لم تمر إلا خمسة عشر شهرا على أكبر فضيحة إعلامية في الصحافة الاسبانية، عندما انفجرت الأحداث الدموية التي قام بها عملاء البوليساريو وشركائهم في مدينة العيون بداية من يوم 8 نوفمبر 2010. وكان لجريدة البايس نصيب من تلك الفضيحة التي عرت سوءة بعض منابر الإعلام الاسباني وتخلفه وإخلاله بأخلاقيات مهنة الصحافة. اليوم تعود البايس إلى الصيد، ليس في بركة ماء آسن، ولكن في مجرى نهرى صاف، بواسطة شطحات بعض صحافييها، بالأخص المثير للجدل، اكناسيو سمبريرو. قبل الخوض في هذا الموضوع، أود أن أضع مقارنة تتعلق بهذا الصحافي وجريدته، حتى نستطيع فهم الأمر على حقيقته. الكثيرون يصفونه بأنه خبير في الشأن المغربي، لمجرد أنه من القلائل الذين يكتبون في هذا الشأن، وينسون مفهوم الخبرة في أي مجال. كل ما يتوفر عليه هذا الصحافي هو بعض المعلومات عن المغرب وبعض العلاقات مع بعض المغاربة، سواء في مراكز القرار أو المخبرين الذين يتقاضون الثمن مقابل ما يقدمونه من معلومات، وضمنهم بعض الصحافيين المغاربة. هذا الأمر يعود لكونه كان مراسلا لجريدته في المغرب لعدة سنوات ومتابعا لأحداثه، منذ طرده بسبب عدوانيته وحقده على كل ما هو مغربي، بالخصوص في مسألة الوحدة الترابية والصحراء المغربية. لهذا سيكون من باب العاهات الفكرية، الخطأ الشنيع، الجهل بالحقائق، الادعاء الكاذب ومجانبة الصواب في وصف معرفته بالخبرة والإطلاع الواسع. في عز أحداث العيون أفردت جريدة طنجة طبعة خاصة وفريدة، ساهمت فيها بمقال رأى باللغة الاسبانية حول تلك الأحداث وأخطاء الصحافة الاسبانية، حيث حللت فيه عقدة هذه الصحافة وبعض العاملين فيها. بعد توزيع العدد ونشره في الموقع الالكتروني للجريدة، أرسل لي اكناسيو سمبريرو، ولم يكن قد سبق لنا أن تعارفنا بصفة شخصية، رسالة الكترونية يسألني فيها بدهشة كبيرة وكأنه في حالة صدمة، قال لي بالحرف: هل أنت فعلا المختار الغربي الذي كتب ذلك المقال، فكان ردى في مستوى سؤاله، قصيرا ومركزا: ومن تعتقدني، هل تعتقد أن الصحافة الجيدة حكرا عليكم، إضافة إلى أنني كتبت بلغتكم، وإذا عدتم عدنا. مناسبة هذا الكلام، الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته جريدة البايس والذي اعتبرته وزارة الاتصال مسيئا للملك محمد السادس، وبررت بذلك عدم ترخيصها بتوزيع الطبعة الورقية لعددها الصادر يوم 17 فبراير، الذي كان من المفترض أن يتم توزيعه يوم السبت 18 فبراير في المغرب. الرسم اعتمد على "تحريف وتشويه ينتج عنه إساءة ومس بالاحترام الواجب لشخص الملك". واستندت وزارة الاتصال في منع تداول اليومية "الاسبانية" على الفصل 29 من قانون الصحافة، الذي يعطي لوزير الاتصال الصلاحية في منع الجرائد أو النشرات الدورية أو غير الدورية المطبوعة خارج المغرب التي تتضمن مسا بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو بالوحدة الترابية أو تتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك أو بالنظام العام. كما أن الجريدة نشرت مقالا "لاغناسيو سامبريرو"، أُخبرفيه أن محاضرته التي كان سيلقيها بمعهد للحكامة والاقتصاد بالرباط يوم 29 فبراير الجاري حول العلاقات المغربية الاسبانية قد