قال الدكتور حمزة الكتاني، الوزير الأسبق في البريد والمواصلات، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الدستوري، إن إقدام السلطات الاستعمارية الفرنسية على عزل المغفور له الملك محمد الخامس ونفيه هو وأسرته خارج البلاد، وتنصيب آخر ممن ترضاه ضدا على الشرعية وتحديا لشعور الشعب المغربي وإرادته، كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ نضال المغرب من أجل حريته واستقلاله. وأضاف الدكتور الكتاني، الذي كان في ندوة فكرية حول "ذكرى العودة من المنفى وعيد الاستقلال انتصار لملحمة ثورة الملك والشعب"، نظمت الاثنين الماضي بالرباط، من طرف المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير (أضاف) أن قوى الشر الاستعمارية لما ضاقت ذرعا بالنضال الوطني السياسي وبمطالبة المغفور له محمد الخامس والحركة الوطنية، بجعل حد لمعاهدة الحماية والاعتراف للمغرب باستقلاله أقدمت على ما اعتبرته الضربة القاضية على الحركة الوطنية المغربية، فعزلت محمد الخامس على العرش وأبعدته هو وأفراد أسرته إلى جزيرة "مدغشقر" يوم 20 غشت 1953 . وأبرز الدكتور الكتاني، أنه وأمام هذا التحدي لم تجد أطر الحركة الوطنية التي كان قادتها في السجون والمنافي، سبيلا للرد سوى الارتفاع بالنضال الوطني إلى مرحلة المقاومة المسلحة، معتبرا في الوقت ذاته أن ثورة الملك والشعب حدث ومغزى. وفيما يلي نص المداخلة التي ألقاها الدكتور حمزة الكتاني بالندوة الفكرية بمناسبة ذكرى الأعياد الثلاثة المجيدة: بسم الله الرحمان الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين حضرات السادة والسيدات الأفاضل ، الإخوة والأخوات الأعزاء محظوظ من عايش ثلاثة ملوك عظام. مع ملك ناضل مع شعبه من اجل تحرير الوطن من ربقة الحماية البغيضة، مع المرحوم الملك محمد الخامس طيب الله ثراه. وملك أقام دولة المغرب المستقل حتى نهاية القرن العشرين، مع المغفور له الملك الحسن الثاني أحسن الله مثواه . وملك حمل مشعل بناء المغرب الحديث في بداية القرن الواحد والعشرين، مع وارث سر الأب والجد جلالة الملك محمد السادس أيده الله وسدد خطاه. أكرمني الله لأعيش وقائع ملحمة تاريخية زاخرة كمشاهد على مسيراتها مع ثلاثة أجيال، جيل 1955 وجيل 1985 وجيل 2014 حسب اصطلاح المؤرخين القدامى، فمنذ تسعة خمسين سنة والشعب المغربي يحتفل بذكرى هاته الملحمة تحت شعار "ثورة الملك والشعب" . لقد أقدمت السلطات الاستعمارية الفرنسية على عزل الملك محمد الخامس ونفيه هو وأسرته خارج البلاد وتنصيب آخر ممن ترضاه ضدا على الشرعية وتحديا لشعور الشعب المغربي وإرادته. لقد كانت هاته الحادثة نقطة تحول حاسمة في تاريخ نضال المغرب من أجل حريته واستقلاله، حيث مهدت السلطات الاستعمارية باعتقال وإبعاد قادة الحركة الوطنية الذين كانوا يمارسون النضال من أجل الاستقلال بتنسيق مع محمد الخامس طيب الله ثراه. ولما ضاقت قوى الشر الاستعمارية ذرعا بالنضال الوطني السياسي وبمطالبة محمد الخامس والحركة الوطنية بجعل حد لمعاهدة الحماية والاعتراف للمغرب باستقلاله أقدمت على ما اعتبرته الضربة القاضية على الحركة الوطنية المغربية، فعزلت محمد الخامس عن العرش وأبعدته هو وأفراد أسرته إلى جزيرة "مدغشقر" يوم 20 غشت 1953 . وأمام هذا التحدي لم تجد أطر الحركة الوطنية التي كان قادتها في السجون والمنافي، سبيلا للرد سوى الارتفاع بالنضال الوطني