توفيت المرحومة زليخة الناصري مستشارة جلالة الملك بالمستشفى العسكري بالرباط.هكذا يفقد المغرب أحد الرموز الوطنية،ذات الأخلاق الفاضلة والعالية والمنحدرة من مدينة وجدة والتي كان من المقرر أن تترأس بها المرحومة لقاء حول سبل دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة صباح الخميس المنصرم.ولاح نجمها كمستشارة بالديوان الملكي،اعتبرت القلب النابض لمؤسسة محمد الخامس للتضامن حيث ظلت تحط رحالها بكل ربوع المملكة،من أجل تهيء الزيارات الملكية أو الوقوف على مشاريع وبرامج المؤسسة المذكورة.استمدت قوتها من صفاء سريرتها،وتربعت فوق قلوب الجميع بسبب حبها للوطن وتشبتها بالعرش العلوي المجيد.الراحلة زليخة شرفت كل أبناء الجهة الشرقية،واعتبرها المقربين منها تاج فوق رؤوس أبناء الشرق،لأنها بصمت تجربتها ومسارها بحبها للوطن وتفانيها في خدمة المجال الاجتماعي والتضامني.ظلت تكابد رغم السن واشتغلت إلى جانب رؤساء أحزاب ورؤساء البرلمان ورؤساء حكومات دون أن تميل إلى أي لون لأنها كانت تعتبر كل المغاربة سواسية.همها أن تندمج المرأة وتنخرط الفتاة ويؤهل الشاب.أكدت دوما على احترام حقوق الإنسان،وتكريس دولة المؤسسات،والعمل على أن يخرج المغرب عافيا متعافيا وهذا ما حصل بالفعل."لم تكن التلميذة زليخة الناصري ذات السبعة أعوام،تدرك أن اليد التي كانت تتأبط محفظتها،وهي في طريقها إلى مدرسة الفندق أو مدرسة مولاي عبد الله بوجدة،ستحمل من الملفات ذات الصبغة الاجتماعية ما يرسم التوجهات العامة لسياسة البلاد في فترة من فتراته.فبالرغم من الاختلافات المرتبطة بكلمة السر التي فتحت للمغفور لها بإذن الله تعالى زليخة كل الخزائن،تشترك الصور المكبرة للسيدة الوحيدة التي يستشيرها الملك،في كونها تلتقي في حزمها وجديتها المرتبطتين بإدارتها للمحطات التي بصمت حياتها المهنية،كما أنها تثير بالفعل الاستغراب في هذه الصدفة التي جمعت بين فقر الجهة التي تنحدر منها،وبين دورها الطلائعي في مؤسسة همها الحقيقي هو محاربة الفقر.تعازينا الحارة في وفاة ابنة الشرق المناضلة والإنسانة والخبيرة والإطار زليخة ناصري.وبهذه المناسبة الأليمة نرفع أكف الضراعة إلى العلي القدير بأن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته التي لا تقاس،وأن يشملها بعظيم مغفرته ورضوانه،وأن يجعل مثواها فسيح جنانه وأن يثيبها الجزاء الأوفى عما أسدته لوطنها من خدمات جليلة،وتعازينا لأسرتها الصغيرة والكبيرة داخل الوطن وخارجه وإنا لله وإنا إليه راجعون.وكانت الفقيدة زليخة نصري أسلمت الروح إلى باريها،عن سن 70 عاما،وذلك على إثر إصابتها بجلطة دماغية. "منطقة المغرب الشرقي أو الجهة الشرقية هي عدم النفعية من منطق استعماري،لكن من حسن حظ التاريخ،أن عدم النفعية لا يشل الأرحام لتلفظ الرجال والنساء الذين قد يصنعون تاريخ هذه المنطقة في محطة من محطاته،فالشرق ليس بالضرورة تلك الخريطة الجافة من الماء والاقتصاد،لكنه أيضا الرقعة التي قدمت للوطن ذلك الإنسان المؤمن بوطنيته،ولنا في ديوان النضال والدفاع عن الوطن من الأسماء ما يؤكد تلك القولة الشهيرة:من الشرق تأتي النبوءة كما السموم،ولعل غنى تاريخ هذه المنطقة لم يشفع للسياسة في تجاوز فقر جغرافيتها،وتلك في اعتقادنا واحدة من عوامل النسيان وفقدان الذاكرة،بل كانت في أكثر اللحظات حافزا للجهة لتقدم للوطن مزيدا من الثروات المادية والإنسانية.