كان بإمكان أجهزة حزب العدالة والتنمية المركزية أن تخلص سكان تطوان من كابوس فاشل سياسيا كإدعمار، لكنها لم تفعل رغم كل الانتقادات الموجهة له كفاعل سياسي (فنحن لا نناقش شخصه ولا ما هو خارج إطار الفعل السياسي)… لكن يبدو أن لقيادة الحزب معايير أخرى لا يدركها باقي البشر، وبطبيعة الحال فموقف الحزب هو الحاسم ما دامت تطوان لم تنتفض كلها، بعد، ضد تدبير إدعمار لشؤونها في الجماعة الحضرية وتمثيله المنعدم لها بالبرلمان… طبعا حافظ البيجيدي على قاعدته الانتخابية بمناسبة الانتخابات الجماعية الأخيرة بتطوان، لسنة 2015، لأسباب معروفة، سواء كان إدعمار مرشحا أم لا… لكن إدعمار لم يعد لرئاسة الجماعة سوى نتيجة لمساومات رخيصة لا يمكن حتى وسمها بالسياسية لأنها مجرد تشابك لمصالح شخصية جمعت بين أفراد تحت يافطات سياسية عشوائية متنوعة… وعاد إدعمار لمواصلة تدميره للمدينة وهويتها الخاصة متحالفا مع “الشياطين” بدون تردد! يكفي إلقاء نظرة على ما يكتب أو الإصغاء لما يروج في المدينة للاقتناع بأن إدعمار صفقة سياسية خاسرة على المدى الطويل، توازي تلك التي قامتبها أحزاب أخرى، في السابق، وأدت إلى اندثارها هنا… لكن لقيادة الحزب معاييرها حتى ولو لم تتقاطع مع معايير أغلب سكان المدينة! خروج تطوان عن السيطرة من حيث البناء العشوائي، تحول تطوان العتيقة والحديثة إلى سوق عشوائي (يضمن خزانا هائلا من الأصوات الانتخابية لمشجعيه ومنافع أخرى)، القضاء المنهجي على الطابع التاريخي للمدينة من خلال استهداف العديد من معالمها…الخ! لحسن الحظ أن مصير المدينة ليس بيد إدعمار لوحده وإلا لكانت قد تحولت إلى قرية مغمورة منذ مدة… وكان بإمكان قيادة البيجيدي، طبعا، أن تعتبر النقد الموجه لإدعمار كنقد غير محايد أو صادر عن معارضين سياسيين للحزب. لكن هذا الوهم انهار منذ أكثر من سنة تحت ضربات الأمين بوخبزة، وهو مؤسس الحزب في تطوان وراعيه لمدة طويلة. وقد قال بوخبزة في أخيه في الله وفي الحزب، إدعمار، ما لم يجرؤ أي معارض للبيجيدي قوله. وتجاوزت انتقاداته الأداء السياسي والتدبيري لإدعمار إلى المس بذمة الناس والطعن في أخلاقهم… كما أن آراء أخرى صدرت مؤخرا من محيط الحزب تسير في نفس الاتجاه… فماذا كان رد البيجيدي؟ اعتبار بوخبزة مريضا نفسيا (على غرار السلوك الستاليني المعروف) وتجميد عضويته أو طرده من الحزب أو الله أعلم (فلقد غابت عن الجزب كل شفافية في معالجة هذا الموضوع وكأنه شأنه داخلي فقط رغم انفجاره المدوي في الساحة)… وعاد إدعمار وتجددت الانتقادات الموجهة له على الساحة التطوانية العمومية… بل أن إدعمار خسر حتى ثقة مناضلي الحزب الذين اقترحوا بنونة كوكيل للائحتهم الانتخابية البرلمانية المقبلة بتطوان! والكل يعرف بأن تحكم إدعمار في الأجهزة الحزبية يعطيه موقعا مهيمنا لحظة اختيار وكيل لائحة الحزب. لكن هذا لم ينفعه لأن قدراته التدبيرية الضعيفة صارت معروفة لدى الجميع. فهل من مقياس آخر أكثر دلالة من هذا على تدهور سمعة إدعمار؟ وبطبيعة الحال تحدت قيادة البيجيدي الرأي الحزبي الخاص بتطوان، كما سبق لها أن تحدت الرأي التطواني العام، في السابق، من خلال “السخرية” البنكيرانية الجارحة، وعادت لاختيار إدعمار كما تسمح لها “المساطير” الداخلية بذلك، وكأن الأمر مجرد إجراء تقني مسطري… والأكيد أن يوم الحساب سيأتي ليدفع البيجيدي ثمن هذا الاستخفاف، كما دفعه سابقا الميزان والحصان والوردة وغائب الحمامة… وإن غدا لناظره قريب!