اختراقات أمنية لفضاءات المؤسسات التعليمية بالاعتداء على التلاميذ والأطر التربوية والإدارية: -الفضاء الخارجي للمؤسسة التعليمية والأسئلة الراهنة -الفضاء الخارجي للمؤسسة التربوية والأجوبة الممكنة ذ.محمد بنسعيد أستاذ التعليم الثانوي تأهيلي ثانوية القدس - بركان - ييفرض موضوع تأمين المحيط الخارجي للمؤسسات التربوية نفسه كموضوع للنقاش والتداول وسط الاوساط المهتمة بالشأن التربوي ببلادنا إلا خلال السنوات الأخيرة بعدما أضحى يشكل هاجسا حقيقيا لدى مختلف الفاعلين في المجال: مدرسين وإداريين وتلاميذ وأوليائهم لاسيما وأن المشكل الأمني بالقرب من المؤسسات التربوية يزداد مع الوقت ترديا وخطورة الى درجة ان اختراقات امنية متعددة اصبحت تطال بشكل يومي فضاءات المؤسسات الداخلية كالساحات والفصول الدراسية ومكاتب الإدارات وأقسام الداخليات مثل التهجم بالعنف اما على التلاميذ والتلميذات او على الطاقم التربويي و الإداري الى جانب مظاهر مختلفة من الانحرافات السلوكية كترويج الخمور والمخدرات والأقراص المهلوسة وغيرها. موضوع تأمين محيط المؤسسات التربوية بحاجة ماسة الى نقاش عمومي موسع تطبعه الجدية بين كل الأطراف المعنية حتى يتمكن الجميع من محاصرة الظاهرة والحد من تناميها من خلال إنجاز مقاربات تربوية ،قانونية وأمنية جد فعالة وقابلة للتطبيق وذلك بهدف إعادة الأمن والهيبة المفقودين لفضاءاتنا التربوية خدمة لجودة التعلمات التي تسعى منظومتنا التربوية الى تحقيها. الفضاء الخارجي للمؤسسة التعليمية والأسئلة الراهنة يقصد بالفضاء الخارجي للمؤسسة التربوية ذلك الفضاء المحاذي للمؤسسة من أزقة وشوارع وساحات ومساكن ومقاه وملاه ومحلات وغيرها وغالبا ما يتم الفصل بين هذا الفضاء وداخل المؤسسة بسور تختلف مواصفاته من مؤسسة إلى أخرى. والحقيقة أن ما يحيط بخارج المؤسسة التربوية ظل خلال الأعوام الماضية لا يدخل في إطار انشغالات المهتمين بالشأن التربوي الذين كانوا دوما لا يهتمون إلا بالفضاء الداخلي لاعتبارات متعددة أهمها انحسار الوعي التربوي الذي كان يعتبر أن ما هو خارج سور المؤسسة لا يدخل في اختصاصات لا الادارة التربوية ولا المربين بقدر ما كان دائما يربط بمسؤولي السلطة والأمن والمجالس المنتخبة، إلى جانب أن الفضاء الخارجي للمؤسسة لم يكن يطرح المشاكل بالحدة التي بات يطرحها الآن وذلك بالنظر إلى تأثيراته القوية والمباشرة على الفعل التربوي الذي تغيرت بشأنه مجموعة من الأسس والمبادئ والتصورات ولاسيما منها ما يتعلق بالانفتاح على الحياة المجتمعية التي تحيط بالمنظومة التربوية برمتها، لذلك لم يعد سور المؤسسة في الواقع إلا حاجزا (شكليا) يفصلها عن بنية المحيط الخارجي وخاصة ذلك المحاذي للمؤسسة والذي كان إلى عهد قريب ( مخصصا) للتلاميذ الذي يقضون فيه أوقاتا ما، إما في انتظار الدخول إلى اقسامهم أو يقضون أوقاتا منفلتة من جداول الحصص الرسمية. إلا أن التحولات التي عرفتها مختلف بنيات المجتمع المغربي أنتجت فضاء خارجيا آخر