وأثار انتباهي أيضا الاهتمام المفرط للسياح بهذه المعالم التاريخية وكثرة الصور التي يلتقطونها وكذلك الإنصات للمرشدين السياحيين والأسئلة الكثيرة والمتنوعة التي يطرحونها لمعرفة سر هذه الحضارة العظيمة التي استطاعت ان تصل إلى هذا المستوى من الإتقان في البناء والمعمار الراقي الكبير والضخم بلمسات فنية جميلة تسحر وتسر الناظرين. لاحظت على وجه السياح بالخصوص الأمريكيين والأوروبيين آثار الصدمة من هول ما يرون من ضخامة فنية ومعمارية فاقت ما كانوا يتصورون. بالخصوص وأن هذا الإبداع من المغاربة والعرب الذين لا يضرب لهم اليوم أي حساب في معادلات التقدم والرفاهية والمعمار والازدهار، بل ترسخ في تصورهم أن كلمة عربي مصدر للتخلف والفقر والعنف والحروب. فيحاولون فهم ماذا جرى فلا يجدون أجوبة لأسئلتهم المتعددة والمتنوعة فيتناسون كل ذلك ويتغاضون عنه بالتهامهم للأطباق الأندلسية اللذيذة والشهية وشربهم بشراهة النبيذ الإشبيلي ورقصهم مع الإشبيليات الشقراوات على إيقاع "الفلامينكو". وأنا مار بالقرب من أسوار المسجد الضخم أتأمل في إحدى الكراسي المبنية وبجانبها سلاسل، وتساءلت مع نفسي عن وجود هذه السلاسل هناك، وإذا بمجموعة من السياح متحلقين حول مرشد سياحي يشرح لهم سبب وجود تلك الكراسي على الطريق ووجود تلك السلاسل، اقتربت منه لأسترق السمع من دون أن أدفع ثمنا مقابلا لذلك لأن هنا كل خدمة يؤدى عنها بدون رحمة او شفقة رغم أنها ثقافتنا نحن وتاريخنا. فإذا بي أسمع المرشد يقول: هاته الكراسي كانت مخصصة للبحارة الذين يريدون الاشتغال في البواخر التي ستخرج من الوادي الكبير وبالضبط من قرب "الصومعة الذهبية" والمتوجهة إلى قادس حيث المحيط الأطلسي. وعندما يأتي أصحاب المراكب يختارون من البحارة القاعدين هنا الاقوياء والأكفاء، وفي بعض الأحيان يكون بين البحارة أسرى متهمون بالسحر يتم نفيهم بعد تقييدهم بتلك السلاسل. سأل أحد السياح المرشد ولماذا السحرة بالضبط؟ قال لأن السحرة إذا بقوا قريبين قد يضروا الآخرين ولو من داخل السجن لهذا كانوا ينفون إلى جزر بعيدة. وسأل سائح آخر المرشد: وكيف كانوا يعرفون أنهم سحرة. أجاب المرشد أن لديه صور لبعض المخطوطات من القرن الثالث عشر فيها أن هناك رجل من قرطبة كان يطلق عليه "صياد السحرة" ولخبرته الكبيرة بالسحر وأفعال السحرة عُين رسميا صيادا للسحرة من طرف أحد القضاة يدعى عبدالجبار القرطبي. وصياد السحرة هذا وهو الذي كان يدلهم على السحرة. يُتبع… عتاب بقرة قرطبية رواية تحكي مأساة الأميرة الثائرة بالأندلس