ربما يكون القدر المأساوي هو الذي جعل هذه الجهة تضرب الأرقام القياسية في الفقر والأمية والتخلف...وربما يكون إحساس أبناء هذه الجهة بالغبن ما يجعلهم يساسون بالعاطفة أكثر مما تسوسهم العاصفة،وتلك في نظرنا حالة الفقيدة زليخة الناصري،فمن هي هذه المرأة التي لفرط ما ارتبط اسمها بمؤسسة محمد الخامس للتضامن يخطئ الكثيرون أنها مديرة هذه المؤسسة؟" يتساءل الأستاذ والزميل عبد المنعم سبعي ولدت زليخة الناصري بمدينة وجدة عام أحد المنازل القديمة التابعة للحبوس بوسط المدينة قرب "حمام بوسيف" (وليس في المكان الذي أرخته لها وكالة المغرب العربي للأنباء التي لم تكلف نفسها عناء الاتصال بعائلتها لتتؤكد من معطياتها المغلوطة،ناهيك عن أخطاء أخرى لا تليق بوكالة رسمية) تابعت دراستها الابتدائية بمدرسة الفندق التي كانت تابعة لمدرسة مولاي عبد الله التي أنهت بها أعوام التمدرس الابتدائي،ثم التحقت بثانوية عبد المؤمن،وبعد حصولها على شهادة الباكالوريا من مدينة مكناس التحقت بالمدرسة الإدارية بالرباط لتلتحق بوزارة المالية كموظفة بمديرية التأمينات.وطوال هذه المرحلة،كانت فقيدتنا زليخة تختبر حقيقة السياسة المغربية،وكنه المجال الاجتماعي والجمعوي بالمغرب،فلقد نسجت من العلاقات مع الشخصيات التقدمية والشيوعية وقتها حتى ظن الكثير أنها مناضلة بحزب التقدم والاشتراكية،كما أنها استطاعت أن تنفتح على الفيوداليين الجدد بحزب التجمع الوطني للأحرار حتى اختيرت أمينة مال جمعية أنكاد المغرب الشرقي.قد يكون الانفتاح على فعاليات المجتمع المدني هو ما ملأ قدر فقيدتنا زليخة ربما إعدادا لها لتحمل المسؤولية بمؤسسة محمد الخامس للتضامن،كما أن الصبغة التقدمية التي استطاعت أن تكتسبها ليس عن طريق الانخراط في حزب تقدمي ولكن في سيرتها الدراسية والمهنية التي ظلت تصاحب فيها أكثر الحساسيات السياسية يسارية قبل أن تصبح بواحد من مراكز القرار الحساسة في الدولة،قد مهد لها الطريق لتشهد مسيرة أخطر الملفات الاجتماعية المرتبطة بمدونة الأسرة وما سبقها من محطات متميزة.لا يكون المرء فاعلا في المجتمع المدني إذا لم يعانق العمل الجمعوي في سن الشباب،ونعتقد أن سقف الفاعلية ممثلا أساسا في الانخراط بجمعية أنكاد لم يكن بعيدا عن همة بنت مدينة وجدة،كانت الثمرة الطبيعية لطبيعة المرحلة،وستعرف بعد تجربة شاقة أن الخطوة الأولى لا ترسم بالضرورة بفرح المستقبل،عندما ستكتشف كما أحس بذلك ثلة من المؤسسين أن تنمية الجهة الشرقية كما كانت تتصورها لن تتحقق في جمعيات السهول والوديان والجبال.إن الجسد الجمعوي لفقيدتنا زليخة لم يختبر حقيقة المجتمع المدني إلا مع تعيينها بإدارة مؤسسة محمد الخامس للتضامن،ولعل المستشارة الملكية عاشت تفاعلها تلك المرحلة الشبابية بنوع من ذاكرة القلب والاستفادة من نقائص التجارب الماضية.لقد حرصت الالمرحومة بإذن الله تعالى زليخة على أن تحقق طموحها في إتمام الدراسة بشكل سليم وصحيح،لهذا بعدما التحقت بوزارة المالية،ستتابع دراستها العليا بفرنسا حيث حصلت على الدكتوراه في قانون التأمين بالمغرب،ولازالت رسالتها تعتبر من المصادر القانونية الأولى في هذا المجال،وقد يكون هذا التخصص إحدى كلمات السر التي فتحت لفقيدتنا زليخة خزائن السياسة.