ندوة علمية بكلية الآداب الرباط الخميس 06/03/2014 المحاور الرئيسية للمداخلة 1.تقديم عام لا أحد من الباحثين يستطيع أن ينكر أن التربية وجدت مع وجود الحياة الإنسانية. فالتربية ظاهرة عرفها الإنسان منذ أن وطئت قدماه الأرض، كما أنها كانت موضوع اهتمام الأديان عبر العصور والأزمنة، وهذا يدل على دورها الفاعل والهام في تطوير الأمم وتقدمها. وقد عرفت هذه الظاهرة تطورات نوعية وكيفية عميقة جنبا إلى جنب مع التحولات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية… إلا أن أصبحت علما بل علوما متعددة ومتنوعة، وكذلك من بين التخصصات التي تدرس في الجامعات والمعاهد العامة والخاصة. وتعد التنمية من بين الأهداف السامية التي تسعى التربية إلى تحقيقها بدأ من تنمية الفرد، معرفيا وسلوكيا ووجدانيا، وصولا إلى تنمية المجتمع ككل بمختلف أشكاله ومؤسساته، وهذا لن يتحقق إلى بفعل تحقيق إدماج الفرد ذاته داخل هذا المجتمع. فلابد من تربية وتكوين نسق شخصية قابل لأن يكون فاعلا إيجابيا داخل كل أجزاء التنظيم. إن ظاهرتين اجتماعيتين مثل التربية والتنمية لا تستحق منا كتابا واحدا فقط، لأن العلاقة الجدلية بينهما جد كبيرة وغامضة. وذلك لتداخل وتشابك مجموعة من الأنساق والأبعاد. وفي ظل هذا التداخل والتشابك يحضر بقوة التحدي الاجتماعي الذي يعد، في نفس الوقت، المقياس الوحيد على صدق وفعالية هذه التربية أو تلك. سواء كانت داخل الأسرة أو المؤسسة، من أجل تحقيق تنمية حقيقية للفرد في ذاته وفي علاقته مع غيره، لضمان فعالية أكبر ومردودية أكثر داخل المجتمع. وتماشيا مع التوجهات والاختيارات التربوية المتضمنة في الكتاب الأبيض والميثاق الوطني للتربية والتكوين، وانسجاما مع الرهانات التي يتوخاها ويتطلع إليها إصلاح منظومتنا التربوية المغربية من أجل إرساء مقومات مدرسة النجاح، والارتقاء بالفاعلين إلى المرتبة المرموقة بما يؤهلهم إلى أداء مهمتهم على أحسن وجه، أبينا إلا أن ننخرط في تشييد هذا المشروع التربوي، وذلك من أجل مساعدة القارئ والأستاذ والطالب على محاولة فهم العلاقة الجدلية بين التربية والتنمية والتعرف على جل التحديات التي تعترض سبيلهما في تحقيق الأهداف المرجوة. وفي ظل العلاقة الجدلية والتفاعلية بين ما هو تربوي وماهو تنموي، ومن خلال التمعن في مختلف التحديات التي تواجههما معا، يمكن أن نطرح عدة تساؤلات نذكر من بينها: هل التحديات التي تواجه تحقيق فعل التربية وبلوغ التنمية تعد إكراها قسريا مصدره عدم القدرة والاستطاعة؟ أم أن الأمر يتعلق بعدم وجود رغبة وإرادة؟ أم يتعلق الأمر بخلفيات سياسية وإيديولوجية هي من يرسم مسار العملية التربوية ككل؟ أم هناك أمور أخرى لا بد من تحديدها واستخراجها؟ لذلك جاء كتابنا هذا:"التربية والتنمية وتحديات المستقبل:مقاربة سوسيولوجية" من أجل الكشف عن أهم جوانب الظاهرتين السابقتين معا، وتحديد الإكراهات التي تحول دون تحقيق أهدافهما داخل المجتمع الذي يعد المقصد بالتأثير والفعل. 2.