دورتموند يهزم مونتيري بالموندياليتو    محسن متولي يُجدد عقده مع اتحاد طنجة لموسم إضافي    أطفال يفترشون الأرض أمام المركز الوطني للتخييم بالغابة الدبلوماسية.. مشاهد صادمة تستدعي تدخلاً عاجلاً!    سكان كتامة وإساكن يعيشون في ظلام دامس منذ أسبوعين.. والأجهزة معطلة بسبب انقطاع الكهرباء    31 قتيلا و2862 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    خمس سنوات حبسا نافذا في حق محمد بودريقة بتهم تتعلق بالنصب والتزوير    ملتقى فني وثقافي في مرتيل يستكشف أفق البحر كفضاء للإبداع والتفكير    إيلون ماسك يتوعد بتأسيس حزب جديد في أمريكا وترامب يهدد بقطع الدعم الفيدرالي    كاريكاتير في مجلة "LeMan" في تركيا يشعل حالة غضب ويؤدي إلى اعتقالات واسعة    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 54 ألف شخص ضمنهم 3 آلاف في العالم القروي    مليون شاب دون تكوين أو تمدرس أو شغل... السكوري: أعداد "NEET" تشهد تراكما مقلقا    كأس أمم إفريقيا للسيدات (المغرب-2024): لاعبات المنتخب الوطني "متحمسات لانطلاق المنافسات" (خورخي فيلدا)    حكيم زياش مهدد بالسجن وحجز الممتلكات.. اكتشف السبب    الصويرة.. إحباط محاولة تهريب ثلاثة أطنان و30 كيلوغراما من مخدر الشيرا وتوقيف ثلاثة أشخاص    عاجل.. المحكمة تدين محمد بودريقة ب5 سنوات حبسا نافذا    ساكنة حي اشماعو بسلا تستنجد بالسلطات بسبب سيارة مهجورة    انطلاقة قوية للمناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي تُبرز طموح المغرب للريادة الرقمية (صور)    مهرجان موازين يستقطب أكثر من 3,75 مليون متفرج ويحتفي بأزيد من 100 فنان عالمي    حزب الاستقلال يكتسح الانتخابات الجزئية بإقليم الحسيمة    غبار كثيف يرافق هبوط طائرة بوينغ 747 بمطار الحسيمة ومصدر يوضح    نشطاء حقوقيون ينتفضون ضد "تعديلات تقييدية" على المسطرة الجنائية    الريال يتخطى اليوفي بمونديال الأندية    الحكومة تفلت من الإسقاط في فرنسا    المغرب يُعزز موقعه كشريك موثوق في مكافحة الاستغلال الجنسي داخل عمليات الأمم المتحدة    ميتا تعلن إحداث مختبر للذكاء الفائق    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المنظمة العالمية للأرصاد الجوية .. على الجميع التأقلم مع موجات الحر    تأكيد الحكم بالسجن خمس سنوات بحق الكاتب الجزائري بوعلام صنصال    عبد اللطيف حموشي يستقبل رئيس جهاز الاستخبارات الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    المغرب والسعودية عازمان على توطيد التعاون الاقتصادي    السغروشني: الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارا تقنيا بل ضرورة سيادية للمغرب    شيرين عبد الوهاب تتعثر فوق مسرح "موازين" وغادة عبد الرازق تصفق للظلّ    الكشف عن الأغنية الرسمية لكأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    تقارير تفتيش تكشف تلاعبات مالية في شراكات "وهمية" بين جماعات ترابية وجمعيات يترأسها أقارب وزوجات المنتخبين    شيرين تهدد باللجوء الى القضاء بعد جدل موازين    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    غوارديولا: بونو وراء إقصاء "السيتي"    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    بعد انخفاضات محتشمة... أسعار المحروقات تعود للارتفاع من جديد بالمغرب    "أونروا": 500 قتيل و4000 جريح أثناء محاولتهم الحصول على الطعام بغزة    الهلال السعودي يواصل الحلم بقيادة ياسين بونو.. مباراة ملحمية وبصمة مغربية حاسمة    أكادير تحتضن أول مركز حضاري لإيواء الكلاب والقطط الضالة: المغرب يجسّد التزامه بالرفق بالحيوان    العصبة تحدد موعد فترة الانتقالات الصيفية وتاريخ إجراء قرعة البطولة الاحترافية    فتح بحث قضائي في ملابسات تورط أحد أفراد القوات المساعدة