بقلم: سلمان الحساني من الواضح جدا أن الدراسات الروائية الحديثة قد اتسمت بطابعها المرن, والذي لا يقتصر على التحليل النقدي فحسب, بل ينفتح على العلوم الحديثة المحيطة بكل ما هو لغوي, سواء أكان منطوقا أم مرسوما بين بياضين, وتدخل فيها كل من علم اللسانيات أو ما يعرف بالبنيوية الحديثة, وكذا علم السيميائيات الذي يختص بدراسة الظواهر اللغوية الصامتة كلغة الصم والبكم وإشارة المرور وما إلى ذلك.., كل هذا عكس الدراسات الكلاسيكية القديمة القائمة على المنهج الذوقي الانطباعي, لذلك سنعمل جاهدين على استدراج الأساليب الحديثة في التحليل والتأمل والتصنيف وكذلك في القراءة الأولية, قصد فهم عميق للمادة المتناولة قيد الدراسة. وبالرجوع إلى موضوعنا الرئيس فإنه لا يشمل العمل الروائي بشكل عام, بل يقتصر على قراءة الغلاف الخاص بالرواية وتفكيك بنيتها وكذا محاولة استكناه خبايا الرموز المكونة للصورة الناطقة, ومن أجل ذلك علينا نكران العالم الخارجي بشكل قطعي حتى نفهم محتوى الصورة, أو بعبارة أخرى نقول كما قال أحدهم : (موت الإنسان), ولأجل ذلك علينا في البداية تحديد المنهج حتى لا يسقط المتلقي في شباك مناهج مغايرة لما اعتمدناه في دراستنا لغلاف الرواية, حيث ضمنا علم اللسانيات والسيميائيات في عملنا إلى جانب المنهج النقدي القائم على الذوق والانطباع, مبتعدين في ذلك كل البعد عن ما هو نفسي أو اجتماعي أو تاريخي, وذلك عن قصد دون نية, والسبب هو محاولتنا للخروج عن الأسلوب الكلاسيكي القديم. والغلاف قيد الدراسة لرواية كتبها الروائي العالمي عامة والعربي خاصة المسمى "نجيب محفوظ", وقد عنونها ب : "اللص والكلاب", أما نحن فسنحدد العناصر التالية: موضوع الغلاف والمكونات أو البنية ثم الدليل اللغوي le singe linguistique وكذا الرمز والوظائف اللغوية المتمثلة في المرسل والرسالة والمرسل إليه. وعموما فإن الغلاف في اللغة العربية يعني غشاء الشيء وغطاؤه, أما المقصود به هنا هو الصفحة الأولى من الكتاب, وتشمل كلا من العنوان واسم الكاتب ودار الطباعة والنشر وكذا بعض الصور والإشارات التي لها علاقة جد وطيدة بالمضمون, وبما أن الكتاب المتناول هو رواية أدبية إبداعية, فلا شك أن موضوع الغلاف هو الإبداع, لأنه لصيق بالرواية, باعتبارها جنس أدبي قائم على الإبداع وأخيلة المبدع إلى جانب التعبير عن الهموم والمشاعر والأفكار الفردية والجماعية. أما ثاني عنصر من عناصر التحليل فمتمثلة في المكونات أو البنية, والمقصود بالبنية هي مجموع العناصر المكونة للصورة على شكل نسق فني, وتنقسم إلى قسمين: القسم الأول هو الدليل اللغوي -وقد اخترعه أبي اللسانيات الحديثة "دو سوسير"-, ثم نجد القسم الثاني المتمثل في الرمز. وبالرجوع إلى الدليل اللغوي في غلاف الرواية فإنه يتجسد في العنوان الذي يعد بمثابة الرأس من الجسد كما يقول الناقد المغربي محمد مفتاح, ويتكون من العناصر التالية: المحددة "ال" + الاسم + الحرف + ال + الاسم, لذلك جاء على الصيغة التالية, "اللص والكلاب", وذلك من حيث الدال الذي يتميز بخاصيته الخطية الرسمية, أي وجوده بين بياضين, أما بالنسبة للمدلول فهو ذاك التصور الذي يقع في أذهاننا فور سماع الدال أو نطقه, ولذلك يسمى بصاحب الصورة السمعية, فحينما