هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التواصل والتلقي
نشر في طنجة الأدبية يوم 08 - 11 - 2010


تقديم:
يعد التواصل من المجالات التي أصبحت تكتسي أهمية قصوى في الآونة الأخيرة، نظرا لاكتساحه كل مظاهر الحياة الإنسانية عبر اللغات المنطوقة والإيحاءات والحركات والطقوس والعادات والصور...إلى الحد الذي أصبح فيه التواصل يشكل فلسفة العلوم الحديثة. ومن المجالات التي ترتبط بالتواصل ارتباطا وثيقا مجال التلقي الذي يكتسي أهمية قصوى خاصة في جانبه النقدي، حيث أصبحت له نظرية تعنى بتقبل النصوص الأدبية وقراءتها وتأويلها، بل وإعادة إنتاجها. وسنحاول في هذا المقال أن نقف عند نموذج له وضعه الاعتباري ضمن النماذج التواصلية التي تهتم بالتلقي الأدبي، وهو الأنموذج التواصلي لزيجفرد شميث.
1- التواصل والتلقي:
تتجاذب مفهوم التواصل حقول معرفية بالغة التنوع، تكاد تشمل كل المنتوج الإنساني، فكل ما يمكن أن يشتغل كرابط بين الإنسان وما يوجد خارجه، وكل الأشكال الثقافية التي تتحدد من خلالها هوية الأفراد يمكن النظر إليها كوقائع إبلاغية تندرج ضمن حالات الاجتماع الإنساني؛ ومن هذا المنطلق فإن الظواهر الإنسانية لا يمكن النظر إليها إلا من خلال رغبة الكائن في التواصل مع الآخر، وبالتالي فمجموع ما ينتجه الإنسان عبر لغته وإبداعه وطقوسه يندرج ضمن سيرورة تواصلية لدرجة تجعل الثقافة في كليتها سيرورة تواصلية .
إن التواصل من الناحية اللغوية هو مصدر فعل تواصل الذي يعني المشاركة والإبلاغ والاطلاع والإخبار والتلقي، ومن خلال هذا المدلول اللغوي، يمكن القول إن التواصل هو نقل فعال للمعنى والأخبار، إذ يحتوي دائما على رسالة، وكل رسالة تتكون من دلائل، وكل دليل يتكون من دال ومدلول . من هذا المنطلق، ومن اعتبار النص الأدبي نصا يتضمن رسالة، تتشكل من دلائل تتكون من دوال ومدلولات، فإن تلقي النص يدخل ضمن علاقة تواصلية بين النص وبين القارئ، لذا لا يمكن فهم نظرية التلقي بوصفها نظرية تعنى بتداول النصوص وتقبلها، وإعادة إنتاج دلالاتها سواء أكان ذلك في الوسط الثقافي الذي تظهر فيه فيما يمكن تسميته بالتلقي الخارجي، أم داخل العالم الفني التخيلي للنصوص الأدبية فيما يمكن تسميته بالتلقي الداخلي، إلا إذا أنزلت هذه النظرية منزلتها الحقيقية، وربطها بنظرية أكثر شمولا هي نظرية الاتصال والتواصل التي بدأت ملامحها تتبلور منذ منتصف القرن العشرين في ألمانيا، وذلك قبل أن يشرع ياوس و آيزر في ترتيب الأطر العامة لنظرية تعنى بالتلقي الأدبي والتأثير والاستجابة في مطلع السبعينيات .إن من أهم التأكيدات التي انتهت إليها جمالية التلقي أن" خلود الأثر الأدبي يتوقف على مدى تفاعله مع أوساط مختلفة من القراء المستهلكين" ، وهذا لا يتأتى إلا بتواصل القارئ مع النص في سياقات مختلفة. إن العلاقة كما يبدو بين التواصل والتلقي هي علاقة امتزاج وترابط، حيث إن التلقي لا يتحقق إلا من خلال التواصل.
2- نماذج التواصل:
تحفل نظريات التواصل بكثير من النماذج التي عملت على مقاربة وفهم نظام التواصل والاتصال، ونظرا لصعوبة استقراء كل النماذج، فسنقتصر قبل أن نعمل على تفصيل أنموذج زيجفريد شميث، على عرض موجز للنماذج التالية:
أ- النموذج الأول: النموذج السلوكي:
وضعه المحلل النفسي الأمريكي لازويل Lasswell D . Haroldسنة 1948 ويتضمن مايلي:
من؟ ( المرسل) يقول ماذا؟( الرسالة) بأية وسيلة؟ ( وسيط) لمن؟ ( المتلقي) ولأي تأثير( أثر)
يرتكز هذا النموذج على خمسة عناصر، وهي: المرسل الرسالة- القناة- المتلقي- الأثر.
