هامش السلوكات المنافية للشفافية والوضوح أصبحت منعدمة مع المخطط الاستعجالي. نجاح المنظومة التربوية رهين بانخراط كل الأسرة التعليمية فيها. يعتبر محمد أبو ضمير، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين في الجهة الشرقية، أن نجاح المنظومة التربوية في تأدية رسالتها رهين بانخراط كل رجال ونساء التعليم في هذا الورش الكبير، وهو الانخراط الذي أكده هؤلاء «الرسل» عبر مختلف المحطات التاريخية. واليوم، أكثر من وقت مضى، يشكل ذلك الالتزام والانخراط موعدا مع التاريخ لن يخلفه رجال ونساء التعليم، لوعي الجميع بأهمية ودور هذا القطاع في تنمية المجتمع وتطويره مما هو عليه إلى ما هو أحسن... - شهدت عدة أكاديميات في الآونة الأخيرة احتقانات بين الإدارة وبين العاملين في نفوذها، ما أدى إلى قيام الوزارة بعدة تغييرات، منها تكليفكم بمهام مدير أكاديمية الجهة الشرقية، هل يكفي، في نظركم، تغيير الأسماء والوجوه لإحداث فرق في الوضع التعليمي أم ينبغي إجراء تعديلات في السياسات المتبَعة ككل؟ أكيد أن الحديث عن قطاع التربية والتكوين في بلادنا أصبح يحمل معه الكثير من الأجوبة على أسئلة لطالما طُرِحت باحتشام أحيانا، وبوجل أحيانا أخرى، فبالعودة إلى مرجعيات البرنامج الاستعجالي، انطلاقا من التوجيهات الملكية السامية، التي جعلت مسألة التربية والتعليم أمرا مجتمعيا، وليس همّاً قطاعيا واستحضارا للعديد من الخطى المجددة التي أقدمت عليها وزارة التربية الوطنية، منذ الشروع في تنفيذ مكونات البرنامج الاستعجالي، عايش الجميع تغييرات كثيرة ارتبطت بالسعي الحثيث نحو تدبير أمر منظومتنا، وفق مقاربات جديدة تضع نصب عينيها الحكامة الجيدة والمردودية والنجاعة في التنفيذ والإبداع والابتكار.. الأمر الذي تمثل في تغيير مواقع العديد من المسؤولين، سواء على المستوى المركزي أو الجهوي أو الإقليمي، مرجعيتها في ذلك ليس مجرد تغيير الوجوه أو الأشخاص، بل تغيير نمط التدبير ومقارباته المسايرة لخارطة الطريق تلك، لأن اللحظة الزمنية تقتضي العمل الميداني والمبادرة الايجابية ونهج التدبير التشاركي المرتبط بتحقيق النتائج، وفق أسلوب يعتمد السرعة والدقة والتتبع والتقييم والمصاحبة والمساءلة. - تصنف الجهة الشرقية ضمن الجهات التي تعرف دوما حركة احتجاجية مستمرة، كان آخرها الاحتجاج على مذكرة تدبير الزمن المدرسي، هل لديكم استراتيجية لتدبير مختلف الملفات التي تعج بها الجهة؟ إن الحديث عن الحركات الاحتجاجية عموما أمر صحي، يترجم ذلك الهامشُ من الديمقراطية والحرية الذي ينعم به المواطن في بلادنا. ونحن لا نسعى إلى تكميم أفواه الناس، فقط ما نؤكد عليه هو أن الاحتجاج له ضوابطه التنظيمية والمؤسساتية والقانونية، وبالقدر الذي يمكن أن نتحدث فيه عن حرية الفرد، نستحضر حقوق الآخرين... أما بخصوص بعض وجهات النظر المرتبطة بالمذكرة 154، المتعلقة بتأمين الزمن المدرسي، فان الأمر لا يعدو أن يكون عدم استيعاب لمضامين هذه الوثيقة من طرف البعض، لأنه لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن نقف كرجال ونساء التعليم، موقفا معارضا لنص يؤكد على حق المتعلم في زمن تعلمه. ومن تم، يأتي التأكيد مرة أخرى على أن الاحتجاج، كسلوك وكممارسة، يطرح