للمؤسسة التربوية حيث أصبح في الوقت الراهن ملتقى ليس للتلاميذ فقط بل للمراهقين والوافدين الغرباء ومرتعا خصبا لمسلكيات ذات طابع اجرامي كترويج المخدرات بكل أنواعها وما يتبع ذلك من سلوكات التحرش بالتلميذات والأستاذات ومختلف مظاهر العنف والمعارك الدامية التي قد تنتقل إلى ساحة المؤسسة وأقسامها ، إلى جانب ما أصبح يعرفه من ظهور أنشطة تجارية فوضوية لا تخضع لأي ضابط قانوني وأمني كبيع السجائر والمأكولات الخفيفة ناهيك عن الألعاب المختلفة بقاعات الملاهي والمقاهي المحاذية للمؤسسات التربوية، فأصبح له حسب تعبير العربي المنفلوطي (انعكاس وتأثير سلبي مباشر على التحصيل التربوي والجودة التعليمية تكتوي من ناره كل مكونات العملية التعليمية وما يترتب عنه من هدر مدرسي وانحلال أخلاقي تتحول فيه التربية إلى نوع من الوهم والسراب في ظل الشعارات المرفوعة بحدة من أجل اصلاح المنظومة التربوية وتصحيح وضعية عقاربها حتى يرد الاعتبار إلى التعليم كآلية أساسية لتكريس المواطن الايجابي في مجتمعنا المتسم حاليا بالعديد من التحديات والإكراهات). نخلص إذن ، إلى أن المحيط الخارجي المحاذي لمؤسساتنا التربوية أضحى يطرح ركاما من الأسئلة على كل من يرتبط من قريب أو من بعيد بالمنظومة التربوية تلقيها تلك الأطراف الممارسة ميدانيا للفعل التربوي حيث لم يعد لا التلميذ ولا المدرس ولا الإداري ولا حتى الأب يطمئن إلى مؤسسته التربوية التي أصبحت تعاني ، أكثر من أي وقت مضى، من معضلة غياب الأمن حيث بات من السهولة بمكان استهداف مرتاديها إما بالسب والشتم أو بالسلاح الأبيض أو بأدوات إجرامية أخرى وتتعمق أزمة الأمن أكثر حين لا تتلقى نسبة كبيرة من المتورطين ما تستحقه من عقاب من قبل السلطات المختصة . فهل سيظل الفضاء الخارجي المحاذي لمؤسساتنا التربوية يعرقل، بغفلة من الجميع، المجهودات التي تبذل من أجل تحسين جودة العمل التربوي ؟ إلى متى سيظل التعاطي مع معضلة تأمين المحيط التربوي الخارجي تطبعه البرودة والمناسباتية و يلقي كل طرف من الأطراف المعنية المسؤولية على الطرف الآخر ؟ ما هي المداخل الممكنة التي من خلالها يمكن الولوج إلى عملية تأمين المحيط الخارجي للمؤسسة التربوية ؟ ما هي الآليات الممكنة والفعالة التي من خلالها نحول هذا الفضاء المتسم بالعدوانية والعنف والإجرامية إلى فضاء يتماشى والصورة الحقيقية للمؤسسة التربوية ؟ الفضاء الخارجي للمؤسسة التربوية والأجوبة الممكنة كشف المنشور المشترك 141 بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الداخلية الصادر عام 2006 حقيقتين اثنتين: الأولى ، أن هناك اعترافا صريحا بحاجة المؤسسة التربوية إلى تدخل يحصنها من اختراقات سلوكات العنف وما يتبعها والثانية، أن تنقية محيط المؤسسة التربوية الخارجي يجب أن يكون عملا تشاركيا ، من هنا لا زال المنشور المشترك يشكل من الناحية النظرية مدخلا أساسيا لتأمين خارج المؤسسة وخارطة طريق تبقى بحاجة إلى تنفيذ ما ورد فيها خاصة ما يتعلق