رغم صدور قرار من محكمة أمريكية الأسبوع الماضي يقضي بتعليق العمل بعدد من بنود قانون ولاية أريزونا الجديد، يترقب الشعب الأمريكي كيف ستطبق ولاية أريزونا القانون المثير للجدل، وهو القانون الذي أقرته الولاية قبل ثلاثة أشهر ويقضي بترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى خارج الولاية. وعلقت محكمة فيدرالية تنفيذ البنود التي تلزم المهاجرين بحمل أوراق تثبت وجودهم في الولاية بطريقة شرعية، إلا أن هذا القانون المثير للجدل يسمح لأجهزة الأمن سلطة التدقيق في أوراق كل من ينطبق عليه "الشك المنطقي reasonable suspicion""، على حد وصف القانون. ويعد التعامل مع قضايا الهجرة شأنا فيدراليا منوط به دستوريا للحكومة الأمريكية، ولم يسمح تاريخيا للولايات، التي لها قوانينها ودستورها الخاص بها، أن تتعامل مع هذه القضية. وقدمت وزارة العدل الأمريكية طعنا بقانون ولاية أريزونا، وترى وزارة العدل أن قانون يتعارض دستوريا مع صلاحيات الحكومة الفيدرالية المتعلقة بوضع وتنفيذ سياسة الهجرة، مشيرة إلى أن "الدستور الأمريكي والقانون الفيدرالي لا يجيزان للولايات أن تشرع سياسات الهجرة حتى على مستوى الولاية. وانتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما قانونا ولاية أريزونا قائلا إن "هذا يقوض المبادئ الأساسية التي تحدد لنا كأمة ومن الخطأ شق نظامنا الخاص بالهجرة". ولا تزال قضية كيفية التعامل مع غير المواطنين الذين يعيشون على الأراضي الأمريكية موضوعا رئيسا للنقاش حتى الوقت الحاضر، لعدة اعتبارات، منها أن كل الخاطفين الضالعين في هجمات 2001 قد دخلوا الأراضي الأمريكية بصورة قانونية، بالإضافة إلى ازدياد المخاوف المتعلقة بسهولة اختراق الحدود الأمريكية، أو تلك المخاوف الناجمة عن إقامة نحو 14 مليون مهاجر غير شرعي على الأراضي الأمريكية. وعلى الرغم من الوقت والمال الذي خصص للإجراءات الأمنية المشددة في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، فإنه من الواضح أن الممارسات القاسية من قبل إدارة جورج بوش الابن لم تفعل كثيرا لضمان عدم تدفق المهاجرين غير الشرعيين للولايات المتحدة. ويتفق كثيرون على ضرورة إحداث قدر كبير من الإصلاحات لضمان فاعلية قوانين الهجرة. وقد حاولت الحكومة الأمريكية، خلال السنوات الأربع الماضية، تحويل أفكار إصلاح نظام الهجرة إلى حقيقة واقعة، ولكنها فشلت. وفي عامي 2006 و2007، حاول كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ تمرير مشروع قانون لإصلاح شامل للهجرة، لكن لم يتم إحراز كثيرٍ من التقدم في هذا الإطار. وتعد قضية الهجرة من أهم القضايا التي تواجه إدارة أوباما ويتخوف الديمقراطيون من استغلال الجمهوريين لهذه القضية خلال انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس شهر نوفمبر القادم. ما العمل؟ تعد تسوية وضع المهاجرين غير الشرعيين وإبقاؤهم داخل الولاياتالمتحدة أم طردهم وإعادتهم إلى دولهم الأصلية، سؤال يناقشه المجتمع الأمريكي بكل فئاته. ففي الوقت الذي يؤيد فيه معظم أعضاء مجلس الشيوخ منح المهاجرين غير الشرعيين حق البقاء والعمل في الولاياتالمتحدة ولو لمرحلة مؤقتة، تحتد المواجهة حول ما إذا كان يتعين السماح لهم بالبقاء بعد مرور ستة أعوام أو إرغامهم على المغادرة. فحتى الأعضاء الذين يرفضون إفساح المجال لهؤلاء المهاجرين للحصول على الجنسية الأمريكية في نهاية المطاف