السيدة منانة الخراز من موالد تطوان يوم 10 شتمبر 1921، وعاشت في الوسط الفني العائلي المتدين، والمهتم بالأمداح النبوية، وكان والدها المرحوم سيدي محمد الخراز المنتسب للزاوية العيساوية يتمتع بصوت حسن، فكان منشدا لهذه الأمداح بالزاوية المذكورة، وعليه كانت المرحومة منانة الخراز تقتبس من والدها فن السماع والإنشاد، وإجادة الأنغام، والموشحات، وكانت تلازم بيت الشرف الوالي الصالح سيدي محمد بلبشير الريسوني، الذي كان من كبار الموسيقيين بتطوان شأنه شأن أجداده الكرام الذين كانوا موسومين بفن الطرب والمديح والسماع، فارتشفت من رحيقه الموسيقي، وكونت تجربة أخذت تصقل مواهبها الفنية خصوصا لما تزوجت بالفنان المبدع السيد عبد السلام السعيدي الصباح الذي مهد أمامها الطريق الفني وفتح لها مجال الإبداع والغناء رغم ظروف الحماية، وقيود العادات والتقاليد التي كانت لا تسمح للمرأة بالظهور في الشارع، فأحري ممارسة الغناء. ومنانة الخراز استعملت صوتها في البداية لتلقين الفتيات في البيوت التطوانية الأناشد الوطنية والحماسية فصارت مرشدة وطنية كبيرة، حتى ضاق من نشاطها عملاء الاستعمار الإسباني، وبسبب هذه المضايقات تعرضت للحكم عليها بالسحن والغرامة، ولولا العطف الذي أتاها من سمو الخليفة السلطاني الأمير الحسن بن المهدي الذي أمر بإطلاق سراحها وبرد الاعتبار إليها لكانت في عداد النسيان. وهي أول امرأة دخلت السجن بسبب أفكارها الوطنية على عهد الحماية الإسبانية، فكانت مؤمنة بدورها النضالي، وبتأثير سحر صوتها الفني في البيوت التطوانية، الذي تسخره للدفاع عن كرامة المرأة سحر صوتها الفني ولذلك صنفت منانة الخراز أول امرأة في التاريخ الموسيقي الأندلسي وعلى المستوى الوطني تلج ميدان الفن والغناء وإقامة الأفراح والأعراس والمناسبات الأخرى الخاصة بالنساء. وأول امرأة دخلت المعهد الموسيقى وأخذت قسطا من أصول الموسيقى الأندلسية بالمعهد الموسيقى بتطوان، فظلت فيه أزيد من خمس وعشرين سنة كلها عطاء، وإشعاع، وتفرغ لعلم الموسيقى، وشاركت الرجال في الأداء الغنائي، وتقاسمت مع المرحوم عبد الصادق أشقارة في أداء عدة أغاني إبداعية ما زالت مشهورة إلى يومنا هذا وهي المحاورة الفنية الذائعة الصيت "جاوبني يا حبيبي". وكانت تترأس القسم النسوي بالمعهد. وحينما نظمت الجمعية التطوانية "أصدقاء الموسيقى" التي تأسست في سنة 1953 عدة حفلات للموسيقى ولإنشاد الشعر التي انطلقت من شهر يناير إلى يونيه 1955، أقامت السيدة المرحومة منانة الخراز حفلة للجوق العربي الخاصة بسيدات تطوان المسلمات، أحياها الجوق النسوي التابع للمعهد الموسيقي المغربي الذي تديره السيدة منانة الخراز. ولما كانت منانة الخراز تتمتع به من صوت حسن وإتقان الضرب على العود أسست جوقا باسمها كان يضم الفنانات والمغنيات السيدات: 1) السيدة عائشة بنت محمد مبروك على الكمان؛ 2) ثم السيدة منانة بنت محمد الليتي على الطار؛ 3) السيدة عائشة بنت أحمد الكبداني على الدربوكة؛ وأحيت منانة الخراز عدة حفلات وطنية بعد الاستقلال، فكانت تجمع التبرعات لشهداء الجزائر، وهم في عز الدفاع عن استقلال بلادهم، كما كانت تقوم بإحياء حفلات موسيقية تخصص مداخيلها لأبناء شهداء المغرب. ومنانة الخراز أول امرأة تطوانية مثلت الوجه الفني المغربي النسوي الأصيل خارج حدود المغرب، ويكفيها فخرا واعتزازا الحفلات الموسيقية التي أحيتها في كثير من الدول الغربية، من بينها السهرة الكبري التي أحيتها بمسرح الأوبرا بباريز. وتعد الفنانة منانة الخراز أيضا أول امرأة على المستوى الوطني تحاور الرجل في أغنية واحدة، وتردد مقاطعها بين اثنين مما عد في وقته حدثا فنيا كبيرا، فقد كانت أغنية "جاوبني يا حبيبي" التي غنتها مع الفنان الكبير عبد الصادق أشقارة من روائع الأغاني الشعبية التي نالت نجاحا كبير، لرقة الكلمات، وحسن الأداء، وبلاغة التلحين، حيث ظلت ترددها الأجيال وما زالت إلى يومنا هذا. توفيت منانة الخراز يوم السبت 17 نونبر سنة 1984. رحمها الله. عن "الأجواء الموسيقية بتطوان وأعلامها" لمؤلفه محمد الحبيب الخراز (بريس تطوان) يتبع...