الإشكال المحوري الذي يعالجه الكتاب انطلقت في دراستي النظرية هذه من إشكال جوهري أراه الأجدر بالبحث والتحليل كي أتسلق في عالم كشف الغطاء أو إخراج المسكوت عنه، هذا الإشكال الذي حير العديد من الباحثين والمهتمين في العلوم الاجتماعية خاصة، وهو: "إشكالية العلاقة بين التربية والتنمية والتحديات الكبرى التي تواجه تحقيق أهدافهما." هذا الإشكال الذي حاولت أن أتناوله من خلال عدة أسئلة فرعية أراها أكثر أهمية، وهي كالتالي : § ماهي البنيات الأساسية المتدخلة في دينامية سوسيولوجيا النظام التعليمي المغربي؟ § وهل يمكن الحديث عن مدرسة مغربية كقاطرة للتنمية؟ § وكيف يمكن للمدرسة المغربية أن تنصهر داخل النسق الاجتماعي في تكامل وظيفي؟ § وهل استطاع الإصلاح الجديد تجديد أدوار وهياكل المدرسة المغربية بما يؤهلها لإدماج مواطن الغد في المحيط المحلي والإقليمي، أم أن الأمر يقتصر على عملية إعادة الإنتاج والتعسف الرمزي والثقافي؟ 3.المقاربة السوسيولوجية 4. والإطار النظري المعتمد أ) المستوى العام: المجتمع كنسق تعتبر النظرية البنائية الوظيفية من النظريات السوسيولوجية التي شغلت حيزا كبيرا في أدبيات علماء الاجتماع، خاصة في بدايات القرن العشرين واحتلت مكانة مرموقة بين نظرياته. ونشير إلى أن هذه النظرية لم تأتي نتيجة جهد عالم من العلماء بعينه بل تظافرت جهود العديد منهم في مجالي علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا الاجتماعية، كما جاءت استجابة لمجموعة من المتطلبات والحاجات الاجتماعية التي تتعلق بالتغير والحراك الاجتماعي. عادة ما ترجع البدايات الأولى للاتجاه البنائي الوظيفي في علم الاجتماع إلى العالم الكبير ̎إميل دوركايم̎ من خلال أعماله مثل "تقسيم العمل الاجتماعي" و"قواعد المنهج السوسيولوجي"، وفي حقل الأنثروبولوجيا إلى العالم ̎رادكليف براون̎ في دراسته "أبنية القرابة̎، ثم ليقترن بعد ذلك بالعالمين ̎تالكوت بارسونز̎ من خلال أعماله مثل ̎نظرية الفعل الاجتماعي̎ و ̎النسق الاجتماعي̎ إضافة إلى أعمال ̎روبرت ميرتون̎. ينظر أصحاب الاتجاه البنيوي الوظيفي، وعلى رأسهم تالكوت بارسونز، إلى المجتمع باعتباره نسقا اجتماعيا مترابطا ترابطا داخليا ينجز كل جزء من أجزائه أو مكون من مكوناته وظيفة محددة، حيث أن هذا الترابط يكون متكاملا وظيفيا، و أن أي خلل أو تغير في وظيفة أحد أجزاءه أو مكوناته ينتج عنه تغير على مستوى باقي أجزاء النسق ككل. فقد أكد بارسونز في كتابه «النسق الاجتماعي» : "لا بناء بدون وظائف اجتماعية ولا وظائف بدون بناء اجتماعي". التأكيد هنا على الاعتماد المتبادل بين عناصر النسق الاجتماعي من أجل تأدية الوظيفة الأساسية التي تضمن سير ذلك النسق أي المجتمع. فلكل عنصر وظيفة أو نشاط يقوم به لتحقيق التوازن الاجتماعي أو الاستقرار النسقي، وهنا يظهر الدور الوظيفي للجزء داخل الكل الاجتماعي باعتباره دعامة لتحقيق التوازن أو إعادته عندما يختل. ب) المستوى الخاص :النظام التربوي كنسق إذا كانت المدرسة جزء من أجزاء المجتمع، فإن النظام التربوي بدوره نسق يتضمن أجزاء مترابطة فيما بينها ترابطا داخليا و أن كل جزء من أجزاء النظام التربوي له وظيفة معينة، وضمان استمرارية النظام التعليمي يتطلب تكامل أجزائه وظيفيا، وأن أي خلل على مستوى أحد الأجزاء أو المكونات يسبب خللا وظيفيا على مستوى النظام ككل. 5.