في إطار سلسلة “لنتبادل من أجل فهم أفضل” التي تنظمها مؤسسة الرعاية التابعة لمجموعة التجاري وفابنك من أجل تكريم رجال ونساءالفكر والأدب والفلسفة، تم يوم أمس الخميس، تنظيم ندوة فلسفية بمركز دراسات الدكتوراة بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، حول موضوع: “مساهمة الفارابي في الفكر العالمي”، بشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، شارك فيها عدد من الدكاترة والأساتذة الباحثين في مجال الفلسفة، من بينهم محمد نعيم وعادل حدجامي وسعيد لبيب وأحمد كازا. سلسلة “لنتبادل من أجل فهم أفضل” كان يقتصر تنظيمها في بداية المطاف على مدينة الدارالبيضاء، وتم تعميمها على مدن أخرى، كان آخرها مدينة القنيطرة، لتلبية الطلب المتزايد المعبر عنه من طرف الفاعلين الجهويين. وتعالج هذه اللقاءات مواضيع ذات بعد وطني وبارتباط مع الظرفية الاقتصادية والمواطنة وريادة الأعمال والطبقة الوسطى والرأسمال اللامادي. وفي كلمته الترحيبية باسم محمد الكتاني الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك التجاري، ذكر إسماعيل دويري، مدير مؤسسة الرعاية لمجموعة التجاري وفابنك، أن تنظيم هذه الندوة الفلسفية هو جزء من دورة مخصصة للمفكرين العرب الكبار في إطار المبادرات المواطنة التي تقوم بها المؤسسة، كما أكد على الاهتمام الذي توليه المؤسسة للمعلمين والباحثين، ورغبتها في الإشادة بكفاءتهم العلمية والتزامهم المجتمعي، وشدد على أن المغرب يحتاج من أساتذته في العلوم الإنسانية، وعلى وجه الخصوص الفلسفة، أن يثابروا في طريق الحداثة، دون أن ينكروا على الإطلاق ثراء حضارة الأمة وإرث مفكريها، وفي هذا الصدد، يأتي اختيار الفارابي محورا لهذه الندوة بناء على القناعة بأهمية إسهامات هذا الفيلسوف الذي فاقت شهرته الآفاق، وساهم في العلوم النظرية والفلسفة، وله مؤلفات مشهورة. من جانبه أكد نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدكالي الجديدة، أحمد بولماني، على أهمية منهج مؤسسة التجاري وفابنك، الذي يهدف إلى التذكير بأهمية تراث الفلاسفة العرب والمسلمين وكتاباتهم التي تستوجب التكريم في ضوء ما جلبوه للبشرية. وقام بتنشيط الندوة الصحفي عبد الحق نجيب، وأجمع كل الأساتذة على أن أبو نصر محمد الفارابي، الذي عاش في القرن العاشر الميلادي، بالإضافة إلى كونه فيلسوفا ومفكرا بارزا، كان وراء اختراع آلة القانون، بل ويعد أعظم من كتب ونظر للموسيقى في العالم الإسلامي، وبرع في الأدب والشعر والمنطق، كما أن كتابه "إحصاء العلوم" هو أول موسوعة علمية، ومصنفه "آراء أهل المدينة الفاضلة" من أوائل الكتب في الإصلاح الإداري والاجتماعي. وأجمع المتدخلون على أن الفارابي كان يكثر من العزلة والوحدة ليخلو إلى التأمل والتفكير، وكان طول مدة إقامته بدمشق بعد أن هاجر إليها من بغداد، حيث يؤلف بحوثه ويقصده تلامذته ومساعدوه، وعاش حياة الزهد والتقشف فلم يتزوج، ولم يشأ أن يأخذ من سيف الدولة إلا أربعة دراهم في اليوم، ينفقها فيما يحتاجه من ضروريات العيش. وأبدع الفارابي في مفهوم السعادة بشقيه الفردي والمجتمعي السياسي، كما فصل في علم الأخلاق ومعالجة الخير والشر كمجموعة من القوانين التي تصبو إلى إصلاح المجتمع ككل، ويمكن اعتباره فيلسوفا عالميا وليس إسلاميا فقط، ففي 500 نص ألفه، لم يذكر الفارابي الإسلام، لكنه ذكر الملة والشريعة، وكان له تلامذة من مختلف الديانات. ويعتبر الفارابي المؤسس الفعلي للفلسفة الإسلامية، وأسس للتفكير من خلال الفكر الأفلطوني الأريسطي، ونقله ما الميتافيزيقا والسياسة، كما أن الفكر الوحدوي هو ما جعله يبحث في السياسة ويضع شرط الحكمة أهم شرط للحكم، ويعتبر الإنسان كمفهوم ميتافيزيقي وليس كمفهوم سياسي.