواجهة التحقيق القضائي ويفتح باب جهنم على الجميع ، لم يكن هذا العامل سوى أمين الصندوق شفيق الذي تقدم بشكاية إلى المحكمة الابتدائية بتاريخ 8/07/2011 يطالب من خلالها استعادة حقوقه طبقا لعقد الشغل الذي أنهته الشركة المشغلة معه من طرف واحد بشكل تعسفي حسب منطوق الكتاب المرفوع إلى القضاء .. إلى هنا ظلت القضية محصورة في نزاع بين أجير و مشغل ، لكن بعد أن تناهى إلى علم "شفيق المطرود" أن إدارة الشركة تعتزم متابعته بعد "اكتشاف" ثقوب مالية في الوثائق المحاسباتية تصل إلى ملايين من السنتيمات ، و بما أن الشركة لها "سوابق" في طرد أمناء الصندوق و متابعتهم بعد ذلك حتى لا يطالب أحد بحقوقه ، تنبه صاحبنا إلى هذا "المقلب القانوني"، و المفاجأة التي لم ينتظرها الجميع، هي أن السحر انقلب على الساحر و كان لأمين الصندوق وثائق دامغة تغطي سنوات الصرف من 2008 إلى حدود يوليوز 2011 ، بالريال و أخيه و الضريبي و الغش و سرقة أموال الدعم و تبديدها في مصالح شخصية تافهة . ماذا كشف أمين الصندوق ..؟ .. في شكاية وضعت و رفعت يوم 13شتنبر الماضي إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بآسفي من طرف شفيق الرياضي ضد شركة المطاحن الكبرى للسميد الموجود مقرها بجرف اليهودي في آسفي ، و ضد شركة المطاحن الكبرى لتانسيفت الكائنة بالحي الصناعي في مراكش و ضد مدير الشركة بآسفي و مراقب التسييرومراقب الحسابات بكلتا الشركتين . أن المشتكي يتوفر على نسخ من وثائق حسابات يحتفظ بها كوسائل إثبات لصرف مبالغ من ميزانية الشركة دون تضمينها في اللوائح المالية السنوية ، كما توجد وصولات عن تحويل مبالغ مالية قدرت بالملايين لمدير الشركة نقدا في حسابها البنكي وصلت إلى حدود 2011 مبلغ 2.156.967.50 درهم ، هذا القدر الضخم حوّل إلى المطاحن الكبرى لتانسيفت بمراكش. أمين الصندوق كشف أيضا من خلال وثائق توصلت بها المحكمة و نملك نسخا منها عن نفقات كان يوقع عليها مدير الشركة و مراقب التسيير دون التوفر على وثائق صرف قانونية ، كنفقات أجور العمال غير المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و التعويض عن الساعات الإضافية و العمولات التي تسلم للمندوبين التجاريين للشركة و غير المصرح بها أيضا و مصاريف و صوائر تتعلق بإكراميات وصيانة فيلا السيد المدير و حارس الفيلا و واجبات السانديك . لكن خطورة الملف لا تتمثل فقط في هذا الجانب الذي يبرز الفوضى العارمة في تدبير مقاولة تستفيد من صندوق المقاصة و من قيمة مبالغ الدقيق المدعم .. !، بل تكشف الشكاية أيضا "تقديم الشركة رشاوي للشرطة و للدرك و لمصالح قمع الغش بمبالغ شهرية قارة و بذكر أسماء المستفيدين منها و تاريخ تسليمهم إياها و كذا للجمارك بميناء آسفي و لمصلحة الفحص التقني و للمحكمة بخصوص ملفات المخالفات... و للمصلحة المكلفة بتسليم رخص السير و الجولان و كذا رشوة لخبير معين من طرف المحكمة.. و أن مبالغ الصرف المذكور أعلاه كما جاء في نص الشكاية ، وصلت عن الفترة من 2008 إلى 2010 مبلغ 3.901.680.05 درهم. إذن ملايين حقيقية بعثرت في الخوا الخاوي . و يسترسل أمين الصندوق في