المردودية التدبيرية الإدارية ليست مفهوما نظريا غامضا، لايفهمه إلا المتخصصون أصحاب الباك + 5 أو 6 سنوات دراسية لأن الجودة الخدماتية تبدأ منذ أول لقاء بين الإدارة والمواطن بدءا بولوج «الكولوارات» العبوسة، في انتظار فتح أبواب «البروات» المقفولة!. بل أحيانا حتى بدون التوجه نحو إدارات أرادت أن ننعتها بمصالح «القرب»، عندما يطلب المواطن موعدا أو معلومة عبرالهاتف، ليصطدم في غالب الأحيان بما وصلت إليه دراسة ميدانية حول الاستقبال الهاتفي بالإدارات والمؤسسات العمومية كالمراكز الجهوية للاستثماروالمستشفيات والجامعات والجماعات ... فقد أظهرت تلك الدراسة أن ربع النداءات الهاتفية تنتظر أكثر من 6 رنات، وتبقى 47 بالمائة منها بدون أي جواب!. هذا التهور التواصلي، السمعي غير البصري، غالبا يصاحبه تسرع في تحرير الوثائق المكتوبة، التي يتلقاها المعنيون عبر البريد العادي بأسلوب يعني تماما عكس ما يرجى من فهمها خير مثال على ذلك نجده في «إشعار بمخالفة» المرسول من طرف مديرية النقل عبر الطرق والسلامة الطرقية التابعة لوزارة التجهيز والنقل. إشعار بمخالفة السرعة المحددة جاء فيه، ضمن «ملاحظات هامة» ما يلي :«الاعتراف بالمخالفة، طبقا للمادة 99 من قانون رقم 05-52، فإن أداء الغرامة يعد اعترافا بارتكاب المخالفة، قد يترتب عنه تخفيض رصيد النفط...» ما يعني، حسب ماجاءت به القريحة الإنشائية لكاتب هذه الكلمات المتناقضة، أنه يكفي لكل من توصل بالإشعار المعلوم عدم أداء الغرامة كي يسقط تلقائيا الاعتراف بالمخالفة وتخفيض رصيد النفط(!) حتى يكاد من يتوصل بإشعار بالمخالفة أنها دعوة لعدم الاستجابة. وموازاة مع التهور التواصلي الإداري والضعف التحريري لعدة وثائق مرسولة لمواطنين «تالفين» أمام أخطائها وصعوبة تأويلها، رغم أنهم غير معدورين بجهلهم قانون منفذوه جاهلون حتى بأسلوب تبليغه (موازاة مع كل ذلك) قد تمر سنون طويلة دون أن ينتبه الجهاز الإداري، بكل أطره ومصالحه ولجانه ومكاتبه وسياراته، إلى حلول بديهية تمكن من تحسين مداخلهم الذاتية. خير مثال على ذلك، نجده في منظومة ضريبية وجبائية محلية تشكو من ضعف مواردها المالية ولا تفكر في تطبيق وسائل عملية في متناولها إن هي انتبهت إلى تفعيلها، كأن تطالب مصلحة الضرائب من كل جماعة بمدها بنسخة من رخصة السكن التي لا تذهب إلا للمصالح الاشتراك في الماء والكهرباء ولا يطالب بها الموثق إلا في حالة بيع العقار، أما بين المرحلتين فتظل مئات الشقق والمنازل والفيلات خارجة تغطية جبائية، لأن أصحابها لا يخبرون مصلحة الضرائب بولوج مساكنهم وإخضاعها للضريبة الحضرية والنظافة، لأن جلهم عن حسن نية، يرون الأمور عادية عندما تمر السنين دون توصلهم بأي إشعار! وهكذا تصير نقمة جهل المواطن بالقانون وانعدام ولوجه إلى المعلومة (تصير) نعمة لبعض إداريي البحث اليومي عن «الخدمات» الارتشائية، فقد سبق أن لاحظت إلى أي حد حولت بعض النماذج البشرية «أنا أفكر فأنا موجود» الديكارطي إلى «أنا أعرقل فأنا موجود» الإداري المغربي. عرقلة لا تقف حجر عثرة إلا على طريق من لا يعرف المرور عبر محطات «الأداء» فحتى لو تفضلت الحكومة وابتعدت عن تضييق تعريفها للفساد، بعيدا عن المفهوم العام لمصطلح الرشوة الذي جاء ضمن التسمية الدستورية للهيأة، حتى لو حصل ذلك سيبقى التلاقي بين مآت الراشين والمرتشين مجرد مصالح مشتركة لا يراها فسادا إلا الآخرون، إن هم رأوها، علما أن قدراتها على الاستمرار والاغتناء تكمن في سرية تبادل خدماتها، لا يرى فيها أصحابها إلا علاقة "رابح - رابح" وإن خسرت كل البلاد واشمأز باقي العباد!