القاهرة/ خاص أقيمت في بيت الأمة( مركز سعد زغلول ) في القاهرة، أمسية شعرية للشاعرة والإعلامية، و التشكيلية العراقية، رنا جعفر ياسين؛ بمناسبة صدور مجموعتها الشعرية الثالثة:" مقصلة بلون جدائلي" التي صدرت مؤخرا في القاهرة عن دار سنابل للكتاب. و أدار الأمسية التي قرأت فيها الشاعرة بعضا من قصائد المجموعة، وتحدث فيها الناقدان، إبراهيم الجهيني، وخضير ميري، الإعلامي، والشاعر المصري، سامح محجوب. وبحضور نخبة من المبدعين والمثقفين العراقيين والمصريين، بدأت الأمسية بالوقوف دقيقة حداد على شهداء غزة، ثم عرض مدير الندوة سامح محجوب بإيجاز تجربة الشاعرة التي اعتبرها مؤرخة بالشعر للحياة، واعتبر مجموعتها سيرة ذاتية شعرية، يتداخل فيها العام مع الذاتي، تماما كما تتداخل الشاعرة التي كتيت مع الفنانة التشكيلية التي جهزت أيضا لوحات أغلفة مجاميعها الشعرية؛ فتكتب بالضوء واللون والظل، وتقدم لنا صورة شعرية مرئية وممسرحة. كما ألقى الضوء على تجاربها الشعرية السابقة من مجموعتها الأولى" طفولة تبكي على حجر" مرورا بالمجموعة الثانية" مسامير في ذاكرة" حيث لم تتوقف الشاعرة عن التشابك مع اللغة وتطويعها لتصنع لغتها الخاصة، فهي إذن إنسانة تسكنها الموهبة والإحساس والإبداع . وختم مقدم الأمسية شهادته بأن من النادر أن تجد شاعرة وإنسانة في وقت واحد لا يمكن الفصل بينهما، ثم قدم الشاعرة لقراءة بعض قصائد المجموعة، فقرأت قصيدة " فوبيا بغداد " و" ثوب عروس" و" كن عاقلاً اننا نمتطي ". و تحدث الشاعر والناقد إبراهيم الجهيني قائلاً: إن الشاعرة استوقفته من مجموعتها السابقة" مسامير في ذاكرة " بلغتها وطرحها الخاص. وعن مجموعة" مقصلة بلون جدائلي" قال إن رنا، تدفع في البداية بعنوان يحدث هذه الحالة من المخاتلة في التلقي، فهل هذه المقصلة التي بلون جدائلها، هي مقصلة خصصت لقطع هذه الرقبة فقط، واختيرت بهذا التمييز لفصل هذه الذات عن الواقع ؟ أم أنها مقصلة رشحتها الذات لتفصل العالم عنها ؟ ثم تحدث عن الملامح الأساسية في تجربة المجموعة الشعرية، حيث اعتبر أن رنا جعفر ياسين، تطرح ذاتا شعرية قلقة بسبب اضطراب العالم، والذي يؤول بالضرورة إلى الضغط على هذه الذات، ووصَفها بأزمة مواجهة العالم. ثم عرض لتقسيم النصوص داخل المجموعة على أربع مراحل، اعتبرها أربع مجموعات، اختارت رنا لكل مجموعة عنوانا، يمثل عتبة أساسية، ويحدث اشتباكا مع عناوين القصائد في الداخل؛ في محاولة لعمل هذا التعقيد المماثل لتعقيد الحياة . كما عرض للخطاب الذي تستخدمه الذات الشعرية في مخاطبة الآخر، والذي هو ديالوج قائم بين الذات الشاعرة، والآخر الممثل في المجموع، أو الآخر الغائب، والذي هو دائما خطاب يسري في اتجاه واحد من الذات نحو الآخر الغائب حتى في حالة الحضور؛ ورأى هذا التشكيل مرتبطا بحالة الفقد اليومية التي يفرضها المشهد الواقعي، وموازيا لحالة فقد أخرى تعاني منها الذات في علاقتها بهذا الواقع ملمح آخر رآه في تجربة رنا الشعرية، وهو ما أسماه بخبرة الأنثى في الكتابة، حيث الأنثى كذات هي مشغولة دائما بالتفاصيل، تتخذ عتبات للحكي، وتعود