لقد بات معروفا أن البرنامج الإستعجالي جاء كصيغة جديدة لإصلاح منظومتنا التربوية، ولإعطاء شحنة منشطة ودفعة قوية للميثاق الوطني للتربية والتكوين بعدما عرفه هذا الأخير من تعثر وتباطؤ. ولن نكون موضوعيين إذا قلنا بأن كل ماجاء به البرنامج الإستعجالي من مشاريع سوف لن يزيد واقع منظومتنا التربوية والتعليمية الا تأزما وتراجعا وبالتالي فهو إصلاح ليس منه أي طائل ، ذلك أن مجموعة من مشاريع هذا البرنامج كنا ولازلنا في حاجة إليها ، وبكل تأكيد ستكون لها نتائج طيبة على مستوى المنظومة بكاملها اذا ماتم استثمارها وتنزيلها بشكل جيد . من هذا المنطلق لابد من الوقوف على أهم نقط القوة التي تحسب للبرنامج الاستعجالي والتي أوردها الباحث مولاي عبد العاطي الأصفر في مقالته التي تضمنها العدد الأخير من مجلة علوم التربية حيث اختصرت ما حدده من إيجابيات البرنامج الاستعجالي كالتالي: 1-الاشتغال في إطار ثقافة الاستعجال و في زمن أضحى يفرض الاستعجال والسرعة في الأداء لتدارك مافات. 2-تركيز مشاريع البرنامج الاستعجالي على مجموعة من الجوانب التي كانت تشكل عوائق وصعوبات لمتابعة التمدرس وتتسبب في الهدر والانقطاع. 3-الرفع من الميزانية المخصصة لقطاع التعليم وتوفير مبالغ مالية هامة لمجموعة من العمليات مما كان له تأثيرات ايجابية على مجموعة من الجوانب. 4-العمل بمنهجية التدبير بالمشاريع والتي لها مزايا متعددة لأنها ترسم خارطة الطريق وتركز على النتائج وبلوغ الأهداف. غير أن هذه النقط الإيجابية لم يتم استثمارها وتوظيفها بشكل جيد وكاف مما حال دون الأجرأة الناجحة والناجعة لجل مشاريعه,وهذا في تقديري راجع الى منهجية تفعيل هذه المشاريع والتي رافقتها مظاهر سلبية سأجملها كالتالي: أولا: معظم المشاريع تم تنزيلها دفعة واحدة والنتيجة أن هذه السنة والسنة الماضيةعرفتا عددا كبيرا من التكوينات لفائدة الأساتذة والتي جاءت على حساب الزمن المدرسي وأضاعت على المتعلمين بعض فرص التعلم. ثانيا:صفة الارتجالية التي اتسمت بها عدة مشاريع وعلى رأسها بيداغوجيا الإدماج وماصاحبها من نظام جديد للتقويم خصوصا في مناطق التجريب، هذا الارتجال تمثل في عدة مستويات أوجزها كالتالي: -ارتجال على مستوى الزمن، حيث نظمت التكوينات وأصدرت مختلف المذكرات الوزارية أو الجهوية أو النيابية في ظروف زمنية غير مناسبة. -ارتجال وتخبط على مستوى الوثائق التربوية وأيضا على مستوى المفاهيم ،الشيء الذي نتج عنه نوع من التضارب وعدم وجود رؤية موحدة لمضامين المذكرات الوزارية مما جعل الباب مفتوحا أمام التأويلات. ثالثا: تم إفراغ عدة مشاريع من محتواها ومضمونها وبالتالي حكم عليها بالفشل بسبب عدم اختيار الكفاءات المناسبة للإشراف على تمريرها حيث لا يتم في غالب الأحيان التقيد بمعايير الانتقاء المحددة والواضحة والموضوعية المتضمنة في المذكرات المنظمة لمختلف المهام وخصوصا التي يتم اسنادها للأساتذة. رابعا:غياب شبه تام للتتبع والمواكبة والمصاحبة هذه العمليات المهمة لأي سياسة تقويم خصوصا عندما يتعلق الأمر بالجانب