في قضية تحرش وابتزاز مادي    آسفي... كأس الفرح وصرخة المدينة المنسية    وقت الظهيرة في الصيف ليس للعب .. نصائح لحماية الأطفال    حرارة الصيف قد تُفسد الأدوية وتحوّلها إلى خطر صامت على الصحة    إصلاح نظام الصرف يندرج في إطار الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تعزيز مرونة الاقتصاد الوطني    إبداع بروكسل يفك الحصار عن غزة    الصويرة تحتضن مؤتمر المدن الإبداعية 2026    أكثر من 900 قتيل في إيران خلال الحرب مع إسرائيل    الخطوط الملكية المغربية توسع شبكتها الدولية بإطلاق أربع وجهات جديدة    الصحة العالمية تحذر: الهواتف ووسائل التواصل تعزز مشاعر الوحدة        ضجة الاستدلال على الاستبدال    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معنى الحياة
نشر في بريس تطوان يوم 03 - 09 - 2014

لو تساءلنا:"ماذا تعني الحياة ؟". لوجدنا أن هذا التساؤل نفسه يحمل بدوره علامات استفهام كثيرة، يدور جانب منها حول مدلول كلمة "يعني"، ويدور الجانب الآخر منها حول مدلول كلمة "الحياة" ونحن حين نتحدث في العادة عن "معنى" أية عبارة أو أي قول، فإننا نقصد بهذه الكلمة "دلالة" هذه العبارة أو "مضمون" ذلك القول. وقد أجد نفسي بإزاء عبارة يقولها أحدهم فلا أفهم مراده، أو لا أدرك مقصده، وعندئذ قد يحدث أن أسائله :"ماذا تعني بهذه العبارة ؟".
ولكن المفروض في "العبارة" أن تجيء حاوية لمعناها، بحيث تكون دلالتها متضمنة في ثناياها. وحين يقول بعض الفلاسفة المنطقيين أن معنى أية عبارة متضمن في صميم تركيبها اللغوي، فإنهم يعنون بذلك أن في وسعنا عن طريق التحليل اكتشاف هذا المعنى، على شرط أن يكون تركيب العبارة سليما.. ولكن، هل يكون معنى الحياة متضمنا – على هذا النحو – في باطن الحياة نفسها ؟ أو بعبارة أخرى: هل نجد سبيلا – عن طريق التحليل – إلى استخلاص "معنى الحياة" من صميم الحياة ؟ لاشك أنه لن يكون في استطاعتنا أن نجيب على هذا السؤال بالإيجاب، فإن الحياة أعقد من أن تكون مجرد "ظاهرة مركبة" يمكننا أن نحللها إلى عناصرها البسيطة، كما نحلل العبارة "مثلا" إلى مفردات..
ثم هناك صعوبة أخرى تكمن في كلمة "الحياة" نفسها: إذ ما الذي نعنيه هنا بهذه الكلمة ؟ هل نعني بها حياة الفرد، أم حياة النوع؟ أو بعبارة أخرى : أترانا نتحدث هنا عن حياة الإنسان، أم عن حياة البشرية بأسرها ؟ وهل نشير بهذا اللفظ إلى الحياة البيولوجية على المستوى الطبيعي الصرف، أم نحن نتحدث أيضا عن الحياة النفسية والاجتماعية والحضارية للكائن البشري، بكل ما تنطوي عليه من تنوع ووفرة وتعقيد ؟ وإذا افترضنا أن لحياة النوع البشري – ككل – "معنى"، فهل ينسحب هذا "المعنى" على حياتي – كفرد – ؟ وإذا كان في استطاعتنا أن نفسر الحياة البيولوجية الصرفة (على افتراض أن ثمة مبدأ علميا أو مبادئ علمية تتكفل فعلا بتفسيرها، فهل نكون بذلك قد فسرنا حياة ذلك "الكائن الحضاري" الذي استطاع أن يخترع اللغة، والعلم، والآلة، والتقنية.. الخ ؟ !!
كل تلك أسئلة يأخذ بعضها برقاب البعض الآخر، وهي تحتاج إلى الكثير من التأمل والتفكير قبل أن يكون في استطاعة أي باحث الإدلاء بأي رأي (يقينيا كان أم ظنيا) فيما تتضمنه من مشكلات. ولكن الذي لاشك فيه أن الفيلسوف المعاصر حين يتحدث عن "معنى الحياة" فإنه يعتنق في العادة وجهة نظر الموجود الفرد الذي يثير هذه القضية لحسابه الخاص، محاولا تأكيد وجوده الذاتي في وجه شتى إمارات "اللامعقولية" و"العبث الشامل"و"عدم الاكتراث" بل و"الموت" !! فالإنسان الذي يثير هذه المشكلة : إنما هو ذلك "الموجود الناطق" الذي لا يستطيع أن يتصور أن تكون الحياة مجرد "أقصوصة يرويها أحمق" لأنه هو نفسه "كاشف المعاني" و "خالق القيم"، بل لأنه الموجود الذي يشعر في قرارة نفسه أنه لولاه هو، لصارت الحياة خلوا من كل معنى أو قيمة !.
