في خطوة لا تربوية، لا شك أن كل رجال ونساء التعليم قد أحسوا بالامتعاض وهم تتابعون نشرة الظهيرة ليوم الثلاثاء 5 يونيو الجاري، بعد يوم واحد فقط من الندوة الصحفية لوزير التربية الوطنية الذي شدد على ضرورة اتخاذ تدابير صارمة لمحاربة ظاهرة الغش في الامتحان. فقد أنجزت القناة مادة خبرية على شكل روبورتاج أقل ما يقال عنه أنه يفتقد إلى المهنية والتوازن و لا يستحضر الحس التربوي المطلوب في موضوع حساس وخطير مثل الغش في امتحانات الباكلوريا. فقد عرضت القناة الثانية صورا لمجموعة من التلاميذ وهم يحضرون مادة الفلسفة في مقهى عمومي بمدينة فاس، وتم استجوابهم في مسألة النقل في الامتحان، فأجمع كل المتدخلين على أن الغش ضروري (كررها أحدهم 3 مرات!)، واستطرد أحد التلاميذ المستجوبين في عرض بعض الأساليب الحديثة في النقل بكل ثقة في النفس، ومنها وضع عدسة كاميرا صغيرة الحجم في سلسلة قميصه، وبفضل البلوتوث يتم تصوير نص السؤال ونقله لشخص آخر خارج القاعة ويتم إملاء الجواب عبر جهاز التنصت الموضوع في الأذن. بعدها مباشرة، أعطيت الكلمة لمدير أكاديمية جهة فاس بولمان الذي اكتفى بالتصريح بأن الهواتف النقالة ممنوعة على التلاميذ هذه السنة، و ب"مناشدة" هؤلاء التلاميذ بالتحلي بالصدق ! لكنه لم يعقب على الصورة المعروضة ولم يدن ذلك السلوك المشين الذي يتنافى مع القانون أولا ومع الدين والأخلاق ثانيا ومع كل الأعراف الإنسانية ثالثا، و ينسف مبدأ العدل وتكافؤ الفرص بين المتبارين. بل إن هؤلاء التلاميذ يجب أن يتابعوا قضائيا لأنهم ينوون ارتكاب جريمة النقل ويصرحون في قناة عمومية أنهم عازمون على النقل و يخططون لذلك بما لديهم من هواتف نقالة و أشياء تقنية مادية ذكروها في النشرة الإخبارية لقناة وطنية رسمية و في ساعة الذروة (أي هناك نية سبق الإصرار والترصد من أجل تحدي القانون وتحدي رجال ونساء التعليم الذين سيكلفون بالحراسة). الصورة التي علقت بذهن المتفرج ساعتها، هي أن الكلَ ينقل وأن هذا أمر طبيعي، بل ضروري، ولا يمكن مقاومته بأي وسيلة كانت. بل إن أحد التلاميذ صرح بالحرف وبكل وقاحة: " من نقل انتقل، ومن اعتمد على نفسه عشش في قسمه"، وهي دعوة صريحة للغش والنقل !! و بالتالي، هذه المادة الخبرية المعززة بالصوت والصورة مدانة و لا تربوية، تقرُ سلوكا مستهترا و تعتبر تسفيها لكل جهودنا نحن الأساتذة الذين مافتئنا نردد طيلة السنة أن النقل ممنوع وأن كل حالة تضبط تتم معاقبتها بصرامة، وأن الأصل هو الاعتماد على النفس والتحضير الجيد بكل نزاهة وأن سرقة المعلومة حرام من الناحية الشرعية لأنه أخطر من سرقة المال... بعدما يشاهد تلامذتنا هذه النشرة العرجاء اللاتربوية، سيتهموننا بالبلادة أو بالكذب والتغليط، وتكريس الحكرة و عدم تكافؤ الفرص. لأننا نطبق القانون بصرامة على تلاميذ البوادي النائية والقرى المستضعفة، في حين تلاميذ فاس و الرباط والدار البيضاء ينقلون بأحدث الوسائل ويدعون لذلك عبر القناة الوطنية ولم ينكر عليهم لا وزير ولا فقيه ولا مدير ولا أستاذ ولا حتى أب أو ولي أمر ولا حتى أحد التلاميذ من الأغلبية التي تستعد للامتحان بجد ولا تنوي الغش ومنهم أبناؤنا !!! إن قانون الصحافة والنشر ينص على معاقبة أي إشهار لسلوك يتنافى مع الأخلاق العامة ، فكيف بهذه النشرة الإخبارية التي تقوم بالدعاية للغش في امتحان الباكلوريا دون تصويب ولا إدانة صريحة من المعلق الذي أورد تصريحا باهتا لمسؤول وزاري دون أن يسأله عن العقوبة التي ينص عليها القانون في حالة ضبط الغش ولا عن إجراءات الوزارة للحد من الظاهرة بناء على تعليمات السيد وزير التربية الوطنية في الندوة الصحفية ليوم أمس. وعليه، فإنني كأب وكرجل تعليم أطالب القناة الثانية باستدراك الأمر وتصوب الخطأ وأطالب المسؤولين بتشديد الحراسة على أولائك التلاميذ الذين صرحوا بنيتهم في النقل والغش في الامتحان، تحقيقا للعدل بين جميع المترشحين في كل أنحاء المملكة. انظر الرابط: http://www.2m.ma/Infos/node_3807/2012/node_51420/12h45-5/(date)/20120605