بتنظيم وتكثيف دوريات وحملات أمنية ميدانية يطبعها الحزم والفاعلية ، إلا أن المنشور لا يمكن له أن يكون وحده الكفيل بترسيخ الحماية الأمنية خارج المؤسسة بل أن هناك مداخل أخرى ، منها ما هو تربوي مثلا ويتعلق بضرورة إسهام المؤسسة التربوية نفسها في الارتقاء بالفضاءات التعليمية والحياة المدرسية، وهي مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بتأهيل بنيتها العمرانية بناء وتجميلا حتى تصبح صورتها متميزة عما يحيط بها من مبان ومساكن، فتفرض بالتالي قيمتها على الجميع ، إلى جانب وجوب فتح نقاش داخل المؤسسة ذاتها تنخرط فيه جميع مكونات العملية التعلمية أطرا تربوية وممثليها التربويين والنقابيين وتلاميذ وجمعيات الآباء والأولياء وذلك من خلال تسطير برامج تخصص لها أغلفة زمنية يكون الهدف منها تقوية الحس الدفاعي لدى المدرسين والتلاميذ أثناء مواجهة سلوكات العنف الخارجية من جهة و إعادة صياغة العلاقات بين المؤسسة التربوية والفضاءات المحيطة من جهة أخرى وذلك بإشراك مكوناتها البشرية مثل الساكنة وأرباب المحلات التجارية والمنتخبين مع وجوب استثمار جمعيات المجتمع المدني ، لاسيما القريبة من المؤسسة التربوية المستهدفة. إن الأمر يتطلب بناء برنامج شمولي يكون لكل طرف من الأطراف المعنية مشاركة فعالة في استحضار مختلف آليات التنفيذ وما قد يعترضها من عوائق موضوعية. وقد تستوجب الشراكة المجتمعية لتنقية محيط المؤسسة التربوية وتأهيله طرق أبواب فاعلين آخرين مثل المساجد التي يمكن للخطباء فيها أن يجعلوا من تأمين المحيط الخارجي للمؤسسة التربوية موضوعا لخطبهم يمررون من خلالها دعوات إلى المصلين كي ينخرطوا كل من جهته في عملية التنقية تلك . ونظرا لأن المجالس المنتخبة تشكل طرفا مهما في أي مشروع تأميني لمحيط المؤسسة الخارجي فإنه أصبح لزاما عليها أن تعيد النظر في ما تمنحه من رخص مؤقتة لبعض الأنشطة التجارية مثل المقاهي والملاهي التي باتت تتكاثر عند أبواب وأسوار مؤسساتنا التربوية يتجمع فيها المراهقون والغرباء والذين يستهدفون التلميذات والتلاميذ وحتى الأطر التربوية والإدارية على السواء أثناء دخولهم وخروجهم من مؤسستهم . هذه بعض من الأسئلة التي أضحت تطرحها بقوة المحيطات الخارجية لمؤسساتنا ضمن مشهدنا التربوي وقد اتبعناها بجملة من الاقتراحات كأجوبة ممكنة يمكن استثمارها بهدف إعادة صياغة مفهوم آخر لتأمين الحياة المدرسية خاصة وإننا كأطر تربوية مزاولة في الميدان نترقب بكثير من التشاؤم أن تزداد الأوضاع الأمنية بمؤسساتنا التربوية ترديا وذلك بسبب ما أصبحنا نلاحظه بشكل يومي من تنامي ظاهرة التجمعات المشبوهة أمام مداخلها وما ينتج عنها من سلوكات تهدد بقوة الفعل التربوي مما يستلزم على كل الأطراف المعنية بالموضوع التحلي بالشجاعة والجرأة الكافيتين للذهاب بكل حزم نحو عملية تجفيف مختلف مواطن العنف المحيطة بالمؤسسات التربوية في إطار من التشاركية الشفافة والهادفة. ذ.محمد بنسعيد أستاذ التعليم الثانوي تأهيلي