على إثر وفاة المستشارة الملكيّة زليخة نصري، صباح اليوم، وانتقالها إلى دار البقاء إثر جلطة دماغيّة، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الرسميّة، تنفض هسبريس الغبار عن مادّة صحفيّة سبق أن تعرضت لمسار زليخة، جرى نشرها ضمن العدد ال23 من "مجلّة هسبريس"، الصادر يوم 6 يونيو 2013. المادّة كانت قد نشرت تحت عنوان: من يجرؤ على زليخة نصري؟.. من إنجاز الصحافيّة زهور باقي. بخطى امرأة واثقة قطعت المسافات من وجدة إلى قلب البلاط، وبعزم امرأة حديدية تسلقت العقبات لتخترق دائرة الذكورية. بسلاسة انتزعت لها مكانا وسط الرجال، وبكل ندية فرضت احترامها عليهم. هي المرأة الوحيدة التي يستشيرها الملك، أنصت لها، وثق بها، كرمها بمنزلة خاصة، ووشحها بالذراع الاجتماعي للقصر. حاضرة بجانبه أو خلفه أمام شاشات الكاميرا في الأنشطة الملكية، وترافقه في كل كبيرة أو صغيرة في التدشينات ذات الصبغة الاجتماعية، بل وأدت معه مناسك العمرة. سمراء البشرة، ابنة المنطقة الشرقية تحافظ على تسريحة شعر واحدة، مدمنة على ألوان غامقة لا تفتح سحنة وجهها، وفية لابتسامة محايدة لا تفارق محياها، نظرتها هادئة ومستقرة، هندامها، طريقة جلوسها، مشيتها وقفتها تعكس انضباطها لبروفايل "امرأة الدولة"، التي تتقن اختيار التفاصيل. كل شيء في شكلها الخارجي يعكس تكتمها، وتحفظها بما يتلاءم ومنصبها الحساس. هي الحاضرة الغائبة، جديتها صامتة، وإتقانها لعملها لا تسوقه في الخطابات الخشبية، بل في أوامر تبحث عن الكمال لا الواقعية. لا تكشف عن أسنانها أثناء ضحكتها، ولا تظهر حزنها، لكن لكل قاعدة استثناء، فبدون سابق إنذار رغما عن شخصيتها الصارمة، انصهرت المرأة الحديدية مع الحدث بعد سماع خبر موت أعز صديقاتها "أسية الوديع"، أسرعت أعين المصورين إلى التقاطها جاثمة على ركبتها تبكي بحرقة حزنا على فقدان رفيقتها، فكانت لحظة سقوط إنسانية لامرأة ترتعد لها فرائص الرجال هيبة وتقديرا. من الشرق تأتي النبوءات كما تأتي السموم. ومن الشرق أتت سيدة الظل الأولى، زليخة النصري. مسار امرأة بمائة رجل وهي في طريقها إلى مدرسة "الفندق" بوجدة، لم تكن تدرك الفتاة ذات السبع سنوات التي تحمل محفظة في يدها أنها ستحمل ملفات كبرى على كاهلها، تحل بها معادلات توجهات سياسية كبرى للمغرب في فترة من حياتها. أنهت سنوات تمدرسها الابتدائي بمدرسة مولاي عبد الله بوجدة، والتحقت بثانوية عبد المومن بمكناس، حيث حصلت على البكالوريا لتنتقل بعدها إلى المدرسة الإدارية بالرباط غير مدركة أنها ستستقر بهذه المدينة، وبالضبط داخل القصر الملكي. "مسارها بني على مهل وبهدوء وبثبات، ويؤكد ذلك خلو طريقها من أية مشاحنات جانبية، أو ما نسميه عادة احتكاكات مع باقي المقربين من الملك" يقول نور الدين عيوش رجل الأعمال الذي رافقها لأكثر من 15 سنة في العمل الجمعوي. أنهت دراستها وفتحت لها أبواب المهنية بوزارة المالية، كموظفة بسيطة بمديرية التأمينات سنة 1960. موظفة ستصبح على رأس المديرية سنة 1994، بعد متابعة دراستها العليا بفرنسا وحصولها على دكتوراه في قانون التأمين بالمغرب. قانون لا يعتبر فقط من المصادر القانونية الأولى في المجال، بل كان وراء ظهور القانون الجديد للتأمينات. منصبها الجديد والصرامة التي دبرت بها ملفات شركات