موضوع يتعلق بالأكاديمية ويحمل لقب الدكتوراه. ولقد أثارت هذه الكلمة العديد من الأسئلة حول هذه المفاهيم ورأيت أن ألقي بعض الأضواء على هذا الموضوع... ونبدأ بمفهوم كلمة أكاديمية (Academy) وهي في الأصل اسم لحدائق عامة خارج أثينا في اليونان القديمة وكان الفيلسوف بلوتو يقابل فيها تلاميذه وأتباعه ويلقنهم مبادئه وتعاليمه. وهكذا أصبحت مدرسته هذه غير الرسمية تعرف باسم أكاديمية. واستعملت كلمة أكاديمية لتعني مدرسة أو معهدا لتلقي العلم والمعرفة، وأطلقت في ألمانيا لأول مرة عام 1648م على مدارس تعليم الفروسية. وفي أواخر القرن السابع عشر بدأ إطلاق اسم أكاديمية على مدارس ثانوية دينية لتعليم الدين لتلاميذ بعض الطوائف الدينية في إنجلترا، وفي أمريكا بدأ اسم أكاديمية يفقد طابع المدارس الدينية وأطلق في القرن التاسع عشر على المدارس الثانوية الخاصة ذات النظام الداخلي. وفيما بعد تحولت هذه المدارس المعروفة باسم أكاديميات إلى كليات جامعية أو مدارس عالية لإعداد الطلاب للالتحاق بالجامعات. وفي عصرنا هذا أطلق اسم أكاديمية على مدارس تعليم الرقص والمبارزة وركوب الخيل وتعليم الحلاقة والتجميل. ويطلق أيضا اسم أكاديمية على المدارس التي تعد طلبتها لمهنة معينة، ففي أمريكا مثلا الأكاديمية العسكرية والأكاديمية البحرية وأكاديمية القوات الجوية. وتطلق كلمة أكاديمية أيضا على تجمعات المشتغلين بمهنة معينة بغرض الارتقاء بهذه المهنة مثل أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة (السينما) في أمريكا وهي التي تمنح جائزة الأوسكار سنويا لأحسن الأفلام والممثلين والمخرجين والمنتجين والمصورين وكتاب السيناريو والموسيقى التصويرية والملابس والديكورات إلى آخره. وأما عن الأكاديمية التي تعني تجمعات الأشخاص المتعلمين – من غير أساتذة الفلسفة – فقد بدأ إطلاقها على تجمعات للكتاب والأدباء والعلماء والفنانين من أجل تقديم الأدب والفنون والعلوم. وفي القرن الخامس عشر نشأت أكاديميات عديدة في إيطاليا تحت رعاية الحكام الإيطاليين، ومن أشهر هذه الأكاديميات أكاديمية نابولي التي أنشئت عام 1603م وضمت بين أعضائها العالم المكتشف جاليليو جاليلي. وفي عام 1616م أنشئت الأكاديمية الملكية في لندن. وانتشرت الأكاديميات التي تضم صفوة العلماء والمفكرين والأدباء والفنانين في أوربا ومن الأكاديميات ذات الطابع العريق والمستوى الرفيع أكاديمية العلوم السوفيتية التي تضم صفوة العلماء. وتهدف الأكاديميات إلى نشر العلوم والمعارف وتقدمها وتعقد الأكاديميات المؤتمرات العلمية وتصدر المجلات الدورية والكتب ذات المستوى الأكاديمي البحت التي لا يفهمها سوى كبار العلماء والمتخصصين. وفي نفس الوقت فإنه لا يفوت هذه الأكاديميات أن تصدر مجلات هدفها تبسيط العلم والمعرفة في جميع المجالات يستطيع أن يفهمها غير المتخصصين. وأما لقب أكاديمي الذي يطلق على الأشخاص فإنه يعني درجات مختلفة من العلم والمعرفة فهناك كلمة أكاديمي (Academic) بمعنى الطالب أو المدرس في مؤسسة علمية، وهناك أيضا أكاديمي (Academician) وتعني عضو الأكاديمية. ومن هنا فإن كل مشتغل بالعلم والفكر والأدب والفنون يعد أكاديميا وربما يؤخذ في الاعتبار لتقييم أكاديميته إنتاجه العلمي