وجهت فعاليات صحراوية مشاركة في المؤتمر الثالث عشر لجبهة البوليساريو بمؤتمر تفاريتي، رسالة شديدة اللهجة إلى قيادة البوليساريو، وصفت بالجريئة والغير مسبوقة. وهي الرسالة التي صفق لها المؤتمرون، وحياها المناضلون والغيورون من أبناء الصحراء، وباركها المعارضون ضد توجهات قادة البوليساريو. وقد أطلقت الفعاليات نداء إلى كل مكونات الشعب الصحراوي من أطر ومدراء وساسة، وحتى الجنود والضباط للانضمام إلى الحركة الإصلاحية التي تروم إعادة ترميم البيت الصحراوي، وتخليصه من المعيقات والأسباب المانعة لإنهاء قضية الصحراء بما يخدم مصالحه وتطلعات مكوناته؛ كما وجهت الحركة الإصلاحية دعوة لكل الضمائر الحية العالمية والوطنية للمساعدة في إيصال صوت الحركة إلى الصحراويين أينما كانوا وتواجدوا، وإبلاغ الرأي العام بميلاد حركة تصحيحية يجب أن يتعاون معها الجميع للخروج من فترة الجمود التي طبعت قضية الصحراء، ورسخت حكما لا ديمقراطيا لسنوات طويلة . كما دعت الحركة التصحيحة في رسالتها المذكورة إلى صيانة توجهها وحماية المنتسبين إليها من أي رد فعل انتقامي يروم تهديد وجودها، وناشدت المتضامنين معها أو الراغبين في دعمها من داخل المخيمات أو خارجها إلى الانضمام إلى حملة التوقيعات التي تباشرها الحركة؛ كأول خطوة تنهجها في سبيل نضالها التصحيحي لبناء المشروع الصحراوي المبني على الواقعية في الطرح، والشفافية في التعامل، والإشراك في كل المراحل، وأكدت الحركة التصحيحية أن هذه الخطوات جاءت لتطويق قيادة البوليساريو التي ماطلت الصحراويين، ولم تستطع تقديم شيء للتخفيف من معاناتهم، بل على العكس مارست ضدهم الإقصاء والمنع، وحرمتهم من التعبير عن آرائهم وقناعاتهم، وأكثر من ذلك وقفت في سبيل تمتيعهم بالحق في التظاهر والاحتجاج داخل المخيمات كأبسط حق من الحقوق التي تعترف بها البشرية جمعاء؛ باستثناء قيادة البوليساريو التي تجردت من أدنى الشروط الإنسانية، وتخلت عن الفضائل الأخلاقية وشيم المروءة التي طالما كانت سمات كل أبناء الصحراء؛ حتى أصبحت ساكنة تندوف تجزم بأن عناصر قيادة البوليساريو لا يمكن أن يكونوا صحراويين، ذلك أن الصحراويين ظلوا منذ الأزل أهل الكياسة، والرأي، والرأي الآخر، وأصحاب المشورة؛ ويصدرون قرارات تلزم فردهم بعدما تستنبط من آراء جماعاتهم، فقد كانت المجالس نبراسهم ودستورهم، ونقاشاتهم المتبادلة سبيلهم لاختيار الأصوب والأجدى؛ اعتمادا في تسيير شؤونهم. أهل الصحراء يا سادتي رغم اختلاف مشاربهم وتعدد قبائلهم كانوا دوما على قلب رجل واحد، ما سمعنا بضعيف يظلم بينهم، ولا فقير يحتقر فيهم، ووالله لنشهد أنهم كانوا يحنون على الصغير، ويقدرون الشيخ، ويبجلون الكبير. كانوا إذا ما بغت فئة منهم على فئة أخرى، سعوا للصلح بينهما، وإن استقوت جماعة على أخرى، هبوا لنصرة الجماعة المستضعفة. هؤلاء هم أهل الصحراء الحقيقيون الذين أصبحنا نذكرهم ذكر الأبطال، وصرنا نشفق على حاضرنا، ونبكي حرقة على ماضيهم الجميل. إنهم أهل الصحراء الذين نتأسف اليوم على ما نابنا من خلفهم، وما نقاسي من ورثتهم . أين قادة البوليساريو اليوم من شيم أهل الصحراء ونبلهم؟ هم قادة تخلوا عن المواثيق الغليظة التي تعاهد الصحراويون عليها بأن يكونوا رحماء بينهم، أشداء على أعدائهم. أين العهد يا قادتن؟ أين الوعد يا رموزنا ؟. لم أصبحتم أشداء على إخوانكم، قساة على أرحامكم، طغاة على أبنائكم، جبابرة على نسائكم. يا قادتنا، لقد وليناكم في البدء على أنفسنا، وأمناكم على أعراضنا، واستخلفناكم في أهلنا، لكنكم نكثتم بالعهد، وخنتم الأمانة، وتخليتم عن الواجب، وعرضتمونا كما عرضتم أبنائنا لويلات الحرمان والتشرد، واستبسلتم في إطالة معاناتنا رجاء لرخائكم وسعادتكم، وإمعانا في إذلالنا، فما هكذا تكون البطولات يا قادتنا، وما هكذا يطلب المجد يا سادتنا. لقد غرتكم الأماني، وغركم بالله الغرور . لقد كنا سندا وعونا لبعضنا في اللجوء، وخضنا النضالات والحروب، وازددنا فيها حبا ونصرا لبعضنا البعض، واعتبرناكم