يؤيدون تسوية وضعيتهم القانونية مرحليا طالما يقومون بتسجيل أنفسهم لدى السلطات ودفع الغرامات المالية والمغادرة في نهاية المطاف ويرى السيناتور الديمقراطي تشارلز شومر من ولاية نيويورك، الذي قدم خطه لجعل إصلاح حقيقة واقعة. فقد أوضح أن الشعب الأمريكي مؤيد للهجرة القانونية وضد الهجرة غير الشرعية بشكل أساسي، وبالتالي يجب أن تستهدف السياسات بقوة الأعمال غير المشروعة، غير أنه اعترف بأن المشكلة تكمن في نظام الهجرة ذاته وليس في المهاجرين أنفسهم. ووفقًا لخطة السيناتور شومر، فإن الأجانب الذين يعيشون حقيقة داخل الولاياتالمتحدة سيتم تحويلهم إلى مواطنين مع العفو عن كل أفعالهم غير القانونية في السابق، بجانب وضع الضمانات الكافية بعدم تجديد السياسات القاسية التي اتبعتها إدارة بوش الابن، وخاصة تجاه تجمعات العرب والمسلمين. وأبدى شومر تفاؤله فيما يتعلق بتحويل خطته إلى واقع ملموس في غضون السنة المقبلة، معتقدًا أن الرئيس أوباما بوسعه تأمين الأصوات اللازمة لتمريرها داخل الكونجرس. وبرغم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الولاياتالمتحدة وارتفاع معدلات البطالة، والمخاوف الخاصة بالرعاية الصحية، فإن الأمريكيين مستعدون للتوصل إلى حل بشأن الهجرة، طبقًا لشومر، "سياسة عادلة للهجرة هي أمر ضروري لتنوع ووحدة وتقدم الأمة، ناهيك عن سمعة البلد في الخارج". الهجرة ثروة أمريكا الحقيقة ويتميز المجتمع الأمريكي بتعدد عرقياته، فالولاياتالمتحدة تعد الوجهة الأولي لأي راغب في حياة اقتصادية مرتفعة المستوى أو للحصول على قدر عالي من التعليم والحرية والديمقراطية، وتتميز الولاياتالمتحدة عن غيرها من المجتمعات الأوروبية بأنها علمت على صهر المهاجرين إليها في بوتقة الثقافة والتاريخ الأمريكي، وقد تجلت أثار في كون الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه أبن أحد المهاجرين الأفارقة. ويعتبر التنوع العرقي أحد أعظم ثروة تمتلكها الولاياتالمتحدة، حيث أنه يثري الاقتصاد والثقافة ويعززهما. ويعد الشباب أهم مورد تجلبها الأقليات إلى الولاياتالمتحدة، إذ أن متوسط الأعمار بين سكان مجموعات الأقليات العام الماضي كان أصغر من متوسط العمر بين السكان ككل (36.6 سنة)، في حين أن متوسط العمر لدى السكان البيض كان أعلى من ذلك (40.8 سنة)، وكذلك حسبما جاء بتقرير بموقع مكتب برامج الإعلام الخارجي التابع لوزارة الخارجية. كما تتمتع الأقليات السكانية أيضاً بقوة شرائية أكبر، بسبب إرسال الكثير من المنتجات الاستهلاكية لخارج الولاياتالمتحدة، إضافة لذلك، تمتلك الأقليات حوالي 18 في المائة من الشركات الأمريكية البالغ عددها 23 مليون شركة، طبقاً لبيانات إدارة مؤسسات الأعمال التجارية الصغيرة الأمريكية. ويظهر إحصاء للسكان لعام 2007 أن عدد المواطنين الأمريكيين الذين يدعون أن لهم أصولا إثنية أو عرقية تنتمي إلى أقلية معينة أو غيرها، أكثر من الثلث بقليل من سكان الولاياتالمتحدة، أي بنسبة 34 في المائة، وهذا لا يفوق ما كان عليه الوضع في السنة السابقة فحسب، بل هو يمثل قفزة بواقع 11 في المائة عما كان عليه الحال في عام 2000. ويؤكد أحدث تعداد سكاني صدر في الأول من مايو (2008) أن الأقلية الهيسبانك (متحدثين الأسبانية والبرتغالية) والآسيوية هما الأسرع نموا في الولاياتالمتحدة. انخفاض نسبة الأمريكيين البيض إن الوضع لم يكن دائماً على هذا الحال. ففي التعداد السكاني لعام 2000، كان السكان البيض يشكلون 77.1 في المائة من المجموع الكلي لعدد سكان الولاياتالمتحدة. وقد نما عدد السكان البيض خلال الفترة الممتدة بين عامي 1990 و1999 بواقع 4 في المائة، وعدد الأقلية الإسبانية بواقع 3. 