البيداغوجي، وقد سجلنا خلال هذه السنة قصورا واضخا في التتبع الميداني الحقيقي الذي يهدف الى تجويد الفعل التعليمي والدفع بجل المشاريع الى الأمام, وهذا راجع الى عدة أسباب لا يتسع المجال للتفصيل فيها لكن يبقى أهمها إثقال كاهل هيأة المراقبة التربوية بمهام والتزامات كانت على حساب المصاحبة الميدانية للعملية التعليمية كما هو الشأن بالنسبة لبيداغوجيا الإدماج. خامسا:معظم التكوينات لم ترق الى المستوى المطلوب وشابتها عدة نقائص إن على مستوى التنظيم أو على مستوى المحتوى والمضمون مما انعكس سلباعلى تحقق النتائج المرجوة منها على أرض الواقع. كانت هذه بعض مكامن الخلل التي حالت دون تحقيق النتائج المتوخاة من البرنامج الاستعجالي.وحسب رأيي ولكي يتم تجاوز هذا الوضع المتأزم ولتحقيق أجرأة فعالة و إيجابية لمشاريع البرنامج الإستعجالي سواء التي انطلقت فعليا أوالتي لازالت في بداياتها ،لابد من التقيد بعدة ضوابط أسوق أهمها كالتالي: أولا :ضرورة الارتقاء بمستوى التكوين تنظيما ومحتويات مع انتقاء الطاقات البشرية المؤهلة للمساهمة في تمرير هذا التكوين أو في أي مشروع من المشاريع أو للقيام بأي مهمة من المهمات وذلك باعتماد سياسة انتقاء واضحة وموضوعية ودائما في اطار مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع. ثانيا:وضع وتبني برنامج واضح وفعال للمواكبة والمصاحبة و التتبع بهدف الدفع بمختلف البرامج الى الأمام ورصد الصعوبات والثغرات ومن ثم العمل على تجاوزها، وعندما أتحدث عن التتبع والمصاحبة فالأمر لايخص الجانب البيداغوجي فقط وإنما جميع تمفصلات الحياة المدرسية . ثالثا:العمل على توحيد الرؤى في ما يخص كل المفاهيم والأفكار ومن ثم سد باب التأويلات ووضع حد لحالة التخبط و الإرتجالية. رابعا: وضع آليات للتحفيز والتشجيع لفائدة المتميزين في عملهم الميداني من الأطر التربويةانسجاما مع ما جاء في الدعامة الثالثة عشر من المجال الرابع المتعلق بالموارد البشرية ،و عندما أتحدث عن التحفيز فأنا أقصد التحفيز بجميع أشكاله، وطالما أن هذا الأخير غائب أومغيب فلن ننتظر عطاء أكثر ،وفي نفس الوقت يجب التأكيد على أن غياب سياسة تربوية تشجيعية وتحفيزية في اطار مبدأ الاستحقاق يجعل المدرسين الجادين يشعرون بعدم تقدير لمجهوداتهم مما يدفعهم الى التأكد يوما عن يوم بأن هذا الميدان يستوي فيه المدرس الذي يكد ويجتهد ويبحث باستمرار عن كل مايطور أداءه التربوي مع ذلك الخامل والمتكاسل واللامبالي والذي قد يرقى دون عناء، وهذا بالطبع ماقد يدفع بالمجد الى اليأس والفتور. وأخيرا أؤكد أن كل هذه الإقتراحات وأخرى كفيلة بأن تغير واقع المنظومة التربوية للأحسن إذا ماتم أخذها بعين الإعتبار، مع ضرورة التأكيدعلى تغيير العقليات وعلى جميع المستويات لكي تنفتح على كل تجديد يخدم تعليمنا. وفي نفس الوقت لابد من توفير عدة مقومات تفتقر اليها منظومتنا التربوية عموما ومدرستنا المغربية على وجه الخصوص ، والتي في انعدامها لايمكن بأي حال الحديث عن مدرسة النجاح التي ننشدها جميعا. جمال موحد موقع تربويات