خلال دراستي في المرحلة الثانوية شعبة الآداب العصرية، كان ينتابني هاجس الحصول على شهادة البكالوريا، كنت أعلم مسبقا أن هاته الشهادة ماهي إلا بداية الطريق نحو مغامرة علمية جديدة. مرت السنة الدراسية بسرعة البرق ووجدت نفسي في أواسط شهر يونيو، بمعية المئات من التلاميذ المترشحين متسمرين أمام الباب الرئيسي للثانوية منتظرين ظهور سبورة النتائج التي كانت بمثابة الكابوس الذي يؤرق مضجع التلاميذ عند نهاية السنة الحاسمة، حصلت على شهادة البكالوريا بميزة مستحسن، وكان شعورا لا يوصف نظرا لكون عدد الناجحين في تلك السنة كان ضئيلا مقارنة بالسنوات الماضية.. بعد انقضاء العطلة الصيفية التي قضيتها رفقة أسرتي بمراكش الحمراء، عدت إلى الدارالبيضاء وفي ذهني فكرة واحدة هي التسجيل في كلية الحقوق، ولحسن الحظ وجدت العديد من رفاق الأمس من الحاصلين على شهادة البكالوريا يشاطرونني نفس الفكرة، إذن لن أكون وحيدا في تلك الكلية النائية ! عشرون كيلومترا كل يوم كانت بمثابة رحلة العذاب التي أقطعها يوميا للوصول إلى رحاب كلية الحقوق بالمحمدية ، المدينة التي لطالما استمتعت بشواطئها الجميلة، هذه المرة سأكون مطالبا باستيعاب محاضرات القانون ! لقد كان شعورا غريبا كطالب في السنة الأولى يدخل مدرجا يعج بأكثر من 400 طالب وطالبة، كل واحد منهم يحمل في داخله أحلاما مشروعة، وهناك من قصد الكلية فقط من أجل حفظ شهادة البكالوريا من التلف ! المهم كانت الأشهر الأولى مهمة جدا للانسجام والتعود على أجواء الحياة داخل أسوار الجامعة البعيدة كل البعد عن المراحل الدراسية السابقة، القانون الإداري ، القانون التجاري، القانون العام ... كانت هذه أولى الاصطدامات خلال السنة الأولى، حيث تتطلب هذه المواد قدرات ذهنية عالية لفهمها خصوصا وأن جل الأساتذة الذين كنت أدرس عندهم يعتبرون من المحللين السياسيين البارزين في البلاد، إذ لا تخلو محطة إعلامية محلية وعربية من مداخلاتهم في كل الأحداث التي يشهدها المجتمع، وكان هذا أيضا مبعثا للفخر بالنسبة لي، إذ كنت أحرص في كل مرة يحل فيها أحد أساتذتي على أحد القنوات التلفزية على لفت انتباه الجالسين من حولي بأنني احد طلبة هذا الأستاذ الذي يتحف المشاهدين بتحليلاته وتصوراته حول مختلف القضايا السياسية الهامة. كانت سنتي الأولى في الجامعة مهمة جدا، فمن خلالها كنت سأقرر فيما هل سأستمر في متابعة الدراسة داخل أروقة هذه الجامعة أم سأتوقف عند هذا الحد ، بالمقابل كان هناك شباب مثلي يضعون في ذواتهم نفس الرهان الذي اخترته، وكان هناك أيضا شباب أيضا لا يبالي ولا تعنيه المحاضرات ككل ! فبين غياب مستمر عن حضور المحاضرات وتأخر دائم وعدم اكتراث بالواجبات ، كان البعض يفضل النزول إلى الشاطئ عوض حضور محاضرات القانون الدستوري والقانون الإداري ! في حين كنت أدرك جيدا أن الجامعة هي قاعدة أساسية للتكوين وبناء الشخصية بدل الشعور بالتحرر الزائف الذي كان يراود بعض رفاقي المهملين. مرت السنة كلمح البصر وكانت النتائج في مستوى التطلعات وأدركت حينها أنني قطعت فصلا مهما في المشوار الجامعي بالصعوبات، فما بين الغياب المتكرر لبعض الأساتذة وحالات الفوضى التي يتسبب فيها بعض الطلبة المنتسبين لبعض المنظمات الطلابية والعدد المهول للطلبة الذي يكون الحصول معه على مقعد في المدرج ضربا من الخيال، لقد كان السنة الأولى فرصة لمعرفة عالم جديد مختلف عن ما عشته سابقا، وأنه أصبح من الضروري البدأ في التحضير للسنة الموالية التي كنت آمل أن تكون أفضل من سابقتها. -------------- ** طالب سنة أولى بالمعهد العالي للصحافة والإعلام بالدار البيضاء