التأمين جعل اسم زليخة يتردد بشكل سريع لدى كبار رجال الأعمال. يتذكر مصدر من زملائها السابقين بكثير من التوتر "جديتها كبيرة وهواتفها واتصالاتها الصباحية كانت تربك أعتى الموظفين، إذ كانت تطالب بإنجاز الأعمال بشكل أقرب إلى الكمال، بطريقة تعجز من خلالها زملاءها ومرؤوسيها". بعصاميتها وجدت زليخة كلمة السر التي فتحت لها خزائن الدولة، لتتحكم في موازين الطبقات الاجتماعية. اشتغلت في مؤسسة همها الأساسي محاربة الفقر، بعدما كانت تتحدر من جهة فقيرة بصمها المستعمر بعدم النفعية. فما بين زليخة الموظفة وزليخة المديرة مسار طويل من التوغل في كنه المجال الاجتماعي والجمعوي، ليتم اختيارها أمينة مال جمعية "أنكاد المغرب الشرقي". وانفتاحها على المجتمع المدني جعل خبرة زليخة تتراكم لفهم إكراهات العمل الجمعوي، وسلطتها تتقوى لتتحمل مسؤولية مؤسسة محمد الخامس للتضامن سنة 1999. في الطريق إلى القصر فتح لها الحسن الثاني أبواب القصر بتعيينها في منصب كاتبة الدولة بوزارة الشؤون الاجتماعية المكلفة بالتعاون الوطني، كأول امرأة وزيرة إلى جانب ثلاث وزيرات أخريات في حكومة عبد اللطيف الفيلالي التقنوقراطية سنة 1997، تعرفت على دواليب الحكم والسياسة، ووضعت القدم الأولى في القصر الملكي بتكليفها بمهمة بالديوان الملكي في 1998، قبل تعيينها مستشارة للملك محمد السادس سنة 2000 " لها سمات امرأة دولة على غرار رجال الدولة، امرأة مستشارة حازمة، وتموقعها كامرأة وحيدة بين مستشاري الملك، يبرره طريقة تدبيرها للعلاقات السياسية والاجتماعية" يأخذ الشاعر والكاتب والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة صلاح الوديع وقته الكافي قبل أن ينطق بأي كلمة في حقها، ثم يضيف "واستمرارها في هذا المنصب يبرهن على حنكتها ومسؤوليتها الكبيرة". لم تجد المرأة الوحيدة التي يستشيرها الملك صعوبة في فرض سلطتها على مرؤوسيها لتتقمص وظائفها الجديدة، امرأة غير متزوجة نذرت حياتها للتضحية في العمل، يضرب لها ألف حساب بإجماع المقربين منها، وترقبها عدسات الكاميرا في الجولات الاجتماعية للملك، دائما إلى جانبه بوجه مفعم بالحيوية والانتباه مع تعب دفين "أتصل بها في عطلة نهاية الأسبوع لأسألها عن أحوالها ومكانها، فتجيبني دائما بأنها في مهمة" يعلق نور الدين عيوش بكثير من التقدير قبل أن يواصل الإثناء " لا تشتكي أبدا، عملها هو حياتها، ليست لها عطل ولا أيام سبت أو أحد، وهو ما يجعل شخصيتها قوية يلمسها كل المقربين منها سواء المستشارين الآخرين أو المواطنين البسطاء". الرعب المؤنث زليخة تمثل الكابوس الذي يقض مضجع الولاة والعمال قبل كل زيارة ملكية. هي عين الملك التي لا تنام، تستطلع المناطق والمحطات التي سيمر منها الموكب الملكي، وتسبقه إليها بأيام للإشراف على مدى جاهزية المشاريع للتدشين. تصرخ وترفع صوتها على الرجال بمختلف مسؤولياتهم إذا ما تبين لها أن الأمور لا تسير بالشكل المطلوب، وتحتج بلهجة شديدة إذا لاحظت لبنة من لبنات البروتوكول قد هدمت. " أفضل أن أسميها "هيبة" وليس خوفا، فالخائف يعني أن بيته من زجاج وفي كرشو العجينة " يقول صلاح الوديع مبتسما قبل أن يستعيد جديته " مسؤولية الخوف لا تقع عليها بقدر ما تقع على الطرف الآخر". أوامرها صارمة ترجع بالأساس لرغبتها في الحفاظ على