على الجميع الالتزام بالضوابط القانونية، سواء بالنسبة إلى المحتج أو بالنسبة إلى الإدارة. وبخصوص القضايا والإكراهات والمشاكل التي يعرفها القطاع في الجهة الشرقية، فقد آلينا على أنفسنا ألا ندخر جهدا من أجل إيجاد الحلول لهذه الإشكالات (الموضوعي منها)، وقد اعتمدنا كخطة عمل أولية عقد لقاءات تواصلية على مستوى الأقاليم المشكلة للجهة ومع كل شركائنا في القطاع العمومي وكذا مع كل المتدخلين، سواء على مستوى كل إقليم أو على مستوى جهوي شمولي. وأعود لأؤكد -بكل صدق- أن تواصلنا مع رجال ونساء التعليم سيكون أكبر وأكثر استمرارية، الأمر الذي سيسهل علينا جميعا تدارس القضايا وإيجاد الحلول للإشكالات. - كما تعلمون، هذه السنة هي الثانية في البرنامج الاستعجالي، وقد شهدت تضاربا في القراءات، بين من يعتبر حصيلة السنة الأولى إيجابية ومن يعتبرها استمرارا لنفس الوضع، للأمانة التاريخية، هل التعليم في المغرب قابل للإصلاح؟ فعلا، يعتبر الموسم الدراسي الحالي السنة الثانية لأجرأة مجالات ومشاريع وتدابير البرنامج الاستعجالي، وتؤكد الحصيلة الأولية لما تم إنجازه على أرض الواقع، بمؤشراتها ودلالاتها الواضحة، التغييرات الإيجابية التي تم تحقيقها من خلال تسجيل نقط إضافية في النسب المائوية، بخصوص العديد من المشاريع والتدابير، فسواء تعلق الأمر بنسب النجاح في الباكالوريا، التي عرفت في نهاية السنة الماضية قفزة نوعية، هي نتيجة للمجهودات التي بذلت من طرف الجميع، أو تعلق بمستوى تعميم التعليم أو تراجع نسب المنقطعين والمتسربين من المنظومة (الهدر المدرسي) أو استتباب بيداغوجيا الإدماج في التعليم الابتدائي، والآن نسجل الانطلاقة في الإعدادي، أو تعلق الأمر بجيل مدرسة النجاح أو بجمعيات دعم مدرسة النجاح، التي شكلت دفعة قوية للمؤسسات التعليمية، أو في التعليم الأولي الذي تعمل الوزارة جاهدة لتوسيع دائرة الاستفادة منه، خاصة في العالم القروي وشبه الحضري أو استحضارا للدعم الاجتماعي، بكل مكوناته، من المبادرة الملكية السامية «مليون محفظة»، التي استفاد منها زهاء 4 ملايين تلميذ وتلميذة هذه السنة، أو الإطعام المدرسي، الذي غطى نسبة هامة من المتعلمات والمتعلمين، أو الزي المدرسي الموحَّد، الذي أضفى رونقا جديدا على المؤسسات التعليمية، أو النقل المدرسي، الذي أتاح لمجموعة من التلاميذ فرصة التنقل دون عناء نحو المدرسة، أو نسب المنح، التي ارتفعت بشكل ملموس، أو برنامج «تيسير»، الذي عرف توسعا في الاستفادة منه، أو برنامج التدفئة، الذي عُمِّم على العديد من المؤسسات، أو على مستوى الاهتمام بالمجال الرياضي، بمختلف مستوياته، عن طريق تأهيل وإصلاح وإنشاء ملاعب رياضية، أو قبل هذا وذاك العدد الهام من الإحداثات في الأسلاك الثلاثة وفي الداخليات، أو عدد التوسيعات التي عرفتها العديد من المؤسسات التعليمية لامتصاص الاكتظاظ أو تأهيل المؤسسات التي كانت لفترة ليست بالبعيدة في حالة لا ترضي أحدا.. أو تجديد العتاد الديتاكتيكي والتجهيزات أو تزويد المؤسسات وبعض الفآت بالعتاد المعلومياتي، مرورا بالعناية بالصحة الإنسانية للمتعلمين وسلامتهم، ووصولا إلى تشجيع كل ما هو متميز، وانكبابا على المجالات التربوية الداعمة لجودة التعلمات، سواء