رموزنا وقدواتنا التي نفتخر ونزهو بها، فآثرناكم على أنفسنا، وضحينا في سبيلكم بأرواحنا، وكنتم أملنا في قيادة شعبنا إلى المستقبل الموعود. لم نطالبكم بشيء، ولم نطلب مقابلا للتضحيات، ولم نبتزكم في يوم، أو نقلل من شأنكم في أمر، وإنما كنا رمز الطاعة والسمع لأوامركم التي تصدرون، وحتى التي لم تصدروا. هكذا على مر سنوات طويلة كان حالنا معكم، فبالله عليكم، ما كان حالكم معنا ؟. يا قادتنا، ما كان اللين في شيء إلا زانه، وما انتزع من شيء إلا شانه، وقد هجرتم اللين معنا، وتخلقتم بالقساوة تجاهنا، والله عز وجل يقول:" ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك". فكيف تستغربون إن تخلينا عنكم؟، وكيف تستهجنون نفور الصحراويين عنكم؟، طبعا، لأن هذا أصبح حالكم، فنرجوكم، لا تنكروا علينا إن بحثنا عن مشروع كبديل عنكم. إنكم لم تعودوا أولئك القادة الحكماء، أو الذين ظنناهم حكماء. اليوم صرتم أصحاب رؤوس أموال على حساب معاناتنا، وأهملتم قضيتنا، وأدخلتموها كما أدخلتمونا في دوامة المجهول والإصرار على مسلسل المفاوضات الفاشل بكل المقاييس، الفاشل لأنكم تتشبثون بخيارات أكل الدهر عليها وشرب، تتمسكون بخيار الدولة الصحراوية التي أصبحنا نراها حلما لا يمكن أن يتحقق.. أيها القادة، إن شهداءنا ضحوا بأرواحهم، وأبطالنا أفنوا أعمارهم، ونحن أفنينا شبابنا من أجل دولة صحراوية مستقلة لم نكن نرى عنها محيدا، ولأننا لم نكن نرى بديلا يلوح في الأفق غيره، فاستمتنا دفاعا عنه، ولأنه لم تكن هناك أرض يمكن أن تحتوينا غير أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب، فقبلنا ضيافة دولة الجزائر على أراضيها إلى حين، وليس أبد الدهر كما تريدون. لقد تسارع الزمن، وتغيرت العوالم، واندثرت أحلام، وبقيت آهات. العالم كله انتقل إلى الحداثة والتطوير، وتفنن في العمران، وانفتح على بعضه البعض، إلا نحن، بقينا حبيسي الدار، وأي دار؟ بل، خيمة في وسط الصحراء. خيمة طالما كانت محط عز وإباء، خيمة مثلت لعقود رمزا للصمود، لكنها اليوم للأسف أصبحت ماركة مسجلة لمأساة شعب صحراوي، تخلت عنه قيادته، وآثرت لنفسها العيش في ذاك العالم الفسيح، دون مبالاة بظروف القهر، والمعاناة التي يعيشها أبناء جلدتهم. لأجل ذلك، انفض أهل الصحراء عنك يا قيادتنا المبجلة. لأجل ذلك انطلقت الجماعات في البحث عن الخلاص من مقبرة تندوف التي لم يعودوا آكما لم نعد نرضى أن يقبروا فيها انتظارا لدولة صحراوية لن تأتي، ولا يمكن أن تأتي إلا في مخيلة قادتنا. الدولة الصحراوية التي صارت اسما وسلعة تبيعها قيادة البوليساريو للصحراويين لدغدغة مشاعرهم، واستعطاف بقائهم في المخيمات، واستجداء لحسنات أجانب، لا يقرأ اهتمامهم باللاجئين على أنه دعم لخيار الدولة الصحراوية إلا واهم، أو مجنون، فهم ما آزروا يوما الصحراويين إلا لظروفهم المعيشية، ولأسباب إنسانية محضة يؤمنون بها كما هي عادتهم في كل أرجاء الدنيا. الواجب الوطني في هذه المرحلة الحساسة يفرض علينا أن نخير قيادتنا بين ثلاث خيارات: إما أن تقود، أو تتبع، أو تتنحى عن الطريق.. وأنتم فشلتم في القيادة، ولا نظنكم ممن يرضون أن يكونوا تابعين تكبرا منكم كما عهدناكم، فإذاً، لم يبق لكم إلا الخيار الثالث، وهو الأخير: التنحي جانبا، والترجل من على رأس هرم قيادتنا، فاليوم أصبح من حقنا أن نبحث عن مستقبل طالما حلمنا به، وأن نبحث في الخيارات المطروحة في طاولة المفاوضات، وأن نناقش كل الحلول الممكنة كصحراويين، ونختار الأفضل والأجدى والواقعي بينها، والذي ينهي معاناتنا في اللجوء، ويعوضنا عن الشتات، ويجمعنا بأهالينا وإخواننا في أرضنا العزيزة، أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب. دعونا من فضلكم، وأجيبونا إلى رغبتنا، واتركونا لشأننا، فقد أصبحتم عصا غليظة في تمنع دوران عجلة حلول مشاكلنا، فدعونا بالله عليكم نخترْ مصيرنا، واتركونا نتحملْ مسؤولياتنا، فلم نعد نقوى على الانتظار، وأهالينا ضاقوا درعا بالشتات، والفراق، واللجوء.