انطباع جيد لدى الملك. فعلاقة هذا الأخير بمستشاريه يهيمن عليها الطابع الشخصي أكثر منها التنظيمي، فإذا اعترت العلاقة وشائج أو سوء تفاهم أثرت على مدى البعد أو القرب من الدائرة الملكية. في إحدى زياراتها لمدينة القصر الكبير يستحضر أحد المسؤولين حضوره لحصة " تأنيب وتوبيخ " حادة اللهجة من طرفها لمسؤولي المدينة بعد أن أغضبها بطؤ الترتيبات، وعدم التزام المكلفين بها بالوقت المطلوب". سلطة زليخة نصري هي سلطة تستمدها من السياقات، فبقدر قسوتها على المسؤولين ومحاسبتهم على " الشاذة والفاذة" بقدر تواضعها مع البسطاء والفقراء أثناء احتكاكها معهم " لم يمنعها لا موقعها ولا منصبها من أن تكون تتميز بالتضامن وتعبر عنه بشكل جميل" يشهد صلاح الوديع في حقها، وهو نفس ما يؤكده رفيقها في العمل الجمعوي عيوش " متواضعة، لا ترى الأشخاص من فوق، تحترمهم وتحترم الشعب المغربي عبر أخلاقها". يجمع المقربون من زليخة على حسن سيرتها وسلوكها، وخلو تاريخها من أي احتكاك أو نزاع أو سوء تفاهم، سواء مع المستشارين الملكيين أو مع المسؤولين الكبار، تدير أمورها باحترافية وكفاءة كبيرين، يحترمها الجميع، تتعبهم بأوامرها، لكنهم يتعبؤون لخدمتها. لا يمكن إسقاطها من المعادلة تتقن فن ترويض السياسيين الذين يستغلون الأحداث الاجتماعية بطريقة حزبية أو سياسية، وقفت حاجزا أمامهم في زلزال الحسيمة سنة 2004، بعدما حاولوا الركوب على مأساة المواطنين "امرأة مغربية مائة في المائة، تتألم لألم المغاربة وتضحك لفرحهم، شخصيا رأيتها تنتقل من دوار إلى دوار ومن قبيلة إلى قبيلة، وعاشت وسطهم لأكثر من أسبوع، لم تكن تتعدى ساعات نومها 3 ساعات يوميا" يقول مسؤول سياسي رفض الكشف عن اسمه. ومن الحسيمة إلى أنفكو حيث حطت الرحال بجبال الأطلس للتخفيف من روع الأمهات والوقوف على متطلباتهم. زليخة والإسلاميون "توجهاتها هي توجهات الملك، ومن قال عكس ذلك سيكون كاذبا، توجهها هو توجه تقدمي" يقول عيوش بثقة كبيرة بحكم قربه منها ويضيف " لم أسمعها يوما تنتقد سياسيا ما، أو حزبا ما، لا تتكلم في السياسة كما يتكلم عنها عامة الناس، بل تختار كلماتها وتظل محايدة، ولا تتدخل إلى فيما يخص سياستها الاجتماعية والسياسة العامة للبلاد" وهو نفس الأمر الذي يذهب إليه صلاح الوديع بصيغة أخرى " لو افترضنا أن لها مسار حزبي فسيكون بمقاربات عقلانية بتفكير امرأة الدولة". خلال مسارها المهني والدراسي نسجت زليخة علاقات مع شخصيات تقدمية ويسارية، حتى ظن الكثير أنها مناضلة بحزب التقدم والاشتراكية، قبل أن تنفتح على الفيوداليين الجدد بحزب التجمع الوطني للأحرار.علاقات صاحبت فيها أكثر الحساسيات السياسية يسارية. "تاريخها مع الإسلاميين يعود لفترة الثمانينيات، حيث كانت تقوم جماعة العدل والإحسان بخيم تضامنية من أجل العمل الخيري، وخصوصا في رمضان، فكانت زليخة تناضل في إطار جمعوي لسد الفراغات التي يمكن أن يستغلها الإسلاميون" يقول أحد المقربين منها "عملها في مؤسسة جمعية محمد الخامس للتضامن وقبلها في مؤسسة الزكاة مكنها من أن تتكلف رسميا بهذه المهمة بشكل مؤسس، يلغي جميع الفرص التي يستغلها الإسلاميون" قربها من التقدميين واليساريين جعلها أوتوماتيكيا تقف في الجهة المقابلة للإسلاميين "من الصعب أن نحكم هل هناك حرب، لأنها لم