وبحوثه ومقالاته وكتبه قبل النظر إلى الدرجة العلمية الحاصل عليها. ويذكر أنه منذ مدة أربعين عاما عندما كان أستاذ سوفيتي أكاديمي يتحدث إلى تلاميذه من الحاصلين على الدكتوراه والدارسين لها، وكان يطلب منهم أن يعيدوا كتابة البحث عدة مرات حتى تكون لغته راقية وضرب لهم مثلا بتولستوي الذي كان يعيد كتابة الجملة عشر مرات. وأضاف الأستاذ قائلا في شبه تهكم أرجو ألا تحتجوا بأن تولستوي لم يدرس بالجامعة ولم يحصل على شهادة جامعية مثلكم. وكان هذا أبلغ اعتراف من أكاديمي عريق على أن الدكتوراه ليست غاية المنتهى ودليل بلوغ قمة العلم والمعرفة. وفيما يتعلق بدرجة الدكتوراه فهي درجة علمية تمنح لمن يستوفي شروط الحصول عليها. فعادة يختار طالب الدكتوراه موضوعا معينا يجري فيه دراسته وأبحاثه تحت إشراف أستاذ يقدم للطالب النصح والمشورة والتوجيه والمساعدة. ويقوم الطالب بكتابة رسالة يجيزها المشرف وتعرض على لجنة الممتحنين التي تناقش الطالب في رسالته فإذا أجازتها منح الطالب درجة الدكتوراه وقد يطلق على درجة الدكتوراه أسماء مختلفة وكلها تعرف عادة باسم درجة دكتوراه الفلسفة (PH.D) وعرفت بهذا الاسم لأن الطالب يحاول أن يقدم في رسالته شيئا جديدا مبتكرا في فروع العلم والمعرفة، وهكذا نجد دكتوراه الفلسفة تمنح في التخصصات المختلفة في الكيمياء والعلوم الزراعية والطبية والعلوم الإنسانية والبيولوجية وغيرها من التخصصات. وتعتبر درجة الدكتوراه جواز المرور إلى الأوساط العلمية حيث بدأ الحاصل على الدكتوراه في العمل لمدة عام أو عامين كباحث بعد الدكتوراه في معمل أحد الأساتذة لكي يجري البحوث والدراسات التي تكسبه الخبرة حتى يبدأ يعد ذلك في الاعتماد على نفسه ويشق طريقه العلمي الطويل. وليس ضروريا أن يصل كل حاصل على الدكتوراه إلى المكانة الأكاديمية بمعناها الحقيقي فغالبا ما يتجه كثير من الدكاترة في أوربا وأمريكا إلى الأعمال الخاصة والشركات بعيدا عن العلم والبحث وربما لا ينشروا شيئا من رسالة الدكتوراه. وما زلت أتذكر أنني كنت أشاهد التلفاز الأمريكي رجلا يقدم إعلانا عن شركته المتواضعة في المدينة والتي تقوم بالكشف على مواسير المياه بالمنازل لإصلاحها لمنع التسرب وكان هذا الرجل يقدم نفسه في الإعلان بأنه حاصل على الدكتوراه في الفلسفة وإن لم يذكر في أي تخصص حصل عليها. ويمكن القول بأن حامل الدكتوراه قد يكون أكاديميا أو تقف أكاديميته عند حد الشهادة التي حصل عليها كما أن الكثيرين من الأكاديميين غير حاصلين على لقب الدكتوراه. وأن المجلات الأكاديمية البحتة قاصرة على عدد معين من المتخصصين والباحثين. كما أن المجلات الهادفة الجادة التي تبسط العلم والمعرفة بأقلام المتخصصين هي بلا شك مجلات لها طابع أكاديمي يخدم قطاعا كبيرا من القراء. ولابد أن نأخذ في اعتبارنا أن عملية تبسيط العلم ونقل المعلومات عملية صعبة. فكثيرا ما نرى أن علماء (كبارا) فشلوا كمحاضرين لعجزهم عن توصيل العلم والمعرفة إلى تلاميذهم وأن محاضراتهم تكاد تخلو من الطلبة الذين انصرفوا عنهم. وأخيرا نختتم هذا المقال ببالغ الأسى والأسف لما نراه في بلادنا العربية عن وجود أكاديميين ودكاترة على الرصيف... ! **---**---**--- والله الموفق 2014-11-28 محمد الشودري