يعيش المغرب حاليا أزمة مائية حادة وفريدة من نوعها، والتي تتجلى في انخفاض مخزون المياه على مستوى السدود الذي بلغ مستويات قياسية، إلى جانب المياه الجوفية كذلك، حيث بدأت تظهر بوادر هذه الأزمة في بعض المدن التي أصبح المخزون المائي الخاص بها متدن جدا، مما يستدعي تدخلا عاجلا لتدبير الأزمة المائية. في هذا المقال الذي خص به "رسالة24" يستعرض أيوب كرير باحث التنمية المستدامة، الإجراءات التي يجب اتخاذها في أسرع وقت ممكن للتخفيف من ندرة المياه في ظل الأزمة المائية التي يعاني منها المغرب بعد التراجع الكبير الذي شهدته التساقطات المطرية. تحدث أيوب كرير بامتعاض بسبب تملص المسؤولين عن القيام بواجبهم اتجاه أزمة نذرة المياه التي يشهدها المغرب في هذه الفترة، قائلا:"إن المسؤولين على هذا القطاع أبانوا على فشلهم الدريع في تدبير هذه الأزمة إلى جانب الحكومات المتعاقبة التي فشلت أيضا في إحتواء الأزمة قبل الوصول إلى الكارثة، وتابع المتحدث، أن المواطن المغربي لا يتحمل مسؤولية هذه الأزمة بشكل كامل، فهذا الأخير مغلوب على أمره ولا يتحمل أبدا مسؤولية ما آل إليه المخزون المائي، بل له نسبة ضئيلة جدا في تبذير المياه مقارنة مع اللوبيات الكبرى التي اغتالت وحاربت عبر جشعها في استنزاف الثروات بصفة عامة وللثروة المائية بصفة خاصة، فالثروات المائية السطحية تأثرت بشكل كبير من قبل هذه اللوبيات التي تتحكم بشكل مباشر في هذه الثروات، ويحمل المتحدث ذاته المسؤولية للسلطات والوزارات المتعاقبة لعدم محاربتها لهذه التجاوزات التي كانت ولازالت في المجالات القروية والحضرية، لكن لم يتم محاسبة هؤلاء المبذرين. وأوضح المتحدث ذاته، أن النصيب الفردي السنوي من المياه خلال 2011-2020 انخفض إلى 500 متر مكعب للفرد في السنة، وهذا يؤكد على أن المغرب مقبل لا محالة على سنوات عجاف وكارثة كبرى بسبب انخفاض مستوى التساقطات المطرية، إلى جانب تغير المناخ الناجم عن انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وارتفاع وتيرة سنوات الجفاف، بعدما كان المغرب في وقت سابق يعتبر من الدول التي تتوفر على مخزون مائي مهم إلى غاية التسعينيات. ويعزي أيوب كرير، أسباب الأزمة المائية التي يعيشها المغرب حاليا، إلى المشاريع التي أحدثتها الحكومة لتوفير مخزون مائي جيد للمغرب، والتي لم تؤت أكلها بل تم فقط التسويق لها، لكن نستثني من ذلك السدود التي أحدثها المغرب والتي حققت نجاحا كبيرا سواء الصغيرة والمتوسطة والكبرى، وأضحى المغرب مثالا يحتدى به على الصعيد العالمي، في إحداث السدود إضافة إلى المخططات الكبرى من قبيل المخطط الأخضر والأزرق…، غير أن الواقع يجزم أن هذه المخططات لم تراعي الحفاظ على الثروة المائية بدليل أن الخطط الأخضر أحدث في إطار التنافسية أمام السوق الدولية. وفي هذا السياق يتساءل الباحث في التنمية المستدامة، " أي إستراتيجية يمكن للحكومة تفعيلها لمجابهة هذه الأزمة وأجرأة إستراتيجيات على أرض الواقع لاستفحال الأزمة؟" ووجه المتحدث رسالته إلى مدبري هذا القطاع بضرورة تقديم إستراتيجيات مستعجلة لتفادي الكارثة في حال لم يجد المواطن الماء فهذا له عواقب وخيمة جدا. وللتخفيف من حدة هذه الأزمة، يدعو أيوب كرير لضرورة ترشيد استعمال المياه الجوفية بالمغرب والتي أضحت مهددة بالاندثار بسبب الاستغلال المفرط لها، ولهذا يجب معالجة المياه الجوفية عن طريق استعادة التوازن بين موارد المياه المتاحة واستخدامها وكذا ضمان الإدارة الرشيدة والمستدامة للمياه الجوفية، ويجب أيضا وقف دعم للمشاريع التي تهدف إلى توسيع المساحة التي تحتاج للمياه الجوفية والتي تستغل بشكل مفرط، وإنشاء محطات لإعادة استغلال المياه العادمة واستعمالها، ومن بين الإجراءات أيضا منع ري المحاصيل الزراعية باستثناء الأشجار…، ووقف استعمالات أخرى مثل ملء المسابح وسقي الملاعب الكبرى، يجب أيضا تحلية المياه الجوفية الممتلحة والعادمة واستعمالها في ري المساحات الخضراء والملاعب. وأخيرا يدعو الباحث في التنمية المستدامة، إلى ضرورة تحلية مياه البحر لري المحاصيل مع دفع المزارعين الكبار لتكلفة المياه المحلاة، وتشجيع أيضا إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، وخاصة لري المساحات الخضراء والمحاصيل، يجب أيضا فرض الرقابة على سحب المياه الجوفية.