تتكلم يوما عن الإسلاميين، ولكن أتصور أن تفكير زليخة هو تفكير امرأة دولة، ترفض استغلال المقدس المشترك لأغراض فئوية وحزبية وسياسية. ليس لدي ما يفيد أنها عبرت على ذلك بطريقة من الطرق، لكن التفكير في بناء الدولة يفرض نوعا من الانتباه لكل محاولات استعمال الدين لأغراض غير مسؤولة" يقول نور الدين عيوش. فيما يساند صلاح الوديع توجهاتها " " على كل حال إذا ثبت أن الأمر على هذه الحال، فأنا بلا تردد أدعمها في ذلك، إمارة المؤمنين توحد المغاربة، أن نتصارع في الأفكار والمشاريع والمقترحات جميل، أما التطاول على الدين واستعماله لأغراض فئوية وسياسية، يؤدي في نهاية المطاف إلى تمزق المجتمع عوض توحيده". امرأة قبل كل شيء احتكاك زليخة بالإسلاميين سيعود بشكل واضح نسبيا باقترابها من الأصوات النسائية اليسارية، التي احتكت بها في مراحل متعدد من حياتها، إضافة إلى حضورها بشكل قوي في إطار الإعداد لمدونة الأسرة وتشجيعها لمطالب النساء بتعديل قوانين الزواج والطلاق والحضانة والولاية، إضافة إلى التوقيع على الاتفاقيات الدولية، ووضعها اللبنات الأولى للخطة الوطنية لإدماج المرأة بتنظيم ندوة علمية. خطوة ستجر زليخة إلى صدام مع الإسلاميين وعلماء المغرب، ومعارضة الوزير المدغري مع بداية حكومة التناوب الأولى. مما سيجعل الملف بين أيدي التحكيم الملكي عبر تنظيم اللجنة الملكية لمراجعة مدونة الأسرة. زليخة ومباشرة بعد توليها منصب مستشارة الملك في سنة 2000 ، تم تنصيب سبع وزيرات في الحكومة فنسب لها الفضل في التأثير على إعادة الاعتبار للمرأة، خصوصا أنها دافعت باستماتة عن مدونة الأسرة. " في كل قضايا المرأة والشباب والطفولة تكون دائما حاضرة في الصفوف الأولى لأي مشروع، لها إحساس كبير بالفقراء والأغنياء، كما أن علاقتها بالملك وبالأميرات ممتازة، ولها مكانة خاصة في الوسط الملكي"، زليخة رافقت الأميرات أيضا في رحلاتهن إلى الخارج، وأشرفت على سلاسة انتقال ممتلكاتهن إليهن بعد وفاة الحسن الثاني، كما كانت معهن سواء كمرافقة أو كمؤطرة في إطار ترأسهن للمؤسسات الخيرية والاجتماعية. امرأة تصنع الرجال أفاد مقربون من دائرة زليخة نصري أن لها فضل على العديد من الشخصيات المسؤولة في الاحتفاظ بهم في مناصبهم وتطوير مسارهم. " قدرتها على الانصات والعمل ليس فقط مجرد انطباع بل هو حقيقة، تخدم بكل جدية التوجهات الملكية، متواضعة، شخصيتها تمنح الشعور بالاطمئنان والراحة، إنها امرأة استثنائية" يقول التشكيلي مهدي قطبي في حقها في أحد تصريحاته بعد تنصيبه مديرا للمؤسسة الوطنية للمتاحف. صفة ما كان ليحظى بها لولاها. كانت بشكل مباشر وراء اقتراح اسمه رغم أنه أثار استياء أشخاص اعتبروه لا يحب إلا نفسه، ولم يدافع يوما عن الثقافة المغربية. "زليخة تحمي المقربين منها أيضا، ومن بينهم مصطفى الباكوري حيث تغطي على فلتات لسانه، وتساعده في أداء مهامه والارتقاء في منصبه" يضيف مصدر مقرب منها، الباكوري مدير الوكالة المغربية للطاقة الشمسية يشتغل معها في إطار مشروع الطاقة الشمسية التي تشرف على ملفه. كما يحكي أحد أصدقاء أنيس بيرو وزير الصناعة التقليدية السابق، كيف كان لزليخة الناصري الفضل على تقلده المسؤولية والارتقاء في منصبه المهني. زليخة وبلفقيه زليخة لم تبق رهينة الملفات الاجتماعية، بل