منها المرتبطة برجال ونساء التعليم من حيث تكوينهم الأساسي والمستمر، أو بحصص الدعم التربوي إلى تلك المسألة الجوهرية والمرتبطة بتأمين الزمن المدرسي.. يضاف إلى كل هذا وذاك تلك التجربة المتميزة المرتبطة بالمدرسة الجماعاتية ومميزاتها. استحضارا، إذن، لكل هذه المجهودات التي بُذلت والتي اشتغل عليها الجميع وانخرط فيها الكل ليس فقط مكونات المنظومة التربوية، بل السلطات المحلية والمنتخبون ومكونات المجتمع المدني، انطلاقا من ذلك الحضور الدائم والواعي للتوجيهات الملكية السامية في الموضوع، ومن تلك القناعة التي يتقاسمها الجميع بخصوص ما يلعبه قطاع التربة والتعليم من أدوار جوهرية في تنمية المجتمع ، فالإصلاح حقيقة قائمة ونتائجه أصبحت واضحة أمام الجميع، علما أن المقاربة المعتمدة في البرنامج الاستعجالي مقاربة علمية لا تقوم على تهيؤات وتصورات أو آمال وأحلام، بل على دراسات علمية وتشخيص علمي دقيق للحال ،ثم منهجية تستحضر المؤشرات والدلالات والنتائج الرقمية من جهة، والنوعية من جهة ثانية ساهم ويساهم الجميع في تدبيرها أفقيا وعموديا. - الحكامة من الأوراش الوطنية التي تحظى باهتمام ملكي خاص، لكونها مدخلا أساسيا لترسيخ دولة الحداثة، وبالنظر إلى الميزانية الضخمة التي خصصتها الدولة للقطاع، فإن الحكامة في قطاع التربية والتكوين تواجه استمرار سيادة ذهنيات مقاومة للشفافية والوضوح في الصفقات وتدبير المال العام، هل لديكم خطة للانخراط في هذا الورش الوطني الكبير؟ باختصار شديد، لم يعد هناك مجال للحديث عن تدبير تنعدم فيه الشفافية والوضوح، سواء تعلق الأمر بالصفقات أو بتدبير المال العام أو بترشيد هذا التدبير، لسبب بسيط ترجمه البرنامج الاستعجالي في خطة العمل المتّبَعة لتفعيل مشاريعه على أرضية الواقع، والمتجلية في امتلاك كل العاملين في هذا المشروع أو ذاك، وهم عدد هام من الموظفين، كل المعلومات والمبالغ المالية المخصصة لهذا التدبير أو ذاك، بمواصفاته وشروطه، ومن تم فهامش السلوكات المنافية للشفافية والوضوح منعدمة، أضف إلى ذلك التتبع والافتحاص الذي يصاحب كل العمليات. وبالمناسبة، فإننا سنعمل خلال الأيام المقبلة على خلق خلية خاصة بالافتحاص الداخلي، من ضمن مهامها التتبع والمراقبة. - يشعر المدرسون، منذ ظهور البرنامج الاستعجالي، بأنهم مستهدفون، دون غيرهم من الفئات، مع أن تقرير المجلس الأعلى للتعليم لم يحملهم وحدهم مسؤولية تعثر عشرية الإصلاح، ما هي رسالتكم لهذه الفئة؟ بكل صدق، لا مجال للحديث عن تحميل مسؤولية ما لهذه الفئة أو تلك، بقدر ما هو سعي وراء ترسيخ ثقافة الالتزام والواجب والحق، بطبيعة الحال. وإذا كنا في مطلع هذا الحديث، قد أشرنا إلى الطابع المجتمعي للمسألة التعليمية، فإن ذلك يعني، بالأساس، التأكيد على المسؤوليات المتقاسَمة بين كل الأطراف، سلبا أو إيجابا. وحينما يتم انتهاج سبيل التتبع والدقة والتقييم والمصاحبة، فإن الغاية المبتغاة ليست استهداف هذه الفئة أو تلك، بل مساءلة الذات ومساءلة الآخرين عن مكامن الخلل أو الصعوبات والإكراهات، لتجاوزها وتصحيحها. إن نجاح المنظومة التربوية في تأدية رسالتها رهين بانخراط كل رجال التعليم في هذا الورش الكبير، وهو الانخراط الذي أكده هؤلاء