ويمكن إدراج هذا النموذج ضمن المنظور السلوكي الذي انتشر كثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقوم على ثنائية المثير والاستجابة. ويتمظهر هذا المنظور عندما يركز لازويل على الوظيفة التأثيرية، أي التأثير على المرسل إليه من أجل تغيير سلوكه إيجابا وسلبا. ومن سلبيات هذا النظام أنه يجعل المتقبل سلبيا في استهلاكه، ومنظوره سلطوي في استعمال وسائل التأثير الإشهاري في جذب المتلقي والتأثير عليه في صالح المرسل .
ب - النموذج الثاني: النموذج الرياضي:
وضعه المهندس كلود شانون Claude Shannon سنة 1949 والفيلسوف وارين Waren Weaver. ويركز على المكونات التالية:
مرسل ترميز رسالة فك الترميز متلقي.
ج النموذج الثالث: النموذج الاجتماعي:
هو نموذج ريلي وريلي Riley &Riley الذي يعتمد على فهم طريقة انتماء الأفراد إلى الجماعات. فالمرسل هو المعتمد والمستقبل هم الذين يودعون في جماعات أولية اجتماعية مثل العائلات والتجمعات والجماعات الصغيرة...وهؤلاء الأفراد يتأثرون ويفكرون ويحكمون ويرون الأشياء بمنظار الجماعات التي ينتمون إليها والتي بدورها تتطور في حضن السياق الاجتماعي الذي أفرزها. ويلاحظ أن هذا النموذج ينتمي إلى علم الاجتماع ولاسيما إلى علم النفس الاجتماعي حيث يرصد مختلف العلاقات النفسية والاجتماعية بين المتواصلين داخل السياق الاجتماعي. وهذا ما يجعل هذا النظام يساهم في تأسيس علم تواصل الجماعة la communication de groupe.
ومن المفاهيم التواصلية المهمة داخل هذا النظام نجد مفهوم السياق الاجتماعي والانتماء إلى الجماعة.
د النموذج الرابع: النموذج اللساني:
يعد رومان جاكبسون Roman Jackobson واضع هذا النموذج سنة 1964، إذ اعتبر أن اللغة وظيفتها الأساسية هي التواصل، وارتأى أن للغة ستة عناصر وهي: المرسل والرسالة والمرسل عليه والقناة والمرجع واللغة. ولكل عنصر وظيفة خاصة: فالمرسل وظيفته انفعالية تعبيرية، والرسالة وظيفتها جمالية من خلال إسقاط محور الاستبدال على محور التركيب، والمرسل إليه وظيفته تأثيرية وانتباهية، والقناة وظيفتها حفاظية، والمرجع وظيفته مرجعية أو موضوعية، واللغة أو السنن وظيفتها(ه) لغوية أو وصفية.
3 أنموذج زيجفريد شميث في التواصل والتلقي النصي:
يعد زيجفريد شميث من رواد مدرسة اللسانيات النصية التي برزت في أوربا خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهي مدرسة تؤسس نظريتها على معالجة اللغة الطبيعية من منظور النص اللغوي بمفهومه التداولي حسبما يتم إنتاجه وتلقيه في سياقات التفاعل الاجتماعي الفعلية، على خلاف المعالجة البنيوية والتوليدية التي تقف عند مستوى الجملة ولا تتعداها وصفا وتحليلا.
غير أن زيجفريد شميث لم يتوقف عند حدود توسيع لسانيات اللغة، بل عمل على بناء لسانيات من منظور آخر أطلق عليه اسم" لسانيات التواصل"، منتقدا الإطار النظري العام لأبحاثه اللسانية حول اللغة والنص، معتمدا على نظرية التواصل في سياقه الاجتماعي إطارا معرفيا لأبحاثه اللسانية والأدبية والجمالية على غرار هابرماس وبورديو.
أ أنماط النصوص والخطابات:
يعتبر زيجفريد شميث أن المخاطِب يسعى دوما إلى التأثير في المخاطَب بصور وأشكال إبلاغية متنوعة بتوظيف أنماط مختلفة من النصوص وفق خطط خطابية محكمة تختلف باختلاف الوضعية التواصلية البسيطة أو المعقدة التي يوجدان فيها، ومن ثم فإن النص يبدو عند إنجازه ماديا" عبارة عن مجموعة من التوجيهات المتماسكة موضوعاتيا وسياقيا الموجهة نحو مخاطَب ما قصد إحداث تأثير محدد لديه"
صنف شميث النصوص المتداولة في السياق الاجتماعي إلى ثلاثة أنماط هي: النص الإخباري، والنص التوجيهي، والنص الأدبي.
فالنص الإخباري هو الذي تهيمن عليه سمة الإخبار حيث يكون القصد هو إبلاغ الخبر لمتلق محدد المعالم على المستوى التداولي( تاجر تلميذ سياسي... ).