5 في المائة. وفي العام 2000، كان البيض يمثلون الأغلبية في جميع الولايات عدا هاواي. ولكن البيض الآن يمثلون نسبة 66 في المائة من عدد السكان. ويوجد اليوم في هاواي وثلاثة ولايات أخرى هي نيو مكسيكو وكاليفورنيا وتكساس، نسبة أكثر من 50 في المائة من السكان تتألف من أشخاص من أصل إسباني من غير البيض. حقائق وأرقام حول الهجرة غير الشرعية في أمريكا يقدر عدد المقيمين في الولاياتالمتحدة بصورة غير شرعية بحوالي 14 مليون شخص معظمهم من المكسيك وأمريكا اللاتينية، حيث تبلغ نسبة المكسيكيين 56% منهم، بينما تصل نسبة المهاجرين غير الشرعيين من أمريكا اللاتينية إلى 22%. تصل نسبة المهاجرين غير الشرعيين ذوي الأصول الأسيوية 13%، بينما يمثل المهاجرين غير الشرعيين من أوربا وكندا نسبة 6% ، وأخيرا3% هي نسبة المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا ومناطق أخرى. تضاعفت أعداد المهاجرين غير الشرعيين في الولاياتالمتحدة في السنوات العشر الأخيرة بصورة كبيرة، ففي عام 1980 كان عددهم يقدر ب 3 ملايين فرد. وفي عام 1982 زاد عددهم بمقدار 300 ألف فرد. وبلغ عددهم في نهاية عام 1986 أربعة ملايين. ولكن تناقصت أعداد المهاجرين غير الشرعيين في بداية التسعينات لتصل إلى 3 ملايين فرد. ولكن هذا العدد كاد أن يتضاعف في عام 1996 عندما وصل عددهم إلى 5 ملايين مهاجر. وقفز هذا العدد إلى 8 ملايين و400 ألف مهاجر بحلول عام 2000. ومن ثم ارتفع هذا العدد في عام 2005 ليصل إلى 11 مليونا و100 ألف مهاجر مقيم بصورة غير شرعية، ويقدر الأن ب 14 مليون شخص. في عام 1996 قدم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون تشريعا عرف ب "عفو كلينتون" تم بمقتضاه منح ملايين المهاجرين غير الشرعيين عفوا شاملا، وتصحيح أوضاعهم القانونية. لكن بسبب تضاعف أعداد المهاجرين غير الشرعيين في السنوات العشر الأخيرة، بالإضافة إلى وجود إدارة جمهورية محافظة، اتخذت الإدارة الأمريكية في السنوات الأخيرة إجراءات قانونية وأمنية صارمة حين أجاز مجلس النواب في ديسمبر 2006 قانونا يقضي بجعل التواجد داخل الولاياتالمتحدة بشكل غير شرعي جريمة فيدرالية يعاقب عليها القانون. على الرغم من أن نسبة المهاجرين غير الشرعيين لا تزيد عن نسبة 4.9% من أجمالي الأيدي العاملة في الولاياتالمتحدة، فإنهم يمثلون نسبة كبيرة من الأيدي العاملة في قطاعات ومجالات معينة. ففي قطاع الزراعة يمثل المهاجرون غير الشرعيين نسبة 24% من إجمالي عدد المزارعين في أمريكا. وفي مجال النظافة ، يشغل المهاجرون غير الشرعيين نسبة 17% من نسبة العاملين في هذا المجال. وفي قطاع البناء والتشييد يمثل المهاجرون غير الشرعيين نسبة 14% من العاملين في هذا المجال. توجد النسبة الأكبر من المهاجرين غير الشرعيين في ولايتي كاليفورنيا وتكساس حيث تزيد أعدادهم في كل منهما عن المليون فرد، بينما توجد أعداد تتراوح مابين 250 ألف إلى المليون في ولايات نيويورك وأريزونا وفلوريدا وجورجيا ونورث كارولينا والينوى. وتوجد أعداد تتراوح ما بين 100 ألف و250 ألف في ولايات بنسلفانيا وواشنطن وأوريجون وميشيجين وفرجينيا وأوهايو.