لهذه العتبات لتتكىء عليها مرة أخرى للحكي، وهي مشغولة دائما بالتفاصيل الدقيقة. وقد تعاملت رنا عبر قصائد الديوان بهذه الخبرة الأنثوية في التشكيل الشعري، واعتبرها خبرة تندر في الكتابة العربية ،حيث تكتب معظم الكاتبات بعقلية ذكورية، فتعتمد نفس الجمل الحادة المباشرة، وتفتقر إلى الخبرة الأنثوية التي تمثلت جيدا في مجموعة" مقصلة بلون جدائلي ". ثم ختم شهادته النقدية بالحديث عن الحركة الأخيرة في المجموعة المعنونة" للموت رعشة الزجاج الأحمر" واعتبرها تكريسا لكل هذا الغياب الذي تعانيه الذات الشاعرة في العلاقة بالآخر والوطن، وكل هذا المشهد المرصود من حالات الموت والدمار؛ لنصل للنص الأخير في المجموعة" الوصية" وكأنها وصية تدفع بها للآخر/ الصديق؛ لتطرح معه غيابها عن المشهد، لتخرج هي من مشهد الحركات الشعرية التي تمثلت في القصائد، وتجعلها عتبة خروج الذات الشاعرة من هذا الواقع الشعري الذي تتحدث عنه، والتي هي بالقطع عتبة مؤجلة لقفل هذه الحركات النصية عبر المجموعة. ثم صدح صوت رنا جعفر ياسين مرة أخري بقصيدة" في حضرة غيابك" المهداة للشاعر الراحل محمود درويش. و جاءت مشاركة الناقد خصير ميري في هذه الامسية؛ لتقدم قراءة اشكالية لمتن هذه المجموعة حيث استهل مداخلته بالقول: عندما كتب اليوت رائعته" الأرض اليباب" انتابه شعور بالصعوبة والحيرة إزاء الجزء المخصص للموت في اليباب النفسي الذي كان يشير اليه، ومن هنا اعتبر ميري بأن قصائد رنا جفر، قد دخلت منطقة الالتباس والمجازفة في تبنيها موضوة الموت في معطم قصائدها التي استنطقت وشعرنت ما هو غير قابل للشعرية؛ إلا بجهد كبير. وقد أشار الناقد بتكثيف عال حول مواضع الموت ومشتقاته، وما دسته الشاعرة من جماليات، و رومانس وشارية مأساتية وصادمة في معظم دلالاتها. المنهج الذي اقترحه خضير ميري لقراءة هذه القصائد، أطلق عليه تسمية التعامل الموضوي والارتداد الذاتي؛ باعتبار أن هناك ذبذبة دلالية تتحرك على مقدار شعرة واحدة بين الوصف الماش أو الواقعي، والتمثل الذاتي، أو النشاط الجمالي داخل هذه القصائد التي أصرت الشاعرة أن تستجلب الخلفيات البلاغية للتراث، ودلالاته المتعارف عليها عند الاولين من الشعراء الكبار؛ لتستحلب منها أفقا استعماليا، يكاد أن يكون غير مسبوق في عمل الشعرية الحديثة، ونصح الجمهور أن يستعملوا نوعين من القراءة في هذه المجموعة، مؤكدا على ثعلبية الشاعرة، وخطورة اشتغالاتها، وقدراتها الخاصة على خلق المجاز مما هو متاح، وصنع الاختلاف مما هو مألوف، وبالتالي قد استطاعت أن تخلق لنا نصيا متحديا بحاجة إلى قراءة مركزة، وجهد وفير؛ ربما لا تقدمه الكثير من القصائد الحديثة اليوم . ثم قدم العديد من الحضور مداخلاتهم حول المجموعة، والتي ذهبت في عمومها لتقدير خصوصية هذه الشاعرة، وهذه المقصلة الذهبية. وختم سامح محجوب الأمسية بقوله، إن المجموعة تؤرخ لما يحدث في العراق، ولكن بتقنية عالية جدا، استطاعت أن تفلت من شرك خطابية القضية؛ لتبقي الإبداع والفن، جاعلة منه ديوانا إنسانيا بامتياز. وختمت الشاعرة رنا جعفر ياسين هذه الامسية بقصيدة" الوصية "