بيد أن البعض قد يقول أنه أيا كانت الحياة، فإنها لا يمكن أن تنطوي على أي "معنى"، مادام "الموت" هو الخاتمة الأليمة التي لابد من أن تجيء فتذرو هذه الحياة مع الرياح ! وأصحاب هذا الرأي يؤكدون أن سم الموت هو الذي يجعل للحياة طعم الرماد ! وإلا، فقل لي – بربك – ماذا تعني حياة لابد من أن تفضي – في خاتمة المطاف – إلى تلك النهاية التعسة التي تحيل "الذات" إلى مجرد "موضوع" ؟ ما قيمة كل تلك الجهود التي يبذلها الإنسان، إذا كان لابد لها يوما من أن تتحطم على صخرة الموت العاتية ؟..
كل تلك صيحات طالما ارتفع بها صوت الإنسان، منذ عهد النبي سليمان الذي قال "الكل باطل وقبض الريح"، حتى عصر بعض فلاسفة الوجودية الذين أعلنوا أكثر من مرة أن الإنسان "نزوة عابرة لا طائل تحتها" Passion Inutile.
... ولكن الإنسان الذي طالما تمرد على الموت، كثيرا ما ينسى أو يتناسى أن الموت هو الذي يخلع على حياته معنى ! وإلا فهل كانت الحياة لتعني شيئا، لو أنها كانت مستمرة إلى ما لا نهاية، أو ممتدة إلى غير ما حد ؟ أليس الموت هو الذي يخلع على الحياة قيمتها، لأنه هو الذي يشعرنا بأن اللحظات الموجودة بين أيدينا محدودة معدودة وأن الزمان الذي نتمتع به مقدور موقوت.. إن الإنسان الذي يحيا في الزمان "موجود مُتناه" يدرك أن الفرص لا تعوض، وأن الماضي لا يقبل الإعادة، وأن الحياة لا تحتمل التأخير. فهو يدرك قيمة الحياة حين يفطن إلى أن زمانه محدود، وأن لحظاته قصار معدودات !. وأما لو كانت الحياة أمامي لا متناهية، لما كان ثمة ما يدعو إلى التعجل بعمل ما أريد: فإن ما لا أستطيع عمله اليوم، يمكنني أن أنهض بأدائه غدا، أو بعد غد، أو بعد ملايين السنين !!. ولن يكون ثمة معنى للعمل أو النشاط، في كنف حياة أبدية (لا نهاية لها)، فإن الشرط الأول للعمل أو النشاط أن تكون ثمة حاجة ملحة لتحقيقه أو النهوض به. وأما حيث لا يكون ثمة وجه للعجلة أو الإلحاح أو الضرورة، فلن يكون هناك وجه للحاجة إلى التنفيذ أو الإنجاز أو التحقيق.. وهذا هو السبب في أن الزمان نسيج وجودنا البشري..
..إننا لنريد أن نحيا، ولكننا ننسى أنه لابد لنا أيضا من أن نموت لكي نحيا ! وليس "الموت" هنا سوى ذلك "الحد" الذي يضع للحياة " خاتمة" حتى تكتمل. إنه "اللمسة الأخيرة" التي يصبح بعدها "العمل الفني" موضوعا جماليا متحققا ! ولو كانت حياتنا مستمرة لا تعرف لها نهاية، لكانت جهدا عابثا لا معنى له ولا غاية ! فنحن نموت لأنه لابد لنا من أن نحيا، والحياة نفسها هي هذا السير الوئيد (أو السريع) نحو التحقق والاكتمال !
وحين قال أحد العلماء (وأظنه بيشا Bichat) "ان الحياة هي الموت".
La vie est la somme totale des fonctions"
qui résistent à la mort". Bichat
فإنه لم يكن يتلاعب بالألفاظ (وليس هذا شأن العلماء) وإنما كان يعبر عن هذا السير المحتوم نحو لحظة الفناء، وهو ما يمثل الجهد المتصل المضطرد الذي تقوم به الحياة في سبيلها إلى "التحقق". فما بالنا نتمرد على "الموت"، وهو الذي لولاه لما صارت الحياة حياة ؟.
*-*-*-*-*-*-
والله الموفق
2014-08-25
محمد الشودري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.