الرسل عبر مختلف المحطات التاريخية. واليوم أكثر من وقت مضى، يشكل ذلك الالتزام والانخراط موعدا مع التاريخ لن يخلفه رجال ونساء التعليم، لوعي الجميع بأهمية ودور هذا القطاع في تنمية المجتمع وتطويره مما هو عليه إلى ما هو أحسن... إن جوهر المنظومة التربوية هو ما يتم داخل الفصل الدراسي ونجاحنا جميعا وتحقيقنا النتائج المتوخاة من وراء البرنامج الاستعجالي هو نجاح في تأدية رسالة كل نساء ورجال التعليم في مؤسساتهم وفصولهم الدراسية. - عدم وضوح الحدود بين المهام الإدارية والمهام التربوية هو إحدى الإشكالات التي تؤرق أطر هيئة التفتيش، فمن جهة، تناط بالمفتشين مهام الإشراف والتأطير والبحث التربوي، ومن جهة أخرى، يتم إثقال كاهلهم بالمهام الإدارية المحضة، كتكليفهم بلجن التقصي والتحقيق وكتابة تقارير طويلة، غالبا ما تبقى سجينة الأرشيف.. ألم يحن الوقت بعد لتحديد طبيعة مهام هذه الفئة؟ شكلت هيئة التفتيش، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من رجال ونساء التعليم، وتشكل، ذلك «الدينامو»، الذي يعطي قوة الحركة والفعالية للمنظومة التربوية والحديث عن تداخل في المهام غير وارد في الحقيقة، لطبيعة المسؤوليات المنوطة بهذه الفئة المتميزة من أسرة التعليم. ويكفي أن نستحضر مكانة هيآت التفتيش وموقعها في المنظومة والأدوار التي تضطلع بها، والهادفة إلى نشر ثقافة التدبير المعقلن وتطوير عمل الموارد البشرية وتأهيلها وترشيد استعمال الموارد المالية والمادية وتدبير الشأن التربوي.. ليتضح آن هناك من المهام ما هو إداري ومنها ما هو تربوي، وبالتالي فليس هناك تضارب أو عدم وضوح لحدود هذه المهام، بل هناك تداخل وتكامل. - هل لكم أن تحدثونا عن أهم خصائص الدخول المدرسي في نيابة وجدة؟ بالنسبة إلى تدبير نيابة وجدة أنجاد، هناك إجماع على أن الدخول المدرسي لهذه السنة في هذه النيابة كان دخولا ناجحا وبامتياز، بالرغم من بعض الإكراهات والصعوبات التي عرفها ملف الموارد البشرية، من حيث تدبير الندرة فيه وسعيا منا إلى استتباب نوع من الاستقرار، لتجاوز تلك الحلقة المفرغة التي يعرفها كل دخول مدرسي على مستوى إعادة انتشار الموارد البشرية، لسد الخصاص، عمدنا إلى نهج سبيل الانتقال من أجل المصلحة، تلبية لحاجة ماسة لدى نساء ورجال التعليم من حيث سعيهم إلى الشعور بالاستقرار، من جهة، ومن جهة ثانية، إلى تقليص حجم عمليات التكليفات التي تطرح مع مطلع كل سنة دراسية. وطبعا، كأي عملية مرتبطة بأشخاص، لا بد أن ترضي البعض وألا تروق البعض الآخر، علما أن نسبة الذين عبَّروا عن تظلمهم أو موقفهم تجاه قرار الانتقال من أجل المصلحة يبقى جد محدود، قياسا إلى الذين حبذوا الفكرة ورحبوا بها.. وهذه مناسبة للتأكيد على طابع الاستقرار الذي ميز الدخول المدرسي، والذي عكسه ذلك الشعور العام لدى الجميع بشفافية العمليات المتخذة وبموضوعيتها وبنزاهتها، بعيدا عن كل ضجيج.. والفضل في ذلك يعود إلى جميع الأطراف التي ساهمت في ترسيخ هذه الثقافة وهذا العمل، بدءا بالشركاء الاجتماعيين، الذين ننوه بمستواهم العالي في التعامل مع مختلف القضايا المطروحة، مرورا بالمكونات الإدارية والتربوية، انتهاء إلى وعي ومسؤولية والتزام كل رجال ونساء التعليم...