إلى مرحلة المقاومة المسلحة . وهكذا قامت حركة الفداء والمقاومة في المدن، ثم جيش التحرير في الريف والأطلس، ولم تأت سنة 1955 حتى اضطرت فرنسا إلى إرجاع محمد الخامس في ذكرى عيد العرش المجيد آنذاك في 18 نونبر 1955، ثم الدخول معه ومع الحركة والوطنية في مفاوضات الاستقلال التي انتهت بالإعلان عن إلغاء معاهدة الحماية والاعتراف للمغرب باستقلاله يوم 2 مارس 1955. أردت بهذا السرد السريع لهذا النموذج الرائع من نضال شعبنا أن أذكر بأن حادث 20 غشت 1953 لم يكن بداية عهد جديد من ذاكرتنا الوطنية فحسب، بل كان أيضا تتويجا لصفحة من اغنى صفحات هاته الذاكرة، صفحة عاش وقائعها جيل 1955. إن ذكرى "ثورة الملك والشعب" التي نحتفل اليوم بذكراها التاسع والخمسين لا يمكن فهم مغزاها وكامل أبعادها من خلال وقائع السنين السابقة التي جاءت بعدها ، بل لا بد من الرجوع قبلها مدة عمر جيل آخر، أي إلى سنة 1912 تاريخ فرض فرنسا حمايتها على المغرب. إن جيل 2014 لا يعرف من ذكرى ثورة الملك والشعب إلا الاسم وما يحوم حول الاسم من عبارات التبجيل التي ترددها الإذاعة و التلفزة والصحف بدون تركيز او توجيه. فكيف يكمن أن يتحمل الجيل الصاعد مسؤولية الغد والذكريات التاريخية التي صنعت المغرب المعاصر ؟. إن ثورة الملك والشعب حدث ومغزى، حدث ، هو الذي عمدت على سرده بعجالة في هذا العرض السريع ، وأملي كبير في أن نعمل على التذكير به بما يناسب الزمان، زمن الثورة الإعلامية بتقنياتها المتطورة في مستهل القرن الواحد والعشرين. وأما المغزى، فلا أريد في بيانه إلا الاشارة العميقة والمتجلية في التشبث بحشد العزائم لتجديد إيماننا بفضيلة النضال وتحقيق استمراره كشعلة لا تزيد مع مرور السنين إلا توهجا. إن عهد المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني برجالاته المخلصين كان نموذجا لإرساء القواعد المتينة لبناء هياكل الدولة الحديثة، استجابة لنداء الملك محمد الخامس وهو يخاطب شعبه بعد رجوعه من منفاه إلى أرض الوطن في خطابه التاريخي:" لقد خرجنا اليوم من معركة الجهاد الأصغر، لندخل إلى معركة الجهاد الأكبر" . وبالفعل، فعهده، عهد المسيرات الرائعة بالانجازات المتميزة،في تطوير الدساتير من اجل إرساء ملكية دستورية رائدة، وإرساء دولة الحق والقانون، وإكمال الوحدة الترابية للمغرب بمنهجية توجتها المسيرة الخضراء المباركة . وأما عهد ملكنا الهمام جلالة الملك محمد السادس أطال الله عمره وسدد خطاه، فهو العهد الذي تتجلى معالمه تحت شعار : الاستمرار في البناء والتشييد من أجل تحقيق المشروع المجتمعي الكبير لمغرب طموح لاحتلال مكانته بين الأمم الناهضة ، يشيد بسواعد مواطنيه، وبعزيمة قوية تنشد بناء مغرب يرفل أبناؤه في العزة والكرامة لا مكان فيه لمغرب غير نافع في شماله أو جنوبه ، في شرقه او غربه، مغرب الديمقراطية والمؤسسات، كل جهاته تنعم بتدبير شؤونها بنفسها، مغرب يساهم فيه كل المواطنين، من خلال مشهد سياسي ونقابي ومجتمع مدني، مجتهد في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لمغرب القرن الواحد والعشرين. هذا هو املنا والأمل في الله كبير، ان تتكافل الأجيال وتسلم الأمانة للخلف،لتكون "خير خلف لخير سلف". الشكر للمندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير، في سعيها الحثيث بإقامة مثل هاته المنتديات. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .