احتراق سيارة على الطريق الساحلية بين الجبهة والحسيمة    طنجة.. حملة أمنية واسعة في عدد من الأحياء الشعبية (فيديو)    المغرب يستقبل 4 ملايين سائح في الربع الأول من 2025    هاكرز جزائريون يخترقون موقعي وزارة الفلاحة ووزارة العلاقات مع البرلمان بالمغرب    علماء ودعاة مغاربة يُدينون رسوّ سفن أمريكية تحمل عتادًا موجّهًا للاحتلال الإسرائيلي        تحسن ملحوظ في نسب امتلاء سدود المغرب مقارنة بالعام الماضي        مسرحية ديموغرافية بإخراج جزائري: البوليساريو يخدع الأمم المتحدة    بالصور : تفاصيل حول عملية توسعة المركب الرياضي محمد الخامس    مستقبل الصحافة في ظل التحول الرقمي ضمن فعاليات معرض GITEX Africa Morocco 2025    لوموند: فتح تحقيق قضائي بفرنسا حول تورط النظام الجزائري في اختطاف المعارض أمير دي زد    ماذا لو توقفت الأرض عن الدوران فجأة؟    الجزائر تحتج على قرار قضائي فرنسي    أمطار تربك حركة المرور في تنغير    الأمن يوضح بشأن اقتحام مسجد    لا غالب ولا مغلوب في قمة ديربي الدار البيضاء    اجتماع هام بالرباط لدعم وتطوير البنية التحتية الرياضية بوزان    بعد فضيحة تسريب البيانات.. CNSS يتنصّل من المسؤولية ويكتفي بعبارات الأسف!    حملة أمنية غير مسبوقة تنتهي بتوقيف مروجي الكوكايين ومبحوث عنهم بإقليم الدريوش    البطولة: الديربي البيضاوي ينتهي بلا غالب ولا مغلوب والوداد يفوت فرصة الارتقاء إلى الوصافة    التعادل الإيجابي يحسم ديربي البيضاء بين الرجاء والوداد    التازي ومورو يشاركان في اجتماع هام مع وزير الداخلية    تدشين فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالفنيدق    مقاييس التساقطات المطرية خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الأحد    توقيع اتفاق مغربي إسباني لتسريع دراسات مشروع الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق    تعليمات خاصة من مورينيو للنصيري قبل مواجهة سيفاس سبور    إيران والولايات المتحدة سيستأنفان محادثات البرنامج النووي الأسبوع المقبل    ما صحة الأنباء المتداولة حول تغيير موعد الانتخابات الجهوية والتشريعية؟    حادث مطار فاس : راعي غنم مصاب يهمل وطاقم الطائرة يعالج في مصحة خاصة    حاجيات الأبناك من السيولة فاقت 131 مليار درهم خلال مارس 2025    الدوزي يمنع من دخول أمريكا بسبب زيارة سابقة له للعراق    مندوبية التخطيط: تراجع قيم الواردات مدفوع بانخفاض أسعار الطاقة والمواد الغذائية    بين أعمدة الأطلس وأروقة برلين .. شراكة اقتصادية تولد من رحم التحديات    بنسعيد: المغرب يخطو بثبات نحو الحداثة والتقدم    أمسية فنية استثنائية للفنان عبد الوهاب الدكالي بمسرح محمد الخامس    تزامنا مع المعرض الدولي للكتاب.. قضايا الصحافة والخطأ القضائي والعدالة الرقمية في صلب اهتمامات العدد الجديد من مجلة "محاكمة"    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    "واتساب" تطلق 12 ميزة جديدة لتحسين الأداء وسهولة الاستخدام    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    أهازيج الرمال توحد القلوب في محاميد الغزلان    بحضور سفير الهند.. الإخوة بلمير يطلقان فيديو كليب 'جاية'    الصناعة التقليدية بإقليم العرائش في قلب تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 سبل النهوض وتجاوز الإكراهات والمعيقات التحديات والفرص    عبد الصمد المنصوري يحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا    فرنسا توجه الاتهام لموظف في قنصلية جزائرية باختطاف أمير ديزاد.. قنبلة دبلوماسية في قلب باريس    فراقشية الصحافة.. من يوقف هذا العبث؟    المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم داخل القاعة يفوز وديا على نظيره الصيني (8-0)    "كارولينا الجنوبية" تواصل تنفيذ أحكام الإعدام بالرصاص    الولايات المتحدة وفرنسا تمران للسرعة القصوى بتنسيق مع المغرب لإغلاق ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي    الوداد يحتفل بمشاركته في مونديال الأندية بمهرجان فني    الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواقع التواصل الاجتماعي: بين حقيقة الواقع ومتاهات الخيال
نشر في بريس تطوان يوم 29 - 06 - 2020

عرفت مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة طفرةً نوعيةً تمثلت في إقبال جميع طبقات المجتمع عليها بحيث لم تعد فقط حكراً على الفئة المثقفة وجيل الشباب بجنسيه (الخشن واللطيف)، وإنما أصبحت ملاذاً محبوباً تتقاطر عليه كل الفئات العمرية بدءاً من الصغير الذي لم يتعلم المشي بعدُ، مروراً بالشاب وبالكهل وانتهاء بالمُسن الذي قد تخونه قدماه إذا لم يتكئ على عكازه.
لقد أسهمت مجموعة من العوامل التي جعلت الناس يقعون في شباكها، ويتعلقون بها، ولا يستطيعون الفكاك منها. لعل أهمها سرعة وسهولة استخدامها، وكذا بساطتها حيث أضحى الوصول إلى هذه الشبكات بمختلف أنواعها ومُسمياتها: فيسبوك (Facebook). تويتر (Twitter) يوتيوب (YouTube) لينكد إن (Linked in). بنترإيست (Pinterest) جوجل بلس (Google Plus) تمبلر (Tumblr) إنستغرام (ب (Instagram) ماي سبيس (Myspace). متاحا وفي متناول الجميع، وذلك بغض النظر عن مجمل الفروق التعليمية والفواصل المعرفية والتفاوت الاجتماعي، فالأمر لا يتطلب في نهاية المطاف سوى معرفة متواضعة بكيفية ولوج شبكة الإنترنيت، وتقنيات سهلة جدا لاستخدام الهواتف الذكية التي تُمكن المستخدم من التواصل مع من يشاء، وفي أي وقت يشاء، وفي أي مكان شاء. فالعالم أصبح فعلا عبارة عن قرية صغيرة يمكن لأي واحد منا، ودون جواز سفر ودون تأشيرة، التجول في مختلف شوارعها وأزقتها، بل تعدى الأمر إلى درجة اقتحام كل بيوتها المشرعة أو الموصدة.
لقد غزت مواقع التواصل الاجتماعي جُل بيوتنا إلا من رحم ربك، واستطاعت التقريب بين أفراد عائلاتنا المغتربين في شتى أصقاع العالم، كما جعلتنا نعيش معهم مختلف لحظات السعادة والفرح ونتقاسم معهم مشاعر الحزن والألم، إلا أنها خلقت، في المقابل، نوعا جديدا غير مسبوق من التباعد بين أفراد الأسرة الواحدة، وأدت إلى خلق فجوة واسعة بينها، وكسرت لُحمة العائلة وجمعها وغيبت الألفة، فاختفى الحوار، وأصبح اللقاء جسديا. أما اللقاء الروحي فالله وحده يعلم أين ذهب وكيف غاب واختفى؟
إن المتتبع الواعي لهذه الظاهرة سيكتشف دون شك أن هذه المواقع أضحت صحيفة خاصة بالفرد أُنشأت لكتابة المقالات، والإخبار عن الإصدارات، وهي بمثابة قناة للتعرف على الأصدقاء، ونشر الأنشطة واليوميات من صور وفيديوهات، كما أنها وسيلة سهلة ومجانية (طبعا ننسى أننا نصرف جزءا من مالنا للاشتراك في الأنترنيت واقتناء مستلزمات الهاتف، إلى غير ذلك من الإكسسوارات) لتقديم التهاني في المناسبات والأفراح أو واجبات العزاء والمواساة في الأتراح.
إلا أن اللافت للنظر هو بروز بعض الظواهر الجديدة التي بدأت تطفو تدريجيا على السطح لتؤسس لها مسارا موازيا مع هذا الإقبال الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتمثل في مشاركة المعلومات الخاصة جدا، وحفلات أعياد الميلاد والأفراح، وذلك إما بصور واضحة فاضحة تُكسر خصوصية الشخص الأسرية أو فيديوهات مباشرة تُشرك الغرباء في كل أطوار تلك الحفلات. وغدا الاطلاع على أخبار الآخرين موضةً لها عشاقها ومحترفوها، و صار إظهار السعادة والرفاهية (وإن كانت وهمية) من تجليات الرقي والاصطفاف في طابور البرجوازية. وأصبح الكل يتنافس ويتهافت من أجل إظهار انتسابه إليها، حتى لو كلف الأمر اقتراض الديون، والدخول في متاهات مالية من الممكن أن تتسبب في كوارث أسرية. فالتفاخر بشراء السيارات الفارهة، والسفر في أرجاء العالم تحول إلى لغة يتقنها الفيس بوك والانستغرام وأخواتهما.
ويا ليت الأمر يقف عند هذا الحد ولا يتعداه. بل إن هذه المواقع طورت من نفسها، وحسنت من جودتها، ونقلت إليك المحلات التجارية الكبرى، والماركات العالمية، ووضعتها بين يديك وفي عمق دارك، وبتسهيلات في الأداء فيمكنك اقتناء ما تشتهيه نفسك في رمشة عين، وأنت مستلق على سريرك كما لو أنها تُهدى إليك مجانا. عليك فقط تعبئة الاستمارة، وتصلك البضاعة المشتهاة إلى البيت. انخرط بعض رواد هذه المواقع في مثل هذه العمليات، وانغمسوا فيها، وقد لا يستفيقون من المقلب إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن تتوالى الاقتطاعات من الراتب الشهري، ويجد الشخص نفسه مشرفا على الإفلاس. فالسهولة في الأداء، والسرعة في التوصيل، وكثرة التخفيضات الماكرة تجعل الإنسان لقمة سائغة في فكي الإشهار.
على المستوى الاقتصادي لابد من الإقرار أن هذه المواقع كان لها دور لا يستهان به في خلق فرص عمل جديدة لبعض الشباب الذين انتهزوا الفرصة بشكل جيد، لكن أسهمت كذلك في تحطيم القيم العليا و في تدمير الأخلاق داخل المجتمعات، وما كان إلى حدود الأمس القريب حراما يأبى الكثيرون الاقتراب منه أو عيبا تعافه الأنفس غدا اليوم مُستباحا و "إتكيت" حضاريا. ويتجلى هذا بوضوح في إنشاء مجموعة من القنوات التي تُقدم، طلبا للمال، ما يُعرف بروتيني اليومي، والتي تحولت بشكل فاضح إلى قنوات للخلاعة، وقلة الأدب، وعرض المفاتن ما ظهر منها وما خفي. وقد ترتب عنها تزايد الرواد المدمنين على متابعة صويحباتها، مُتخلين عن مختلف واجباتهم الأسرية، وقد حجزوا لأنفسهم مكانا إما داخل البيت في ركن قصي بعيد عن الأنظار أو في مقهى منزويا في ركن شبه مظلم، هذا في الوقت الذي تنخرط فيه الأم في الحديث أو الثرثرة ضمن مجموعات رياضية أو في مجموعات في العمل أو مجموعات أخرى. وقد تتجول دون هدف أو بوصلة في الفيس بوك أو الانستغرام إلى أن تتربص بها بعض التماسيح التي تنتهز فرصة الفراغ الذي تعانيه فتقع فريسة علاقات مشبوهة قد تكون سببا مباشرا في خراب عشها الزوجي، وفي تفكك أسرتها أو الدخول في متاهات لا يمكن الخروج منها إلا بشق الأنفس أو بعاهة نفسية مستديمة.
فهذه الفئة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أُطلق عليهم مجازا اسم "التماسيح"، وهم في أغلب الأحيان يتسترون تحت قناع يرسم ملامح رجل طيب ينحدر من مستوى اجتماعي راق. قد أُجبر على الزواج من إحدى قريباته التي لم تعد تملأ عينيه بسبب الألفة وطول العشرة، أو يتعلل بانشغال الزوجة عنه وإهمالها لها. أو يزعم أن المرض أقعد زوجته. وفي جميع هذه الحالات التي قد تختلف فقط في بعض التفاصيل فإن هذا الرجل التمساح يجد ويكد بحثا عن امرأة تتفهمه، وتُقدره، وتُصغي باهتمام بالغ لمعاناته، لتبدأ بعد ذلك سلسلة متتابعة من الحلقات لفيلم خيالي يُستعصى على التصوير. وحينما تتماهى الأم المسكينة مع الشخصية المغلوب على أمرها لتلعب دور البطلة في عالم افتراضي وتعيش عالما افتراضيا يقتات من وقت أطفالها و من أركان بيتها. في هذه اللحظات نفسها التي تتأجج فيها المشاعر يكون الأطفال قد حجزوا لهم مكانا في مجموعات للألعاب الإلكترونية التي تغزو ذلك الفضاء الرحب بكل الأنواع ولكل الأعمار. وهكذا يُصبح كل فرد يعيش عالمه الخاص، ويغوص في مشاعره الخاصة. كل ذلك يتم تحت غطاء ما يُسمى بالأسرة. هيهات هيهات لم يتبق من الأسرة غير اسمها. فكم من رجل ناضج ضيع أمان بيته، وحطم أسرته، وكم من سيدة محترمة ندمت بعد فوات الأوان، وكم من أطفال انتحروا غبنا، وكم من أسر تشردت.
وإذا ما سلم الفرد من شهوة التبضع الإلكتروني أو نجا من متاهات الألعاب المتقنة التي سلبت ألباب الكبير قبل الصغير أو قاوم بشراسة إغراءات الغزل العفيف أو غير العفيف فإن هذا لا يعني بأي حال من الحال أنه قد نفذ بجلده، فقد يقع دون أن يدري في أيدي فيالق إلكترونية مدربة تُفتي دون علم و تُحرض على القتل، و على استباحة الدماء لمجرد اختلاف في الرأي أو في العقيدة.
وفي أحسن الحالات فإن مواقع التواصل الاجتماعي، تحولت إلى فضاء مفضل لتصفية الحسابات المهنية أو العائلية عن طريق التشهير أو الانتقاص من شخصية المستهدف أو تحقيره ويدخل ذلك في إطار التوضيح وكشف المستور، وغدت وسيلة مناسبة لتكوين فُتوات جدد، لكن هذه المرة ليس في حارات الأفلام المصرية أو في روايات نجيب محفوظ وإنما هي فُتوات افتراضية تصطف لمواجهة كل من يختلف معها في الفكر أو في التنظير. وقد تُولد لدى الكثيرين مشاعر الحسد والضغينة عند النظر إلى حياة الآخرين التي تبدو مثالية على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
جملة القول إن التعاطي مع مواقع التواصل الاجتماعي عن قرب جعلنا نُدرك جيدا مدى الخطورة التي تحدق بنا، وتبين لنا حجم المشاكل التي من الممكن أن تترتب عنها إذا نحن لم نحسن استعمالها (قلما نحسن استعمالها). هي قنابل موقوتة تحيط بنا من كل جانب. لا أحد يُمكن أن يتكهن متى تنفجر في وجوهنا، ولا أحد يستطيع تقدير مقدار الخسائر التي قد تنجم عنها. نجانا الله ونجاكم من الخسائر الفايسبوكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.