سارع وزير خارجية لبنان السيد عبد الله بوحبيب في بيان لوزارته، يوم الأحد الماضي، إلى إعادة تأكيد الموقف الرسمي اللبناني الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية وسيادتها على كافة ترابها الوطني، متبرئا بذلك مما قامت به شرذمة من ميليشيات بوليساريو وبدعم من العصابة الحاكمة في الجزائر من إقامة تجمع خطابي بالعاصمة بيروت استدعيت له شخصيات لبنانية وسورية وفلسطينية من فصائل وأحزاب تتربح وتقتات من الأزمة اللبنانية ومن الأوضاع المتردية والتوترات الإقليمية المتزايدة في المحيط اللبناني، وتم استقطابها وإقحامها في مخطط جزائري جديد يهدف إلى فك العزلة المضروبة عربيا على الأطروحة الانفصالية للعصابة الحاكمة في الجزائر، واختراق الإجماع العربي على احترام الوحدة الترابية للمغرب، والتشويش على مسارات الدعم المتزايد لمغربية الصحراء من قبل المجموعة العربية في المحافل الإقليمية والدولية، عبر التسلل إلى فضاءات النقاش العمومي المدني والسياسي في الدول العربية لبث السموم والأحقاد والكراهيات والمغالطات والتحريض ضد المغرب، الشغل الشاغل لنظام العصابة الجزائرية. وفي هذا السياق العدواني الذي تقصد الإساءة إلى العلاقات المغربية اللبنانية وأواصر الأخوة بين البلدين والشعبين، عبر وزير خارجية لبنان عن إدانة بلاده "لكافة المواقف والتصريحات التي تسيء للمملكة المغربية، وتهدد استقرارها ووحدة أراضيها". إذا كان هذا الموقف النبيل والحاسم للجمهورية اللبنانية الداعمة دوما للوحدة الترابية للمملكة المغربية، قد أتى في ظرف عصيب يمر به لبنان الشقيق، تستغله العصابة الحاكمة في الجزائر، صاحبة مبادرة إرسال دعوات إلى فصائل وقيادات وأحزاب لإقامة ندوة أو تجمع في لبنان بهدف انتزاع تصريحات ضد المغرب، والتقاط صور من العاصمة اللبنانية عن حشد عربي مناصر للانفصال ومؤيد لتقسيم المغرب وتمزيق ترابه. فإن دولة فلسطين تعرضت قبل أسابيع لمثل هذا النصب باسمها فوق التراب الجزائري بتكثيف العصابة الحاكمة في الجزائر للقاءات واستضافات للبهرجة والدعاية والإعلام لشخصيات ديبلوماسية وحزبية فلسطينية تصب كلها في التحريض ضد المغرب والتحرش بوحدته الترابية وربط القضية الفلسطينية الشرعية والعادلة بقضية البوليساريو المفتعلة، بل إن أحد ممثلي فصيل حزبي فلسطيني في الجزائر قد تجاوز حدود اللياقة واللباقة في الحديث عن مواقفه من التضامن العربي مع القضية الفلسطينية، إلى استعارة لسان العصابة الجزائرية لتخصيص المغرب بالتهجم عليه ونعته بأبشع الصفات والنعوت التي لم توصف بها إسرائيل لا على لسانه ولا على لسان العصابة الجزائرية، هذا فضلا عن الترويج أمام الشعب الفلسطيني للأكاذيب والمغالطات المشوهة لصورة التضامن والدعم المغربيين للقضية الفلسطينية. لم تخرج السلطة الفلسطينية ولا أي مسؤول فلسطيني ببلاغ أو بيان في مستوى بيان الخارجية اللبنانية الذي وضع النقط على الحروف، وأدان الإساءة للمغرب وتبرأ من المجرمين في حق الشعوب ومن تجار الحروب والمآسي. لقد قرأنا بعض الردود الفلسطينية المحتشمة على صناع الكراهية بين الشعبين المغربي والفلسطيني، والتي أقيمت لها المخابر والمعامل والتداريب في دولة العصابة الجزائرية، التي تستخدم أراضيها وكل جهودها الديبلوماسية للوقيعة والتحريش بين الشعوب العربية وتخريب العلاقات القائمة على الاحترام والتضامن والتعاون، لكننا لم نسمع أو نر ردا