أمسكت ملفات اقتصادية وسياسية بعد وفاة المستشار الملكي مزيان بلفقيه في 2010 ، ومرور عدد من الملفات إليها، فطرحت تساؤلات حول إمكانية أن تصبح سيدة المجتمع الأولى سيدة للاقتصاد أيضا، أم أنه مجرد تكليفات مستعجلة من طرف ملك في انتظار إيجاد الشخص المناسب. ابن منطقتها ترك لها ملفات كبرى كمشروع الطاقة الشمسية ب 70 مليار درهم الذي يشرف عليه مصطفى الباكوري، وبطنجة ظهرت إلى جانب الملك ورئيس فرنسا نيكولا ساركوزي في مشروع القطار الفائق السرعة، الذي استثمر فيه المغرب 33 مليار درهم، فضلا عن إشرافها على ملف المخطط الأخضر وملف ميناء طنجة المتوسطي. كانت تتقاطع مع مزيان بلفقيه بشكل كبير بشهادة المحيطين بها، بفعل تحدرهما من مدينة واحدة، لكن الفرق بينهما أنه كان يتميز بنوع من المبادرة الجريئة، عكس زليخة نصري التي تتميز بالتنفيذ التام للأوامر الملكية، إضافة إلى توغله وسط صراعات واحتكاكات مع باقي المستشارين، فيما تنأى زليخة بنفسها عن ذلك، مما يكسبها حيادية واحتراما من طرف أقرب المقربين للملك منير الماجيدي وفؤاد عالي الهمة. فلا يقدر أحد على المساس بها. "السيدة التي لا تنتظر وسيطا لمقابلة الملك تستجيب لكل اتصالاته، وتتفاعل مع كل البرامج والمشاريع الجديدة، لا تتعب لا تمل ولا تقول لا " يصرح مصدر مقرب منها، بل وأحيانا تتدخل في خطوات استعجالية في حالة عدم إتقان أحد الوزراء لعمله أو تأخره، فيعطى الضوء الأخضر لزليخة للدخول على الخط كما حدث مع توفيق حجيرة، إذ تدخلت في مشروع السكن الاجتماعي ومدن بدون صفيح، لتعقد اجتماعاتها المصغرة وبكلماتها الحازمة كانت تخاطبهم " الدولة توفر لكم الأموال، ديرو خدمتكم". يفتخر صلاح الوديع بصداقتها " أتذكر إنصاتها للجميع بانتباه وحرص شديدين، خلال جلسات المؤسسة لتجربة الإنصاف والمصالحة، ورغم أننا كنا نختلف لكن ساد بيننا احترام كبير، كما أن صداقتها لأختي أسية الوديع كانت فرصة لأتعرف عليها عن قرب". هي من طينة أخرى حسب نور الدين عيوش " مكتعرفش تضحك، ولا تعاود نكتة، حتى ضحكها في حدود، كل شيء تقوم به في حدود الاحترام، لا تتمسخر ولا تتمسرح على أحد، لا تجرح أي إنسان، ولا تغتاب في أي شخص، طيلة 15 سنة من العمل المشترك لم تتغير شخصيتها رغم تقلدها سلم المراتب، ولا تغلق أبوابها في وجه أحد". كل من يتحدث عن زليخة نصري لا يبقى محايدا، يعبرون بالارتباك أو بالافتخار أو باستحضار قسوتها أو لطفها، كل حسب الظروف التي جمعته بها، حتى يخيل أنهم يتحدثون عن شخصيات مختلفة لامرأة واحدة... امرأة قست على الرجال، أبكت مرؤوسيها وأربكت حسابات خصومها. بسيطة متواضعة مع الفقراء ومتكتمة متحفظة مع الإعلام، صارمة وحازمة مع المتعاملين معها، لا تتسامح مع من يخرق البروتوكولات الملكية. توجهاتها تتطابق وتوجهات الملك تصفق لما يقوله، وتدعم ما يقوم به، وتستنكر ما قد يضر به. المستشارة الأمينة ظهرت ورغم الاختلافات الإيديولوجية في صورة معبرة في بيت المرحومة " ماما آسية" إلى جانب نبيلة منيب الأمينة العامة لحزب اليسار الموحد، والمطالبة بنظام يسود فيه الملك ولا يحكم عبر إقرار ملكية برلمانية من جهة، ومن جهة أخرى إلى جانب بسيمة الحقاوي ممثلة التيار الإسلامي، في دليل على أن الموت وحده قادر على جمع الحساسيات المتناقضة في صورة واحدة.