ثلاث مستويات من التحليل : في هذا الكتاب نقرأ ثلاث مستويات من التحليل :هناك الفهم، إذ يحاول هذا الكتاب فهم التحولات العميقة التي تتحكم في مدخلات النظام التعليمي المغربي و سيرورة تحوله، وكذا الحركية التي عرفها النظام التعليمي المغربي بين متطلبات الجمهور و إكراهات التطبيق. وفي نفس الآن ينطلق إلى مستو ثان وهو التفسير، حيث يفسر ويفكك ويحاول أن يفهم البنيات الأشد خفاء التي تكمن وراء هذه التحولات العميقة. وفي الأخير ينتقل إلى مستو أكبر وهو التأويل. لكن في علم الاجتماع نحن نشتغل على مواضيع ساخنة غير أننا نشتغل عليها بمنهج بارد، لهذا حاولت جاهدا التوفيق بين هذين المطلبين، وذلك من خلال اعتماد مسافة واضحة بين الذات البارزة والموضوع المحوري المدروس. عندما نتأمل هذا الكتاب هل ينتمي إلى حقل السوسيولوجيا أم إلى الأنثروبولوجيا أم إلى حقل معرفي أخر، سوف نلاحظ أنه تلتقي فيه مجموعة من العلوم و أنه ينتصر إلى العلم الاجتماعي المنفتح على علوم متنوعة و متعددة. فنقرأ فيه السوسيولوجي والأنثروبولوجي والأديب الذي أبدع كل مفاهيمه وكلماته الشيقة والمحفزة على المتابعة والقراءة والنقد، فهذا الكتاب كتب باللغة العربية الرشيقة، كما أنه عرض على أساتذة كبار من ذوي الخبرة و التجربة في عالم الكتابة والبحث الأكاديمي المتميز في الحقل الاجتماعي عامة والتربوي خاصة من أجل المراجعة، ونلك هي عادة كل مشرع فكري يريد أن يبحث لنفسه عن مكان في زحمة ثقافة اليوم. 6.التحديات التي رفعتها منظومة التربية التكوين من أجل بلوغ أهداف التنمية من بين التحديات الكبرى التي تواجه منظومة التربية والتكوين والتي هي في نفس الوقت شعارات الإصلاح الجديد، نذكر : v تحدي تنمية الموارد البشرية وتأهيلها لتكون قادرة على الاندماج في المجتمع عبر ممارسة الأدوار والوظائف الرئيسية. v تحدي دمقرطة التعليم وتكافؤ الفرص، سيما وأن شعار تعميم التعليم لا يزال لم يعرف بعد طريقه إلى التحقيق الفعلي بالرغم من الجهود المبذولة، حيث ما زالت الفوارق قائمة بين الذكور والإناث، وبين الأرياف والحواضر، وبين الأحياء الراقية والفقيرة، وبين الجهات؛ v تحدي الوصول إلى جودة حقيقية في نظامنا التعليمي، حيث تُجمع التقارير التقييمية والتشخيصات على تردي المنتوج التربوي، v تحدي توفر منظومة تدبيرية تجعل في صلب اهتماماتها وفي صدارتها الفصل الدراسي والمتعلم؛ v تحدي الانصهار مع المحيط، بحيث أن نظامنا التعليمي مطالب بالانفتاح على بيئته المجتمعية والتكافؤ معها، وإقرار سلطة الكفاءة والاستحقاق؛ v تحدي المواكبة الحضارية والتوجه نحو المستقبل، بمعنى ضرورة مواكبة العولمة الجارفة مع الوعي بما تنطوي عليه من انعكاسات بل ومخاطر.