والنص التوجيهي هو الذي يتغلب عليه طابع التوجيه حيث يكون القصد هو أمر المتلقي للقيام بعمل ما، أو نهيه عن ذلك،أو دفعه لانفعال عاطفي معين، ويعتمد هذا النوع من النصوص على مجموعة من الأساليب كالأمر والنهي والعتاب...
أما النص الأدبي، فهو الذي يغلب عليه الطابع الفني حيث يكون القصد هو إخراج معنى فني مفاجئ ومخالف للمعاني التواصلية المعتادة من خلال ما يمكن تسميته بالانزياح، موظفا كل ما يمكن أن يحقق جماليته من تصوير ورمز وإيقاع.. كما يشارك القارئ/المتلقي في إضفاء الطابع الأدبي الخالص من خلال قراءة إبداعية وجمالية متأنية تختلف عن القراءة العادية السريعة.
يلحق شميث هذه الأنماط الثلاثة من النصوص بأنماط من الخطابات وفق ثلاث ضوابط:
الهدف من التواصل: يربط هذا الهدف بمقصدية المخاطِب من إصدار النص، أو الأثر النفسي أو التداولي المرغوب إحداثه لدى المتلقي، ومن ثم فإن الخطاب قد يأخذ شكلا إقناعيا بصورة لغوية مباشرة( الخطاب الحجاجي)، وإما بصورة غير مباشرة في خطاب بلاغي جذاب يركز على الجانب الانفعالي( الخطاب الوصفي الخطاب الروائي الدرس التعليمي...)
الخصوصية التصويرية للغة: تظهر هذه الخصوصية للمتلقي في بعض السياقات الفردية والجماعية المتواضع عليها في أثناء استعمال اللغة استعمالا مغايرا للاستعمال اليومي أو الإخباري( الخطاب الأدبي الخطاب الجمالي)حيث تحيل هذه اللغة على مجموعة من الدلالات التي تجعل المتلقي يفكر في تلقي الخطاب حسب خصوصيته التصويرية.
نوع العلاقة القائمة مع الواقع: يرتبط هذا الضابط بالإمكانات البنيوية التي يسمح بها سياق التلقي داخل جماعة لغوية ما، وقابلية النسق التواصلي لتطبيق التوجيهات التداولية التي يتضمنها النص وضعا أو إيحاء، فإذا كان الخطاب يحمل فكرا قد لا تتقبله الجماعة، فإن هذا الخطاب قد يتستر بشعارات، وتوظيف لغة تجعله متقبلا في ذلك الوسط اللغوي.
ب النموذج التواصلي:
استوحى زيجفريد شميث نموذجه التواصلي من الوظائف الست كما حددها جاكبسون، ومن مختلف الوظائف الإنجازية للكلام كما حددتها مدرسة فلسفة اللغة الأنجلوساكسونية( أوستين سورل...)، فمن جاكبسون أخذ الوظائف الانفعالية والإفهامية والشعرية؛ فبالنسبة للوظيفة الانفعالية أو التعبيرية، فترتبط عند شميث بالنص الإخباري أو الإعلامي، وما يفصح عنه من قصد إبلاغي، ثم ما ينتج عنه في سياق تداولي من أثر على سلوك المخاطَب التواصلي أقوالا وأفعالا وأعمالا. وبالنسبة للوظيفة الإفهامية، فترتبط عنده بالنص التوجيهي بما يحمله من أوامر ونواه وتعليمات يظهر أثرها على المتلقي في وضعية التفاعل اللغوي. أما بالنسبة للوظيفة الشعرية، فتتحقق عنده في النص الأدبي بوجه خاص، حين تترابط شبكة علامات اللغة الدالة ترابطا فنيا يفصح عن إرادة جمالية في تجاوز قيود التداول المألوف.
ومن مدرسة فلسفة اللغة الأنجلوساكسونية أخذ الوظيفتين الإثباتية والتوجيهية؛ فبالنسبة للوظيفة الأولى فتعتبر عنده الوظيفة الأساس للنص الإخباري بما يقدمه من توضيحات حول مختلف الموضوعات التي يتعرض لها. وبالنسبة للوظيفة الثانية، فهي ترتبط عنده بالنص التوجيهي بما تحمله من توجيهات صريحة أو ضمنية تلزم المتلقي بتنفيذها.
ج نموذج التلقي النصي:
مفهوما السياق والوضعية التواصلية: نشير في البداية إلى أن مفهوم السياق قد اختلف حوله من قبل اللسانيين والسيميائيين، فاللسانيون يعتبرون السياق مجرد علاقة التحام بين المكونات النصية، أما السيميائيون فيوسعون مفهوم السياق إلى الوضعية العامة التي يتلقى داخلها النص.