أُلغيت، وتحدث فيه عن وجود ما أسماه فيتو ضد تواجده بالمغرب، رغم أنه وِفق ما كتب يشارك في ندوات ولقاءات ثقافية في المغرب منذ سبع سنوات. ونفت وزارة الاتصال أن تكون المادة الموقعة من طرف الصحفي الاسباني بنفس العدد الغير مرخص له هي التي دفعت الوزارة لمنع تداول الصحيفة الاسبانية، مشيرا إلى أن سامبريرو يكتب بشكل شبه يومي في الجريدة عن المغرب دون أن يمنع تداول الصحيفة الاسبانية من التوزيع. حول هذا الموضوع، يجب التأشير على ما يلي: أولا: بحكم معرفتي بالأساليب الجهنمية لبعض المنابر في الصحافة الاسبانية وتعاملها مع المغاربة والمغرب وقضاياه الحيوية، فان من خط الرسم المشار إليه، بنى عمله، من جهة، على كونه جزء من تلك الجريدة وسياستها العدوانية، ومن جهة ثانية، تحريضا من اكناسيو سمبريرو الذي أقنعه بوجهة نظره في أمر تخيلاته حول إلغاء الندوة، لأنه لم يستسغ إلغائها، حيث كان سيشارك فيها وله فيها مآرب، فاتهم "جهات عليا" بأنها أصدرت أمرا، فقط، وحسب ما وسوست له نفسه، لأنه كان سيحضرها أو سيديرها، وهذا منتهى العجرفة والجهل والحقد. ثانيا: بالحكمة والتعقل والرزانة السياسية، لم يسبق لأية جريدة مغربية أن أشارت بسوء إلى العائلة الملكية الاسبانية، كما لم يسبق لأية جهة في المغرب أن أشارت إلى منطقة إلباسك ومنظمة ايطا التي كانت تحارب وتطالب باستقلال المنطقة، ولم يقدم أي دعم بأية صفة أو وسيلة لانفصال المنطقة عن الوحدة الترابية لاسبانيا، كما لم تقع الإشارة إلى حق مزعوم لمنظمة ايطا في تفتيت هذه الوحدة. ما تقوم به بعض وسائل الإعلام الاسبانية وبعض الصحافيين المشبوهين، يخالف كل الحقائق العقلية والفكرية والسلوكية، خلافا لحال المغرب ومكوناته اتجاه رموز السيادة الوطنية والوحدة الترابية لاسبانيا. ثالثا: المغاربة ينتفضون ضد اسبانيا حينما تهان كرامتهم وتمس رموزهم السيادية وتلطخ ثوابتهم الوطنية ويقع التآمر على وحدة بلدهم الترابية. في المقابل، جل الاسبانيين يكرهون المغاربة ويحتقرونهم ويستغلون الفرص لإهانتهم، فقط بسبب عنصرية صحافتهم وحقدها وجهلها ونيتها المبيتة ضد استقرار بلدهم وخطواتهم نحو الغد الأفضل وتثبيت وحدة ترابهم الوطني. رابعا: في حادث وقع لمجلة "إل خويفيز" سنة 2007 مع العائلة الملكية الاسبانية، تم تضمين أحد أعداد المجلة لرسم كاريكاتوري لأحد أفراد العائلة الملكية بإسبانيا، حينها توبع الصحفي ومجلة" إل خويفيز" أمام القضاء الإسباني على الرسم الذي اعتبر مسيئا لأفراد العائلة الملكية الإسبانية، مما يعني أن قانون الصحافة الاسباني نفسه يمنع الإساءة للأفراد والأشخاص. خامسا: من المثير أن تحيلنا كل التجاوزات للصحافة الاسبانية ضد المغرب على التاريخ الدموي لازابيلا الكاثوليكية وعنصريتها ضد الإسلام والمسلمين وجرائمها في حقهم. كما أن كتائب الطابور الخامس نشأت، ويالصدفة، في اسبانيا أثناء الحرب الأهلي الاسبانية. هكذا تتصرف الصحافة الاسبانية كطابور خامس لإخضاع الاسبانيين، فرادى وجماعات، وتجييشهم ضد المغرب والمغاربة، عبر الكثير من المقالات والندوات والجمعيات والأكاذيب والأخبار والصور الملفقة والاختباء وراء خطابات مصطنعة، تنضح بالكراهية والعنصرية.