لم يكن أمام المغرب سوى الرد بقوة على الاستفزازات الجديدة للإعلام المصري، على هامش الزيارة الملكية الخاصة لتركيا، وهي الاستفزازات التي ليست وليدة اليوم بل امتداد لسلسلة من الاستفزازات من قبل قنوات ووجوه إعلامية وفنية مصرية، التي مست ولا تزال بشعور المغاربة منذ سنة ونصف، حيث ظلت هذه الوجوه والقنوات تهاجم المغرب بين الفينة والأخرى ثم تعود لتعتذر من جديد ، مما يعكس ذهنية وسيكولوجية غير سوية لبعض الإعلاميين المصريين، ظلت خلال الثلاث سنوات الماضية مضطربة وحساسة بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية المعقدة التي تعيشها مصر. ومما زاد الأمر سوءا وتعقيدا، هو سقوط هؤلاء في شرك الدعاية الجزائرية المناهضة لوحدة المغرب الترابية ، واستغلال النظام الجزائري لذلك بالتنسيق معها في التسويق للأطروحة الانفصالية في أوساط الرأي العام المصري وعبر بعض قنوات الإعلام المصري بدفعها للهجوم على المغرب ، مما فرض على بلادنا تغيير اللهجة والرد على هذه المؤامرة الجديدة. لقد تتبعت بلادنا بانشغال عميق وأسف شديد زيارة وفد مصري خلال الأسبوع الماضي للعاصمة الجزائرية لحضور تجمع مناهض للمغرب من تنظيم مخابرات النظام الجزائري، وهو ما وضع أكثر من علامة استفهام حول حقيقة موقف النظام المصري الجديد من قضية وحدتنا الترابية، خاصة في ظل التقارب الأخير الملحوظ مع النظام الجزائري، بعد زيارة الرئيس السيسي مؤخرا للجزائر كأول محطة في برنامج زياراته للخارج، والتي تحيط بها أسئلة متعددة، بعضها مرتبط بحاجة النظام المصري إلى البحث عن الشرعية الدولية والإقليمية وفك العزلة عنه، والحصول على دعم اقتصادي ومالي من بعض دول الجوار البيترولية ولو من دولة مثل الجزائر، لمواجهة وضعية الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي تعاني منها مصر في ظل ما تعانيه من تدهور أمني خطير على خلفية المواجهة من تنظيم الإخوان المحظور. إن النظام الجزائري كما هو معلوم، يجيد السباحة في الماء العكر، وهو بالتالي يسعى بكل الوسائل منذ قيام النظام الجديد في القاهرة لإقامة علاقات قوية مع مصر على حساب المغرب، وهو من ثم لا ينفك عن اللعب بورقة قضية الصحراء في مساومة أي دولة تبحث عن مصالح لها مع الجزائر،كما هو الشأن مع مصر، والهدف هو عزل المغرب دبلوماسيا وإقليميا وضرب مصالحه الاستراتيجية واستعداء بعض الدول عليه. فأي توتر للعلاقات بين فالمغرب ومصر سيصب ولا شك في مصلحة نظام العسكر بالجزائر، بغض النظر إن كان له دخل أم لا في هذه الأزمة الجديدة. فموقف المغرب يبقى موقفا مشروعا من حيث المبدأ والسياق الذي صدرت فيه تلك الاستفزازات، في الرد على أي جهة كانت، دفاعا عن مصالحه وسيادته ووحدته الترابية، وهو ما حدث بالنسبة لبعض قنوات الإعلام المصري التي هاجمت بلادنا وتطاولت على رموزها الوطنية والسيادية وتجاوزت كل الحدود، فكان لابد من الوقوف في وجه هذه الاستفزازات بما تمليه طبيعة المرحلة التي تؤشر إلى وجود مخطط جزائري داخل مصر يروج له بعض المحسوبين على النظام المصري الجديد، بهدف النيل من المغرب ومن تجربته الديمقراطية والسياسية ومشروعه التنموي الحداثي، وهو ما يشكل فرصة أخرى للنظام الجزائري لإقحام مصر في أتون النزاع المفتعل حول الصحراء، وتوريطها في مغبة التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب. إن سياسة النظام الجزائري تجاه المغرب ظلت مكشوفة حتى الآن وهو يسعى منذ سنوات طويلة إلى تسميم علاقاته مع أشقائه العرب والبحث عن منافذ لتعكيرها ولم لا تخريبها، كما يجرى الآن بالنسبة لمصر في ظل نظامها الجديد، وذلك بدفع وفود مصرية غير رسمية أو أشخاص محسوبين على الإعلام والفكر في مصر لاستغلالهم كوقود جديد في حربه القذرة على المغرب والدفع نحو افتعال أزمات بينه وبين مصر وخلق ردود أفعال بينهما لا تخدم علاقاتهما وشراكتهما الاستراتيجية، عبر تجنيد أقلام وأصوات ووجوه إعلامية وفنية للتحرش به والتحريض ضده، في وقت لم تصدر حتى الآن أي مواقف رسمية معلنة سواء من الإعلام المصري الرسمي أو من وزارة الخارجية أو رئاسة الدولة المصرية، تعادي المغرب أو تتنكر لعلاقات مصر الاستراتيجية معه. إنها لعبة أضحت مكشوفة من قبل جنرالات الجزائر، ولا يجب السقوط في حبائلها، لأن الرابح الأكبر من حدوث أي خلاف مصري مغربي، هو النظام الجزائري، الذي لا يتوانى في البحث عن مداخل لضرب علاقات المغرب الإقليمية والدولية والعربية، في سبيل الترويج لأطروحته المعادية لوحدتنا الترابية، وعزل المغرب دوليا وإقليميا. فعلى عكس ما يعتقده الكثيرون تعيش العلاقات المصرية الجزائرية أسوأ حالاتها لكون البلدين مختلفين إلى حد التناقض حول ما يجري في ليبيا، ولا يمكن الحديث عن حلف مصري جزائري من شأنه أن يقود مصر إلى مسايرة الأطروحات الجزائرية حول المغرب،لأنها تدرك جيدا أن المغرب حليف استراتيجي لحلفائها في الخليج ، ومن الصعب تصور دعم مصري للبوليساريو. فالتوتر المفتعل الآن بين بعض وسائل الإعلام المصري والمغرب، إنما يقف وراءه جنرالات الجزائر التي تنشط مخابراتها بشكل واضح لشراء بعض الأصوات والأقلام المصرية من أجل استخدامها ضده، وكل أزمة بين البلدين الشقيقين إنما ستكون هدية لهذا النظام التي بات في ورطة على كل الجبهات،في مرحلة تعيشيها الجزائر كابوسا حقيقيا من جراء تهاوي سعر البترول لتتهاوى معه أحلام حكم هذا النظام في النيل من قوة وصلابة وصمود الموقف المغربي.