وما نستطيع الجزم به هو أن إدارتها لمديرية التأمينات بوزارة المالية،والجدية التي دبرت بها ملفات شركات التأمين،قد جعل من اسم السيدة زليخة الناصري أشهر من علم لدى كبار رجال المال والأعمال،خاصة مع ظهور القانون الجديد للتأمينات التي كانت وراءه بنسبة كبيرة.ولأن الطابع الاجتماعي كان حاضرا في مسيرة فقيدتنا زليخة الناصري بالرغم من تخصصها القانوني،واحترافيتها بوزارة المالية فإنها ستعين كاتبة الدولة بوزارة الشؤون الاجتماعية المكلفة بالتعاون الوطني،على عهد الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه،فالذي يقرأ هذه المراحل من الحياة العملية لفقيدتنا زليخة الناصري،يخال أن منصب كاتبة دولة مكلفة بالتعاون الوطني لا يعكس الانطلاقة القوية في اتجاه أحد مراكز القرار الحساسة ممثلا في منصب مستشارة الملك،لكن دليل الفكرة الاجتماعية تقول أنها قد تعرفت في هذه المحطة على أكثر دقائق الأمور المتعلقة بالفقر والمرأة،ونعتقد بما يشبه الجزم أن اشتغالها في وقت مبكر على مؤسسة الزكاة كانت الإرهاصة الأولية لميلاد مؤسسة محمد الخامس للتضامن والتآزر بشكل يبرز الاهتمام الذي يوليه صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله للفئات المعوزة والفقيرة بعدما نخرت سياسات الحكومات المتعاقبة عظام فئة عريضة من المواطنين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر..كما أن فقيدتنا زليخة في محطة كاتبة الدولة ستتقرب أكثر من الحساسيات النسائية اليسارية التي بات صوتهن يرتفع بالمطالب ذات الصلة بقوانين الزواج والطلاق والولاية والحضانة...خاصة بعد توقيع المغرب على الاتفاقيات الدولية،وهو ما شجع المرحومة بإذن الله تعالى زليخة أن تضع اللبنات الأساسية للخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية عبر تنظيم ندوة علمية في ذات الموضوع،هذه الخطة التي سيخرجها سيعد السعدي إلى حيز الوجود مع بداية حكومة التناوب في طبعتها الأولى،ستجر عليه الويلات ما لم يكن يخطر على باله خاصة تلك المقاومة التي أبداها الوزير المدغري وعلماء المغرب وحزب العدالة والتنمية والجمعيات ذات التوجه الإسلامي،الأمر الذي بوأ هذا الملف ليصل إلى التحكيم الملكي عبر تنظيم اللجنة الملكية لمراجعة مدونة الأسرة،وفي هذه المرحلة أيضا ستكون فقيدتنا زليخة حاضرة بشكل قوي لأنها كانت حلقة وصل بين المؤسسة الملكية والمنظمات النسائية.فمن كاتبة للدولة بوزارة الشؤون الاجتماعية إلى مكلفة بمهمة بالديوان الملكي في أبريل 1998،إلى مستشارة للملك في 29 مارس2000،خلال كل هذه الخطوات لم تجد المرأة الوحيدة التي يستشيرها الملك،صعوبة لتتقمص صورة تتماشى ووظائفها الجديدة،المؤكد أن ما جعل هذه المرأة الوجدية يضرب لها ألف حساب هو اقترانها بمهتين:الأولى استشارية والثانية إدارية،إذ لكونها عضوة بالمجلس الإداري لمؤسسة محمد الخامس،ومستشارة الملك،تضطلع بدور طلائعي داخل هذه المؤسسة،ولا يخفى على كل المغاربة أن عدستي القناتين التلفزيتين لا يمكنهما أن تنقلا إحدى جولات الملك