نسمع "اللص" فإنه يقع في أذهاننا صورا للص آدمي محض….., وأيضا حينما نسمع لفظ "الكلاب" فإنه يقع في أذهاننا صورا لحيوانات أليفة قابلة للتدجين, وأحيانا أخرى قد نفهم هذا المدلول الأخير بأنه اسم لكلاب معنوية. ونفس الشيء يقال عن اسم الروائي الموجود على الغلاف, فإن الدال هو عبارة "نجيب محفوظ", والمدلول هو الكاتب الروائي المعروف……, وأيضا, فإن الأمر ذاته يقال عن دال دار الطباعة والنشر. والملاحظ أن نوع الرسم الذي تلقاه الدليل اللغوي في غلاف الرواية هو رسم متنوع ما بين الخط الكبير والمتوسط والخط الصغير, وأيضا نجد اختلافا في اللون ما بين الأسود والأبيض. ومن موضع نظر آخر نجد الاختلاف حتى في تموقع الدليل اللغوي, فبالنسبة لدار الطباعة والنشر فإنها متموقعة في أقصى الشمال الغربي للصفحة, أما اسم الروائي فمكتوب في أقصى الشمال الشرقي للغلاف, أما في الغرب الجنوبي من الصفحة فنجد عنوان الرواية مكتوبا بخط كبير الحجم وكذا بلون مغاير هو اللون الأبيض الناصع, وذلك بغية إثارة انتباه المتلقي من خلال النظرة الأولى فقط. هذا وبعد أن نختصر الحديث, ننتقل إلى دراسة الرمز في الغلاف, والرمز عادة ما يكون صورة أو شيئا محسوسا أو قد يكون أسطوريا, فنرمز به إلى شيء ما بسبب مقاربات معينة, كأن نرمز بالدماء للقتل أو أن نرمز بالدبابة للحرب ونرمز بالحمامة للسلام وما إلى ذلك. وبالعودة للغلاف قيد الدراسة, نجد الرمز موزعا ما بين اليدين والمسدس والفتاة والمنزل والكلب والبحيرة والظلال والسماء والألوان… فالمسدس قد يرمز إلى القوة والعنف وقد يرمز إلى القتل والاغتيال, خاصة وأن اليد التي تحمل المسدس ضاغطة على الزناد بكل عصبية حتى خرجت منه رصاصة طائشة, وكما أن اليدين بدون جسد قد يرمزان إلى وجود شخص مجهول يتحرك بخفة وسرعة شديدتين, أما بالنسبة للفتاة الشقراء فمن الممكن أن ترمز للإباحية أو شيء من هذا القبيل, ويلاحظ ذلك من خلال نظرتها الخائفة والحذرة ولباسها الكاشف لمحاسنها, أما وجود السماء في الصورة فترمز إللى استمرارية الحياة البشرية رغم الدمار والصراعات المتتالية, ومن زاوية أخرى نجد ظل الكلب الذي قد يشير إلى أن هناك كلابا معنوية غير الكلاب الحقيقية…, ومجمل القول أن اجتماع كل هذه الرموز في غلاف الرواية لدليل على وجود الصراع الحاد بين شخصيات الرواية وكذا القيم والأنساق الفكرية, وعموما فإن الغلاف لوحة فنية تبرز كل معالم التوتر الوجودي. وأخيرا وليس آخرا, وبعد كل التفصيلات التي تطرقنا إليها, ننتقل إلى دراسة الوظائف اللغوية المرتبطة بالغلاف, وتشمل كلا من المرسل والمرسل إليه والرسالة. فبالنسبة للمرسل, فهو الذي يرسل الرسالة, وهو مصمم الغلاف, ويحمل وظيفة انفعالية, أما الرسالة فهي الغلاف ذاته, وتحمل وظيفة في ذاتها لأنها مجرد رسالة, كما أنها تتميز بقانون تنطلق منه وهو الإبداع, وأيضا لها مرجع تحيلنا إليه. وأخيرا نجد المرسل إليه, وهو المتلقي الخالي الذهن, وبما أنه يتلقى الرسالة فإنه يحمل وظيفة تأثيرية, لأنه يتأثر بفعل تلقيه الرسالة. وتأسيسا على ما سبق نقول أنه من الضروري على الدارس للرواية الأدبية أن يقوم بالمرور على الغلاف ولو باقتضاب, الشيء الذي يتيح له فرصة أكبر للغوص في أعماق الرواية وفهم مضامينها.