لم تعد لائحة مدراء الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الثمانية، التي فتحت وزارة التربية الوطنية بشأنها مباراة للاختيار، سرا. فقد كشفت مصادر «المساء»، قبل أن تصل هذه اللائحة إلى المجلس الحكومي، أن محمد الوفا اختار اللائحة النهائية قبل أن تنطلق لجنة الاختيار في عملها، وهي التي تم وضعها أولا على المقاس، وثانيا لذر الرماد في العيون. وأضافت المصادر ذاتها أنّ أسماء مدراء الأكاديمات الجهوية الثمانية ظلت متداوَلة بين ردهات الوزارة أياما قبل أن تشرع اللجنة في عملها، خصوصا أن الوفا اختار أن يوزع هذه المناصب بالتساوي، حيث كان من نصيب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال منصبان. وكان من نصيب الأصالة والمعاصرة منصب واحد، تماما كما هو حال حزب العدالة والتنمية، فيما آل إلى أعيان الصحراء نصيبهم من «الكعكة» التي وزّعها الوفا. وهكذا سينتقل سعيد بلوط، نائب سلا وعضو اللجنة الإدارية للاتحاد الاشتراكي، إلى أكاديمية تازةالحسيمة، فيما تنتقل نائبة صفرو، الاتحادية فايزة السباعي، إلى أكاديمية فاس. وسيصل محمد دالي إلى أكاديمية مكناس، قادما إليها من الوحدة المركزية لتكوين الأطر. ومن أكاديرسينتقل شكري الناجي إلى أكاديمية وجدة. فيما ستعيَّن جيدة اللبيك في أكاديمية الداخلة، والمختار الليلي، نائب بنسليمان، في أكاديمة العيون، وهما من الذين يتلقون دعما من أعيان الصحراء، تماما كما هو حال السيد لعيونة من كلميم، الذي سبق لمحمد الوفا أن أصدر في حقه قرارا بالتوقيف، قبل أن يتراجع عنه، بضغط من أعيان المناطق الجنوبية.. وهو الضغط التي سيحمل لعوينة إليوم إلى أكاديميةسطات. ولكي يُكمل الوفا «تخريجته العجيبة» فقد فرض على اللجنة أن تكون من نصيب أحمد بن يزي أكاديمية مراكش، قادما إليها من تادلة، ومحمد أبو ضمير، عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، الانتقال من وجدة إلى أكاديمية عبدة دكالة، رغم أن هاذين المديرين يقتربان من سن التقاعد، وأن مشروع مدير أكاديمية جهوة يفترض أن يمتد لأربع سنوات. لقد شكلت عملية الترشيح، والتي لم تتجاوز في المجموع سبعا وستين مرشحا، قبل أن يتم الاحتفاظ بستة وعشرين فقط، إشارة واضحة على أن هذا العزوف كان يعني أنّ الأمور رُتبت من قبلُ، وأن اللجنة التي كلفت ب«الانتقاء» لن تقوم إلا بما أملاه عليها الوفا.. ولتأكيد هذه الفرضية، يتحدث مقرَّبون من الملف عن أنّ اللجنة ضمّت أسماء لا تتوفر لها الكفاءة المهنية للقيام بعملية الانتقاء. فقد ضمّت في عضويتها مهندسة في المعلوميات ومهندسا زراعيا، هو مدير الميزانية في وزارة الوفا، والذي يتوفر على يبلوم مسّاح طوبوغرافي، ولم يمر على مقامه في وزارة التربية الوطنية غير سنتين ونصف، لن تكون كافية ليكون من ضمن لجنة ستختار مدراء أكاديميات يُفترَض فيهم الاشتغال على «البعد الإستراتيجي في تدبير الشأن التربويّ على المستوى الجهوي». كما ضمّت اللجتة في عضويتها الكاتب العام للوزارة وممثلا عن الوزارة الأولى وآخَر عن الأمانة العامة للحكومة والمفتش العام والمسؤول عن الشؤون الإدارية والتربوية. وقد سجل المتتبعون أن هذه اللجنة ضمت، في غالبيتها، أولئك الذين استقدمتهم لطيفة العابد، كاتبة الدولة في التعليم المدرسي في حكومة عباس الفاسي، من وزارة المالية، ما يعني أنهم يفتقرون إلى الكثير من المعرفة بالمجال التربويّ. وكان الأسلم، حسب مصادر «المساء»، أن تضمّ اللجنة مدراء سابقين أو حاليين لهم دراية بالمجال، خصوصا أن بعض الأسئلة التي ظلت تُطرَح على المترشحين تكشف عن «بؤس معرفيّ» كالفرق بين المحاسبة العامة والمحاسبة التحليلية!.. ولا تقف خلفيات الوفا، وهو يرسم الخطوط العريضة لهؤلاء المدراء الذين اختارتهم لجنته الخاصة عند «إرضاء الخواطر»، خصوصا أنه نجح بنسبة كبيرة في ذلك، ولكنْ لأنه يراهن مستقبلا على إعادة النظر في العقود التي سبق أن أبرِمت مع مدراء الأكاديميات الجهوية بخصوص التعويضات التي يتقاضونها، في أفق أن يتحولوا إلى منصب مدير مركزي فقط. وقد كانت الملاحظة التي أثارتها الاستقلالية خديجة زومي في وجه الوفا داخل لجنة التعليم في مجلس النواب، حينما قالت له إن هؤلاء المدراء يتقاضون أجورا أكبر مما تتقاضاه أنت، السيد الوزير.. قد حرّكت قريحة الوفا، خصوصا أن تعويضات هؤلاء المدراء تصل اليوم إلى 37 ألف درهم شهريا، باحتساب التعويض عن السكن، والمحدد في 6 آلاف درهم. المثير هو أن كل المدراء يتقاضون هذه الستة آلاف درهم ويشغلون مساكن وظيفية.. بل إنّ منهم من لم يغادروها رغم أنهم غادروا مهامهم لجهة أخرى. زد على ذلك أن تعويضات التنقل تصل في المعدل إلى 100 ألف درهم سنويا.. وتفيد بعض المعطيات أنّ اللائحة التي سبق أن كشف عنها الوفا بشأن السكن الوظيفيّ ظلت مجرّدَ دعاية فارغة، بعد أن وجد الوزير أنه وضع يده في «عش الدبابير».. وهكذا لا يزال أحمد بن يزي، مثلا، رغم أنه يشغل مهامه في تادلة، يحتلّ سكنا وظيفيا في مراكش.. ولا يزال عزيز الناحية، رغم مهامه في العيون، يحتلّ سكنا وظيفيا في الرباط، وهو اليوم في طريقه إلى أكاديمية القنيظرة. ولا يزال محمد اضرضور يحتلّ سكنا وظيفيا في مكناس، رغم أنه اليوم في الطريق إلى أكاديميةالرباط.. بل إن أخبارا تتحدث عن قبول الوزير الوفا تفويت فيلا مكناس للسيد أضرضور، ما يعني أنّ الوزير قد قبِل بالأمر الواقع وبدأ يساهم فيه.. كل هذه الأرقام وهذا الوضع، هو الذي يكون قد حرّك وزير التربية الوطنية، الذي بدأ في رسم صيغة لإعادة النظر في العقود التي أبرمت مع مدراء الأكاديميات، والتي كانت وراءها لطيفة العابدة في الحكومة السابقة.. إنها «قنبلة» جديدة من «القنابل» التي تتفجّر بين الفينة والأخرى في وزارة الاستقلالي محمد الوفا.