فلسطينيا مسؤولا عن انخراطات لشخصيات فلسطينية في الأجندة العدوانية الجزائرية على المغرب باسم القضية الفلسطينية والحال أنها باسم قضية بوليساريو المقحمة من قبل نظام العصابة الجزائرية في المعركة الدائرة في غزة. كنا نتمنى أن تكون السلطة الفلسطينية في مستوى اللحظة التاريخية الحاسمة التي تمر منها قضية الشعب الفلسطيني، وأن تملك الشجاعة الكافية لردع المتطاولين المحسوبين على السلطة أو القضية، ولو ببيان مجلجل يقمع الفتنة في مهدها، ويوقف الابتزاز والاستغلال لقضية شرعية ونبيلة من أجل تصفية حسابات في نزاعات أخرى مفتعلة وبعيدة كل البعد عن مصالح الدولة الفلسطينية وعن حقوق الشعب الفلسطيني. سيزداد استغلال العصابة الحاكمة في الجزائر للورقة الفلسطينية من أجل تشويه القضية نفسها، وكسر التقارب والإجماع العربيين على حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته والتمتع بسيادته وحرياته، وشيطنة المغرب ومعه أشقاؤه العرب الذين نالهم من العصابة الحاكمة في الجزائر حظهم في السب والقذف والشتم بلغ حد وصف دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بالكيان، ووصف المملكة المغربية الشريفة بدولة الاحتلال بعد أن ضحت بالدماء والأموال والعلاقات الدولية، واسترخصت الأرواح والمصالح، في سبيل تحرير الجزائر من ربقة الاستعمار والتمكين للشعب الجزائري من تقرير مصيره. لعل ما جناه المغرب مع العصابة الحاكمة في الجزائر من عدوان على أرضه وبلاده ومن نهب لثرواته وتراثه، ومن مطاردة وتهجير وقتل لأبنائه، هو ما ينتظره من مثل هذه الأصوات الفلسطينية المنكرة التي باعت ضميرها الفلسطيني الحر لعصابة مبتزة ومتاجرة في الأعراض والدماء والمآسي. هو ذا قدرنا من الغدر والخيانة والتطاول الذي لا نستطيع التفرغ له بما يلزم من ردع حاسم ورد بالمثل، في هذه اللحظة التاريخية القومية التي نتطلع إلى أن نكون في مستوى تحدياتها الوحدوية والتضامنية، وترك خلافاتنا جانبا، إلى حين رفع البلاء وحرب الدمار التي تشنها قوى العدوان على شعبنا الفلسطيني. إننا نربأ بأنفسنا أن ننزل إلى مستوى الحضيض الذي ترسف فيه العصابة الحاكمة في الجزائر، بتدنيس القضية الفلسطينية بالأهواء والأطماع والتوظيف السياسي لمآسي الشعب الفلسطيني من أجل انتزاع مصالح خاصة، ولهذا لم يدفع المغرب كما تصنع العصابة فلسطينيا واحدا مقيما في المغرب للإدلاء بتصريحات معادية لأية دولة عربية ولو كانت دولة العدوان الجائر بجوارنا، ولا طلب من فلسطينيين أن يتبنوا الحق المغربي مثلما يتبنى المغرب الحق الفلسطيني، في إطار المعاملة بالمثل، حرصا من المغرب على اجتماع الكلمة والقلوب على قضية الشعب الفلسطيني، وتنزيها لهذه القضية المقدسة لدى المغاربة عن عبث العابثين. ولكن مع كل هذا التحفظ، نسجل على السلطة الفلسطينية أنها تقف موقف المتفرج على الإساءات الصادرة من محسوبين على الهيئات والمنظمات الفلسطينية ضد المغرب وبإيعاز من نظام العصابة الجزائري، ومن عدد متصاعد من المتلاعبين بمصير الشعب الفلسطيني والمجازفين بعلاقاته وصداقاته ومصداقيته، دون أن تكلف نفسها عناء استنكار هذا التصرف والبراءة منه، أو على الأقل بيان الموقف الفلسطيني الصريح والواضح من الوحدة الترابية للمغرب، والمفترض أنه لا يخرج عن الإجماع العربي وعن بيانات قمم الجامعة العربية بشأن نبذ الانفصال ودعم الوحدة الترابية للبلدان العربية واحترام سيادتها.