الاجتماعية التي تؤطرها المؤسسة دون أن يتزعمها هذا الوجه المفعم بالحيوية والترقب،ولفرط ما ارتبط اسمها بهذه المؤسسة،يخطئ المواطنون وظيفتها الحقيقية بهذه المؤسسة معتقدين أنها المديرة،لكنها عضو يبادر إلى الاتصال بالقطاعات الوزارية وتقديم المشاريع وانتقاء المجتمع المدني،الأكثر من هذا بات بديهيا أن قبيل كل زيارة ملكية تستطلع فقيدتنا زليخة المناطق والمحطات التي سيمر منها الموكب الملكي،وتحتج بلهجة شديدة إذا ما تبين لها أن لبنة من لبنات البروتوكول قد هدمت.فالذين يعرفون أدبيات العلاقة التي تربط الملك بمستشاريه يعلمون ولا شك أن هذه العلاقة تكون ذات طابع شخصي وليس ذات طابع تنظمي،وهذه العلاقة هي التي تحدد مدى قرب المستشار من الدائرة الملكية أو ابتعاده عنها،فمتى اعترى وشائج هذه العلاقة أي تأثير انعكس ذلك على وضع المستشار ضمن هذه الدائرة،ومن ثم يمكن فهم الشخصية التي تحاول أن ترسمها المرأة الوحيدة التي تكسر الدائرة الذكورية لمستشاري جلالة الملك لنفسها،وتتبلور أساسا فيما يمكن تسميته بخشية المسؤولين الحكوميين الناتجة عن أوامرها الصارمة التي ترجع كل شاذ عن فلسفة وروح البروتوكولات الملكية إلى مكانه،ولا نظن أن هذه المميزات الخاصة لفقيدتنا زليخة كانت لتمر دون أن تضع لها مكانا خاصا في صلب القصر الملكي،فالخبرة التي راكمتها عن طريق التجربة الأكاديمية والاجتماعية والفترة التي قضتها داخل القصر الملكي سمح لها بشيء كبير من التعرف على دواليب ومراسيم تسيير شؤون الحكم وممارسته.ولم يكن بالإمكان إسقاطها من المعادلة،فهي التي أتقنت فن ترويض السياسيين في حالة الاستغلالالاجتماعي بطريقة حزبوية أو سياسوية،وسند هذه الفكرة ما ترجمته أثناء كارثة زلزال الحسيمة حين وقفت حاجزا أمام أولئك الذين أرادوا الركوب على الحدث سياسيا،وربما من ثم جاءت فكرة زيارة الوزراء على انفراد إلى الحسيمة باستثناء وزير الداخلية والسيدة زليخة بالطبع،وفي هذا المصاب أبدت السيدة زليخة عن قدرة خارقة في التخفيف من المأساة حتى إن معدل نومها لم يكن يتجاوز الثلاث ساعات يوميا أثناء تواجدها بالحسيمة هذه هي السيدة زليخة الناصري التي استطاعت أن تجد لاسمها مكانا متميزا ضمن الاسماء الذكورية التي يستشيرها الملك. وكان جلالة الملك قد بعث ببرقية تعزية ومواساة إلى أفراد أسرة الفقيدة أكد فيها جلالته أن وفاة الراحلة المبرورة "لا تعد خسارة لأسرتكم الموقرة فحسب،وإنما لوطنها أيضا الذي فقد فيها شخصية فذة من كبار خدام الدولة الأوفياء،نذرت حياتها،رحمها الله،لخدمة بلدها"،وأن الراحلة بذلت في سبيل وطنها "الجهد الوفير والعطاء الغزير في تفان وإخلاص دونما ملل أو كلل،وفي نكران ذات عز نظيره،ووفاء مكين للعرش العلوي المجيد"،كما استحضر جلالة الملك،في هذه البرقية،بكل إجلال وتقدير،الخصال الإنسانية الرفيعة والروح الوطنية الصادقة التي تحلت بها الفقيدة الكبيرة،وما ظلت تجسده من حنكة كبيرة،وكفاءة عالية،أهلتها للاضطلاع بنجاح كبير بمختلف المهام السامية التي تقلدتها عن جدارة واستحقاق،على مدى عقود من الزمن،في مختلف المناصب،ولاسيما كمستشارة لجلالة الملك محمد السادس ولجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني،طيب الله ثراه.