يقول مراقبون للعلاقات الخارجية ، أن العلاقات المغربية الفرنسية تمر بفترة "صمت" مطبق، ما يطرح تساؤلات عديدة عن مستوى العلاقات بين البلدين الشريكين على أكثر من صعيد. ومنذ الصيف الماضي، لم يتبادل الجانبان الزيارات الدبلوماسية، فيما تسببت قضية التجسس (بيغاسوس) وتشديد باريس شروط منح التأشيرات للمواطنين المغاربة في تلبد سماء علاقات البلدين بالغيوم. وتمثل فرنسا الزبون الثاني للمملكة بعد إسبانيا، خلال عام 2020، بحسب وزارة الاقتصاد والمالية المغربية. كما أن المغرب أول وجهة للاستثمارات الفرنسية في القارة الإفريقية، وذلك بأكثر من 950 فرعا للشركات البلد الأوروبي التي توفر نحو 100 ألف فرصة عمل. تشديد باريس واستنكار الرباط وفي 28 شتنبر الماضي، أعلنت الحكومة الفرنسية، في بيان، تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس بدعوى "رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها". وفي اليوم ذاته، استنكر وزير الخارجية ناصر بوريطة، في مؤتمر صحفي بالعاصمة الرباط، القرار الفرنسي ووصفه ب"غير المبرر لمجموعة من الأسباب". وأوضح أن السبب الأول هو أن المغرب "كان دائما يتعامل مع مسألة الهجرة وتنقل الأشخاص بمنطق المسؤولية والتوازن اللازم بين تسهيل تنقل الأشخاص، سواء طلبة أو رجال أعمال، وما بين محاربة الهجرة السرية (غير الشرعية)، والتعامل الصارم حيال الأشخاص الذين هم في وضع غير قانوني". وتابع أن السبب الثاني يتعلق بكون بلاده "من منطلق هذه المسؤولية أعطت تعليمات واضحة لاستقبال عدد من المواطنين الذين كانوا في وضع غير قانوني (بفرنسا)؛ إذ بلغ عدد وثائق جواز المرور (تسمح للمواطنين بالعودة لبلادهم) التي منحتها القنصليات المغربية خلال 8 أشهر من السنة الحالية (2021) 400 وثيقة". واعتبر بوريطة أن "اعتماد هذا المعيار (تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب) غير مناسب؛ لأن البلاد تعاملت بشكل عملي وصارم مع المهاجرين غير القانونيين". المغرب يقاضي إعلاما فرنسيا في يوليوز الماضي، اتهمت صحف فرنسية الرباط باختراق هواتف الكثير من الشخصيات الوطنية والأجنبية عبر برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس"، ما أرخى بظلال "ثقيلة" على علاقات البلدين. وفي 28 من الشهر ذاته، رفعت السلطات المغربية دعوى قضائية ضد كل من صحيفة "لوموند"، وموقع "ميديا بارت"، و"فرانس راديو" بفرنسا، وذلك بتهمة التشهير. ونشرت صحيفة "غارديان" البريطانية، في 14 يوليو، نتائج تحقيق أجرته 17 مؤسسة إعلامية، عن أن "بيغاسوس" انتشر على نطاق واسع حول العالم، "واستخدم لأغراض سيئة". وكانت الحكومة المغربية نفت، في بيان آنذاك، اتهامات بالتجسس على هواتف شخصيات عامة وأجنبية، باستخدام البرنامج الإسرائيلي. جائحة كورونا تحد الزيارات وفق الأكاديمي المختص في العلاقات الدولية محمد العمراني بوخبزة، فإن "انعدام الزيارات الدبلوماسية بين البلدين راجع بشكل أساسي إلى جائحة كورونا التي أثرت على الزيارات والتواصل بين الدول، خصوصا أن المغرب من الدول المتشددة نوعا ما في إغلاق الحدود". وقال بوخبزة، عميد كلية الحقوق القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بتطوان للأناضول، إن "التحرك الدبلوماسي للمغرب أصبح ضعيفا في الآونة الأخيرة، ولا يهم فرنسا وحدها، بسبب تدابير جائحة كورونا". وأضاف أنه "لا يمكن في الوقت الراهن الحديث عن أزمة بين المغرب وفرنسا، خصوصا بعد موقف باريس الواضح في التصويت في مجلس الأمن لمصلحة الرباط في قضية نزاع الصحراء، واستمراره داعما لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء". وأوضح أن "النقاش حول بيغاسوس خفت في فرنسا مؤخرا وفي صفوف الطبقة السياسية الفرنسية، بعد لجوء المغرب إلى القضاء الفرنسي للنظر في الادعاءات". وشدد بوخبزة، على أنه "ليس هناك أزمة، بقدر ما أن السياق المرتبط بالجائحة حد من مستوى تبادل الزيارات، خصوصا من جانب المغرب". ولفت إلى أن "العلاقات الاقتصادية مع فرنسا تبقى قوية من خلال الشراكة المتميزة على أكثر من صعيد، واستمرار التنسيق في عدد من الملفات الأمنية، مثل الإرهاب والقضايا الرائجة داخل إفريقيا". وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تطالب جبهة "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر، التي تستضيف لاجئين من الإقليم.