الرسالة / الشكاية أن مدير الشركة السيد بن تومرت توصل نقدا منه خلال سنتي 2007 و 2008 بمبلغ 8.206.457.50 درهم. المهم أن الرجل و استمرارا في فضح عرابي الفساد ختم كلامه الموثق رسميا بأن المديرومراقب التسيير بشركة المطاحن للسميد بآسفي وقعا على مبالغ صرفت بدون وثائق وصلت إلى رقم غليظ 1.365.105,05 درهم. عندما انقلب السحر على الساحر.. كما يقال بالعامية، لم يمت و لم تخرج عيناه بعد.. أمام كل هذا التدبير الفاسد أرادت الشركة أن ترسل أمين الصندوق للسجن بدعوى الاختلاس، لكن هذا الأخير فضح الجميع لما أحس أنه سيمر في المقصلة لوحده.. و طالب عبر دفاعه بإجراء خبرة حسابية على الوضع المالي للشركة ، خصوصا و أنه يتوفر على تقرير لخبير قضائي محلف أنجز بتاريخ 22/07/2011 معزز بوثائق تصل ل 766 صفحة يقول فيها ما مضمنه أنه سلم مدير الشركة يدا بيد السيد طارق بن تومرت و بأمر شفوي مباشر منه مقابل توقيع على لوائح داخلية مبالغ مالية قدرها : سنة 2007 ... 7.874.742,05 درهم سنة 2007 أيضا 337.715,00 درهم أما المبالغ التي تم تحويلها في الحساب البنكي للشركة من 2008 إلى 2011 فقد وصلت مبالغها إلى 2.156.967,50 درهم ، و المبالغ التي صرفت نقدا لاستغلال مرافق الشركة و بدون وثائق هي 3.901.680,05 درهم. عقلية ريعية.. نحن الآن إزاء ملف واضح المعالم فيما يتعلق بالفساد الاقتصادي و عقلية الريع السائدة لعقود عند جزء غير يسير من الباطرونا ، التي تتعامل مع المؤسسات والمقاولات بمنطق الضيعة الشخصية ، و وثائق تكاد تمشي على رجليها لتفضح المفسدين المذكورين بصفاتهم و أسمائهم و مواقعهم .. الجريمة.. أعمال تدليسية واضحة، تملص ضريبي ، اختلاسات ، رشاوي ، تحويل مبالغ نقدية ضخمة من شركة إلى شركة بمقتضى وثائق و وصولات ثابتة ، عدم التصريح بمبالغ نقدية في وثائق المحاسبة . هذا الملف دخلت فيه على الخط هيئات و منظمات حقوقية تطالب بتعميق البحثو محاسبة مبذري الأموال ، إضافة إلى المطالبة كما جاء في الرسالة الموجهة لوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بآسفي من طرف رئيس مركز حقوق الناس بنفس المدينة القاضي السابق ذ. حجيب بإحالة هذا الملف على الغرفة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء باعتبار أن جهازي الدرك الملكي و الشرطة وردا في لائحة الرشاوي ، كما طالب المركز الحقوقي بتعميق البحث وإجراء خبرة أيضا وكشف التلاعبات التي تهم نوعية وجودة الحبوب التي كانت تسوق وطنيا ويستهلكها الناس، إعمالا لمبدأ دستوري جعل الحق في الحياة من أول الحقوق التي يتمتع بها المواطن المغربي وأوكل للقانون حماية هذا الحق ، ( المادة 20 من الدستور المغربي ). خلاصة.. هذه القضية فيها اتهامات مباشرة وصريحة مسنودة بوثائق مرت من " قمع" خبير حسابات، وفيها أيضا اعترافات لا لبس فيها برشاوي واختلاسات وتدليس.. المغرب الرسمي والسياسي يطالب بمحاربة الريعية وتطبيق القانون ووقوف القضاء كسلطة دستورية داعمة للتغيير وللتحديث والبناء الديمقراطي الحقيقي.. هي قضية أيضا ستكون اختبارا وازنا لمضامين الدستور الجديد وتطبيقاته على أرض الواقع.