بالنسبة لزيجفريد شميث، فهو يميز بين مصطلحي السياق والوضعية التواصلية، فالسياق بالنسبة إليه هو أن يؤخذ النص في مجموعه كإطار لالتحام المكونات النصية، والوضعية التواصلية هي التي ترتبط بضم النص إلى تواريخ الإنتاج والتلقي. يتبين إذن أن شميث يميز تمييزا دقيقا بين المفهومين، بحيث يمزج بين وجهة نظر اللسانيين، ووجهة نظر السيميائيين.
د خطاطة لعملية التلقي:
تختلف النماذج النظرية التي يقدمها شميث من دراسة لأخرى، إذ يركز في كل نموذج على عناصر دون أخرى، ولعل سبب ذلك يكمن في أن كل نموذج نظري لعملية تلقي النص، إنما هو بناء افتراضي يسترشد به المحلل والباحث، ولتحديد الخطاطة العامة للتلقي عند شميث، يمكن التركيز على ماهو ضروري، والذي يتكرر في كل نموذج من نماذجه التطبيقية. يفصل شميث داخل ما يسميه بحدث التلقي بين عدد من الأفعال الإدراكية التي ينجزها المتلقي للنص المعروض إنجازا متصلا أو منفصلا، وهذه الأفعال هي بمثابة ظواهر قابلة للوصف والتحليل، ومنها: فعل دماغي يتمثل في عملية القراءة أو الاستماع.
فعل يقوم بتنحية الإبهام التركيبي.
فعل يقوم بتنحية الإبهام الدلالي.
فعل يقوم على تخصيص الإمكانات والاحتمالات الدلالية للنص.
فعل يقوم على تركيز المعطيات الدلالية داخل نموذج عالم تابع للنص.
إن المتلقي عند عملية تلقيه للنص، فإنه يعمل تدريجيا على إعادة البنية النصية العميقة اعتمادا على مجموع الأخبار التي تضمنها النص المرسَل بعدد من التعميمات التي تؤدي إلى بنيات دلالية جملية يحكمها التماسك الخطي الذي قد يكون ظاهرا أو مضمرا. بعد ذلك تأتي مرحلة يكون فيها المتلقي قادرا على القيام بترجمة المعنى الجزئي للتماسك الخطي إلى معنى شامل، أي الانتقال من الموضوع الجزئي إلى بنية دلالية كبرى يتم حذف التفاصيل والجزئيات منها.
وخلاصة هذه الخطاطة، أن عملية التلقي تتم من خلال إجراء تقليص للجزئيات والتفاصيل، للوصول إلى البنية الدلالية الكبرى، ذلك أن المعيار الأساس لقبول النص من طرف المتلقي هو مدى لعبه لدوره الإبلاغي، ونهوضه بوظيفته التداولية. إن قبول النص من قبل المتلقي كنص قابل للفهم مشروط بالسياق العام للإبلاغ، وبالوضعية التداولية الخاصة بالتواصل.
ه لوازم التلقي:
يصف زيجفريد شميث تلقي النصوص بأنه تأويل لإشارات يتضمنها النص على نحو منظم أثناء وضعية تواصلية معينة، ومن خلال هذا التصور، يميز بين نوعين من التلقي:
تلق معنوي: وهو عبارة عن تقرير للإشارات والتعليمات، وملاحظة للقواعد التي يتوافر عليها النص.
تلق تواصلي: وهو تحقيق لغوي أو غير لغوي لهاته الإشارات والتعليمات والقواعد المقررة.
إن عملية التلقي يلزمها من قبل المرسِل أن يختار بشكل مسبق نمطا معينا من النصوص أو الخطاب، حسب غرضه من الإخبار أو الأثر المراد إحداثه في أعقاب عملية التواصل، ثم وفقا لهذه المقصدية يختار المعجم المناسب، ومن طرف المتلقي يلزمه أن يتعرف على نمط النص حتى يستطيع التواصل معه، بفهمه وإدراك مقصدياته.
خاتمة: نستخلص من خلال استعراض موجز لأبرز ما تضمنته نظرية زيجفريد شميث، أن عملية تلقي النص باعتباره مكونا لغويا يتضمن إشارات تحتاج إلى تأويل مشروطة بالسياق التواصلي، بمعنى أن تأويل مجموع التعليمات التي يتضمنها النص لا يمكن تأويلها تأويلا مناسبا خارج لعبة أفعال تلق وتواصل، وبالتالي فإن هذه العملية ترتبط بطرفي العملية التواصلية، المؤلف من جهة الذي يؤول الإمكانات اللغوية المتاحة من طرف السنن للتعبير عن اتصال فردي مع الواقع، والمتلقي الذي يعمل على وضع تأويل مناسب لتعليمات المؤلف يوفق فيه بين تأويله الخاص والتأويل الذي يقدمه المؤلف بالنظر إلى مقصديات النص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.